كتب “أنا مظلوم” في عهد السادات ثم غنى للثورة وعبد الناصر.. الريس حفني وصناعة الفلكلور الموسيقي

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/03 الساعة 07:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/03 الساعة 07:43 بتوقيت غرينتش
المطرب المصري الصعيدي حفني أحمد حسن أو الريس حفني، وعلى اليمين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، وعلى اليسار الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر - الشبكات الاجتماعية

الحفاظ على التراث والفلكلور أمر ليس سهلاً خصوصاً في ظل الحداثة والتطور السريع الذي نشهده، ويبدو أن صناعة الفلكلور كانت مهمة أصعب يخلق بها الفنان أعمالاً تناسب البيئة والمكان والزمان، ليصنع عملاً فنياً يتجاوز حدود مكانه وزمانه ويعيش لعقود بعده مثل ما فعله المطرب المصري الصعيدي حفني أحمد حسن أو الريس حفني ، الذي ترك مجموعة من الأغاني الفلكلورية الخالدة، وأخرى أصبحت تراثاً فنياً للصعيد، وغيرها من أغاني الثورة.

نشأة الريس حفني .. بداية من الربابة

وُلد حفني أحمد حسن في "بني مر" بمحافظة أسيوط، في عام 1920، وتعلم القراءة والكتابة، ثم اتجه إلى الغناء بالربابة في أسيوط، ومع اهتمامه بالغناء والعزف سافر إلى مدينة البلينا في محافظة سوهاج، التي اشتهرت بانتشار المواويل الصعيدية خلال فترة الأربعينيات، وهناك بدأ في تعلم الموسيقى والمقامات على يد الشيخ عبده عبد الراضي وهو من مدينة البلينا، وأصبح الريس حفني على بداية الطريق، وعينه على حفلة حديقة الخالدين في الدرّاسة.

في ظل غياب الصعيد ومواهبه عن الساحة الفنية في مصر، قرر الريس حفني الحصول على فرصة أكبر بالسفر إلى الإسكندرية، حيث غنى في الأفراح والليالي، حتى قامت الثورة 1952، وبدأت بعض التغيرات الكبيرة على خريطة الموسيقى، حيث أعطيت فرصة كبيرة لكل الفنون الشعبية والفلكلورية.

في هذا الوقت كان زكريا الحجاوي؛ أحد رواد الفن الشعبي يجول في كل محافظات مصر بحثاً عن المواهب والأصوات لتقديمها، وعرض فرصة على الريس حفني، إلا أنه لم يرحب باقتحام أحد عالمه الفني الخاص، أو أن يغني من كلمات غيره، تقدم بعدها إلى إذاعة الإسكندرية، واجتاز الاختبار وتم تعيينه فيها، وقدم العديد من الأغاني في الإذاعة في الخمسينيات، حتى إنه قدم تتر المسلسل الإذاعي "هريدي وهمام".

الريس حفني وصناعة الفلكلور 

بدأ الريس حفني يصنع فناً ناجحاً يلقى رواجاً وانتشاراً وله حفلات بحضور جماهيري يقيمها طوال شهر رمضان في مبنى مشيخة الأزهر الشريف بحديقة الخالدين بالدرّاسة في القاهرة، ويشارك فيها أغلب نجوم الغناء الفلكلوري والشعبي في ذلك الوقت، وقد مثلت تلك الحفلات نقطة انطلاقة الريس حفني في عالم الغناء الفلكلوري والشعبي في القاهرة.

يمتلك الريس حفني قدرة على كتابة أغانيه باللهجة العامية الصعيدية وثرائها اللغوي، كما يمتلك مهارة كتابتها على شكل الموال المثلث أو كما يسمى أيضاً "فن التلتاوي"، وتنقسم الأغنية إلى مقاطع كل مقطع يتكون من ثلاث أشطُر، والشطر الرابع يكون هو المذهب الرئيسي للأغنية ويعاد بعد كل مقطع، كما يملك مهارة تغيير الكلمات في نهاية الشطر بالسجع، بجانب خصوصية الكلمات وقدرته على كتابتها.

تميزت أعمال الريس حفني أيضاً باختيار جملة موسيقية تراثية والبناء عليها كل أعماله الغنائية، ورغم ثبات الجملة في كل أعماله، إلا أن كل عمل وأغنية له روح مختلفة، وهنا تظهر وتتجلى قدرة وعظمة الفلكلور وصناعته، كما أشار فضل محمد إبراهيم الشاعر والباحث في التراث الأدبي خلال استضافته في حلقة تلفزيونية بعنوان "ليالي الريس حفني أحمد حسن" عبر قناة "النيل الثقافية".

الريس حفني وعبد الناصر

كان الانتشار الأكبر والحدث الأهم في تجربة الريس حفني هو كتابة قصة "شفيقة ومتولي"، بكل تفاصيلها وحكايتها التي جاءت بتوجّه واضح من قيادات ثورة يوليو وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، حتى إنه يوجد حديث دائر لكنه غير مؤكد حول لقاء جمع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والريس حفني في استراحة الرئيس في الإسكندرية، حيث أبدى وقتها الرئيس إعجابه بأغنية "طالت الغربة عليا"، واعتباره لها المؤنس له في حرب فلسطين عام 1948، وطلب منه أن يسجل أغانيه، لكن أكثر ما يشكك في هذه القصة أن الأغنية وصلت قبل الخمسينيات إلى عبد الناصر، وذلك قبل بدء بث إذاعة الإسكندرية، والأمر الآخر أن عبد الناصر طلب تسجيل أغانيه، لكنه أيضاً تحدث عن استماعه لأغنية مسجلة بالفعل.

لكن بعيداً عن المقابلة ومدى دقة حدوثها أو التفاصيل حولها، لكن عبد الناصر أبدى اهتماماً بتقريب وجهات النظر بين شكل الدولة الجديدة والصعيد العصيّ على التعامل معه من قبل مجلس إدارة الثورة في ذلك الوقت، كما اهتم بالثقافة والجماهيرية بمعنى إتاحة خدمات الدولة لكل طبقات الجمهور، كما أشار موقع "اليوم السابع".

وفي المقابل؛ تولى الريس حفني سرديات تتقاطع مع هذا التوجه، إذ مثل العسكري في الجيش في أحد أعماله، يطلب العسكري إجازة من المسؤول عنه حتى يسمح له بإجازة كي يقتل أخته ويحمي شرفه وعرضه رغم أن قوانين الجيش تمنعه، لكن في النهاية يعفو القاضي عنه، ويمثل ذلك اعترافاً بقيم وسلطة الدولة الجديدة في الصعيد، وكانت هذه الأغاني من أشهر أعماله في مسقط رأسه؛ الصعيد، وتجاوزت الشهرة المحلية بوصولها إلى دول عربية مثل الجزائر وتونس وليبيا. هذه الأغنية وبعيداً عن كل تلك التفاصيل، بديعة في تفاصيلها وبلاغتها الكتابية بين السجع والجناس في العامية الصعيدية، وسرد القصة بمهارة.

أيضاً؛ قدم الريس حفني العديد من الأغاني الوطنية والمديح في جمال عبد الناصر، وبدأ يظهر الريس حفني في حفلات الثورة ويسجل أغانيه، ويحقق النجاح المثالي له ولفنه الصعيدي الخاص به.

وكان الريس حفني يكتب قصص أغانيه من مواقفه اليومية والحياتية، مثلما كتب أغنية "أنا مظلوم" عندما شعر بالتجاهل في فترة الرئيس محمد أنور السادات، والتي غناها محمد محيي فيما بعد، فنجده يوضح سبب كتابته لأغنية "أنت مين"، وأنه قابل صديق له بعد غياب سنة، فسأله صديقه: "أنا معرفكش أنت مين"، وهنا كتب وغنى الريس حفني أغنية أنت مين، ويتنقل فيها في شكل حوار بينه وبين صديقه، وفي كل نهاية مقطع يعود إلى المقطع الرئيسي "إنت مين ياللي أنا مش عارفك إنت مين"، وبالطبع يمتلئ النص بالسجع والكلام الموسيقي الذي يحمل أكثر من معنى.

مثل:

ليا صاحب فاكره ونسانا بعزه أكتر من نسانا

قلتلوا ليى بقى لوني مانويشي ولا أنت على ستري ما نويشي

قولتلوا بص كويس في لونيا سنة بلاك مكلتش فولة نية

"إنت مين" التي تنتمي للغناء الصعيدي ببصمة الريس حفني اللحنية، جعلت الشاعر الصعيدي عبد الرحمن الأبنودي يكتب أغاني على نفس المذهب، مثل أغنية للمطرب الشعبي محمد رشدي، ولحنها كمال الطويل، وذلك تأكيد على نجاح الريس حفني وتأثيره على صناعة الأغنية الشعبية، "أنا اللي خد من عمري سنين علمته يضحك سابني حزين وقال إنت مين.. يا للي أنا مش عارفك.. إنت مين".

تحميل المزيد