حقق فيلم "ريش" نجاحاً فنياً عالمياً بفوزه بجائزتين في مهرجان "كان" بفرنسا، لكنه نال انتقادات من بعض النجوم المصريين، الذين قرروا الانسحاب أثناء عرضه الأول في مهرجان الجونة السينمائي، بحجة "الإساءة لمصر"، رغم أن قصة الفيلم خيالية، ولم يُشر طاقم العمل إلى أن الأحداث تدور في منطقة معينة في مصر، لكن الفيلم نال استحسان بعض النقاد المعروفين في الساحة الفنية المصرية.
نجاح في "كان" وانسحاب في "الجونة".. ما قصة فيلم "ريش"؟
الفيلم المصري حصل على جائزة "أسبوع النقاد" وجائزة "لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد السينما" (فيبريسي)، في يوليو/تموز 2021، لكن بعض الممثلين المصريين اعتبروه "يسيء إلى سمعة مصر"، بسبب حالة الفقر المدقع والبؤس الذي تعيشه عائلة هي محور أحداثه.
يسرد الفيلم، وهو من إخراج عمر الزهيري، قصة عائلة فقيرة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال. وفي أحد الأيام يقرر الأب الاحتفال بعيد ميلاد أحد أبنائه، فيُحضر ساحراً لتقديم فقرات مسلية للضيوف، لكن عندما يستعين الساحر بالأب في تأدية فقرة يدخله إلى صندوق خشبي كبير ويحوله إلى دجاجة ويختفي الأب.
من هذه المفارقة العبثية تنطلق أحداث الفيلم؛ إذ تحاول الزوجة بكل السبل استعادة الأب، وتبحث عن الساحر، لكن دون جدوى، وبعدما تستنفد ما لديها من جنيهات معدودة تبدأ في الاعتماد على نفسها لتدبير متطلبات الأسرة، وتدفع بابنها الأكبر للعمل في المصنع الذي كان يعمل فيه أبوه لسداد ديونهم.
ثم بعد أن يستقر وضع الأسرة نسبياً يظهر الأب من جديد، لكن حالته المزرية وفقده للكلام والحركة تجعله عبئاً جديداً على الأسرة.
ما المميز في فيلم "ريش" من وجهة نظر صناعه؟
مخرج الفيلم المصري اعتبر أن الفكرة هزلية بتحويل الأب إلى دجاجة، لكنها مليئة بالمآسي، في معالجة مشكلة الحياة أو الموت في عالم الطبقة الفقيرة، ولأن الفكرة مختلفة في المعالجة قال الزهيري إن هذا الاختلاف قد يكون مربكاً لبعض الناس.
إذ قال المخرج ذو الـ33 عاماً في تصريحاتٍ لوكالة أنباء "رويترز": "أي شيء فيه تجديد تقابله محاولات للتصنيف، لكن في النهاية أنا مصري، والفيلم مصري، والفيلم ليس ملك صنّاعه بل هو ملك الجمهور".
أما شاهيناز العقاد، منتجة فيلم "ريش"، التي قالت إنها تتلقى مئات السيناريوهات فقد تحمست للفيلم من القراءة الأولى، وتعتقد أن القصة كلها خيالية، إذ قالت: "المخرج خلق عالمه الخاص، فلا يمكن للمشاهد أن يحكم أين تدور هذه الأحداث أو متى، إضافة إلى أن كل شيء في الفيلم يجافي المنطق، وبالتالي نحن نرى أمامنا صورة مصنوعة من الخيال".
واستطردت "أعلم أن الفيلم موجع للقلب، ويمكن قراءته على أكثر من مستوى، لكن ليس له أي علاقة بالسياسة، وأنا أرى أن عُمَر قدم لنا عملاً ممتعاً". وأشارت إلى أن تصنيف الأفلام باعتبارها أفلام مهرجانات أو أفلاماً تجارية غير واقعي؛ لأن في النهاية هناك فيلم جيد وفيلم غير جيد "حتى فيلمنا الذي يصنف على أنه نخبوي ويخاطب المثقفين جاءت ردود الفعل عليه متباينة، فلا يوجد شيء يتفق عليه الجميع بشكل مطلق".
كما نفى محمد حفظي، منتج الفيلم مع العقاد، وجود أي إسقاطات سياسية أو محاولة للإساءة إلى صورة مصر من خلال الفيلم، الذي أكد أنه خيالي لا يرصد منطقة معينة بواقع اجتماعي محدد، إذ قال في تصريحات لبرنامج "منصات" على قناة سكاي نيوز عربية: "تلقيت بعض ردود الفعل السلبية، لكني تلقيت ردود فعل كثيرة إيجابية من فنانين ومخرجين كبار ورواد المهرجان وحتى من الجمهور العادي".
لكنه في النهاية تفهم بعض الانتقادات وانسحاب بعض النجوم من عرضه في الدورة الخامسة من مهرجان الجونة، مساء الإثنين 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وقال: "من الطبيعي ألا يعجب الفيلم الجميع، وبعض الفنانين الذين يحضرون المهرجانات الكبيرة في مصر اعتادوا على نمط معين من الأفلام"، ورأى الاختلاف أمراً صحياً.
المثير أيضاً في الفيلم أنه لم يمثل فيه أي من النجوم المحترفين، إذ اختير ممثلون غير محترفين، لم يجربوا الوقوف أمام الكاميرا قبل ذلك، وذلك لأن طاقم العمل أراد وضع شخصيات حقيقية تتماشى مع العالم المقدَّم في الفيلم.
فيما أشار المخرج -الذي أخرج فيلمين قصيرين كما عمل من قبل مساعد إخراج في عدد من الأفلام إضافة إلى اشتغاله بمجال الإعلانات- أن العمل على فيلمه الروائي الأول استغرق وقتاً طويلاً في التحضير، إلا أن التصوير استغرق 5 أسابيع فقط، إذ صنعت معظم الديكورات بالغرافيكس.
من آمال الوصول لـ"أوسكار" إلى انتقادات نجوم مصريين
كان بعض النقاد قد توقعوا أن يصبح فيلم "ريش" مرشح مصر للمنافسة على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، بعدما أعلن صناع العمل عزمهم طرحه في دور العرض، في شهر ديسمبر/كانون الأول، إلا أن هذا الحلم تبدّد بعد الجدل الكبير الذي أثير بوسائل الإعلام المصرية.
إذ غادر الممثلان شريف منير وأحمد رزق عرض الفيلم، لاعتباره يسيء لمصر، ويعرض سلبيات الحياة فيها بشكل مبالغ فيه، وهو الأمر الذي رفضاه جملةً وتفصيلاً.
شريف الذي غادر الجونة في ساعاتٍ لاحقة لانسحابه من عرض الفيلم، وذلك لانتهاء فترة إقامته المقررة بالمدينة الساحلية (في الغردقة على ساحل البحر الأحمر) شرح سبب انتقاده للفيلم وعدم إكمال مشاهدته للإعلامي عمرو أديب ببرنامج "الحكاية" على قناة MBC مصر.
إذ قال إنه رغم علاقة صداقته الجيدة بالمنتج حفظي، فإنه يرى الفيلم "زائداً عن الداعي، ويظهر مصر بشكل غير جيد"، وقال إن الأسرة تعيش عذاباً ومعاناة غير طبيعيين، وهو ما أرهقه نفسياً، وقال إن حياة العشوائيات نفسها ليست بهذه القتامة.
كما أكد أن مصر بها حياة جيدة يمكن تسليط الضوء عليها، وأن بعض سكان العشوائيات يعيشون في أماكن جيدة ونظيفة، وأضاف: "الصورة اللي كنا بنشوفها من أيام فيلم (حين ميسرة) العين لازم تبعد عنها، إحنا دلوقت في جمهورية جديدة وشكل جديد"، وقال إن غيرته على مصر هي التي حركته للانسحاب من العرض.
واستغرب من حصد الفيلم جائزةً فنية، وقال: "معرفش الناس اللي إدوا (أعطوا) الفيلم جايزة عاجبهم فيه إيه، يمكن أنا مبفهمش في الفن"، وقال إنه لا يرى قصة وحبكة في الفيلم، رغم ذلك رفض فكرة منع الفيلم تجارياً.
لكنّ نقاداً أعجبوا بالفيلم!
على النقيض، قال الناقد الفني طارق الشناوي، إنه شاهد فيلم "ريش" أثناء عرضه في مهرجان كان السينمائي بفرنسا، وقد نال إعجابه من ناحية المستوى الفني، وذلك خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية عزة مصطفى، ببرنامج "صالة التحرير" عبر قناة "صدى البلد".
ورأى الشناوي أن نقد أي عمل فني هو أمر وارد، ومن الطبيعي أن أي فيلم قد لا يعجب المشاهد أو ناقداً أو فناناً، وأشار إلى اعتقاده أن من يحكم على العمل الفني من نقاد وفنانين دون استكمال مشاهدته هو خيانة للمهنة.
لكنه رأى أن الفيلم لن يحقق أي إيرادات عندما يتم طرحه في دور العرض السينمائي، لعدم وجود نجوم قادرين على جذب الجمهور لاعتماده على وجوه جديدة، وأشار أيضاً إلى الأسلوب الفني الذي لم يعجب بعض الفنانين الذين لم يقدروا على مواصلة مشاهدته في الجونة.
إلا أنه عاد التأكيد على أن فيلم "ريش" جيد فنياً، حتى وإن لم يكن جماهيرياً ومختلفاً عما اعتاد الجمهور المصري مشاهدته. أما بخصوص اتهام "الإساءة لمصر" الذي رفضه، فقال إنه لا يمكن لفيلم أن يفعل ذلك، وإن تناول حياة الفقراء أمر وارد الحدوث في جميع سينمات العالم.