عاد احتقان شهدته الشبكات الاجتماعية في مصر بعد 14 أغسطس/آب 2013، وذلك عقب عرض حلقة من مسلسل "الاختيار 2" لـ"فض اعتصام رابعة"، برواية تبنتها الأجهزة الأمنية المصرية في وقتٍ سابق.
الحلقة الخامسة من مسلسل "الاختيار 2" احتوت "أحداثاً مهمة مرت في تاريخ مصر"، كما أكدت الشركة المنتجة سينرجي، التي قررت برئاسة تامر مرسي عرضها دون فواصل إعلانية جرى حجزها مسبقاً، ما دفع كثيرين لانتظار حلقة المسلسل الذي يستعرض قصصاً وبطولات لرجال الشرطة بعد 2013.
رواية مسلسل "الاختيار 2" لـ "فض اعتصام رابعة"
المسلسل أنتجته إحدى أكبر شركات الإنتاج المصرية الخاضعة لسيطرة مجموعة "إعلام المصريين"، التي تمتلك أغلب شبكات القنوات الفضائية المصرية (بينها CBC وON والحياة)، وتشير تقارير صحفية محلية إلى تبعيّة الشركة لجهات حكومية سيادية.
الحلقة الخامسة من المسلسل ركَّزت على استعراض تحركات قوات الشرطة إلى ميدانى رابعة العدوية والنهضة لفضهما من المعتصمين، صباح يوم 14 أغسطس/آب 2013، مع استعراض لمشاهد اقتحام مراكز الشرطة في عدد من المحافظات في الوقت نفسه.
اعتمدت مشاهد درامية مصورة مع مشاهد حقيقية من فض الاعتصامين، إذ أكد صناع العمل أن الحلقة اعتمدت في إنتاجها على عدة مصادر، وبدأوها بذكر تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، وتقرير الطب الشرعي، وقناة "الجزيرة"، وبعض القنوات الداعمة لجماعة الإخوان، والتي تبث من خارج البلاد، على اعتبار أن هذه الروايات ستكون مما يعتمدها الرافضين لفض الاعتصامين.
ثم ذكر منتجو المسلسل أنه اعتمد أيضاً على بيان وزارة الداخلية التي ترأست عملية الفض، بالإضافة إلى محاضر أقسام مدينة نصر وبقية المحافظات، ومواد أرشيفية من صحيفة "اليوم السابع"، مع شهادات لضباط وسكان المناطق التي استعرضتها الحلقة.
هذه الحلقة التي استعرضت حدثاً كبيراً مُنع الحديث عنه لسنوات، سوى برواية تدين المعتصمين وتحملهم المسؤولية، استعرضت تفصيلاً هذه الرواية، إذ دخلت سيارات الشرطة لفض اعتصام رابعة مع التأكيد على تلقيهم تعليمات بعدم إطلاق الرصاص سوى في حالة رده من طرف المعتصمين.
استعرضت الحلقة أيضاً مناشدة جهاز الشرطة المعتصمين لمغادرة الميدان قبل 5 دقائق من بدء الفض، مع طمأنتهم بأنهم لن يتم القبض عليهم. رواية المسلسل تؤكد أن إطلاق النيران بدأ من جانب المعتصمين الذين هاجموا الشرطة وقتلوا أكثر من ضابط، سواء برصاص قناصة، أو بأسلحة بيضاء مثل أسطوانات الغاز والمولوتوف المصنع يدوياً في الميدان.
رواية المسلسل أكدت مراراً على أن ضباط الشرطة لم يطلقوا النيران إلا استحياءً لرد الهجوم الذي تعرضوا له من المعتصمين بالميدان، وبالتوازي مع هذا أصدرت جماعة الإخوان المسلمين تعليماتها إلى أشخاص مسلحين في محافظات مصر للتحرك للهجوم على الكنائس وأقسام الشرطة، وهي رواية نفاها التيار السياسي سابقاً.
انتقلت أحداث الحلقة إلى قسم شرطة كرداسة، حيث تعرض ضباطه لهجوم قتل فيه اللواء محمد جبر (يؤدي دوره أشرف عبدالباقي)، ورمزت الحلقة لشخصية سيدة تدعى سامية شنن -معتقلة سابقة- بمشاركتها في الهجوم على قسم الشرطة، وإعطائها مأمور قسم الشرطة "ماء نار" (مادة كاوية) ليشربه حينما طلب مياه يشربها، وظهرت على أنها مثلت بجثامين 12 ضابطاً وفرد شرطة.
كما أظهرت الحلقة الضابط زكريا يونس (كريم عبدالعزيز) الذي كان يتواجد في المنيا، حيث حدث هجوم على قسم شرطة آخر، وأصر على إصدار تعليمات بعدم إطلاق رصاص حى والتعامل بالغاز فقط، حتى إنه تعامل بيده مع بعض المتظاهرين لتمسّكه بعد استخدام الرصاص كما أظهرت الحلقة.
رواية أخرى لفض اعتصام رابعة.. أكبر عمليات القتل الجماعي في تاريخ مصر الحديث
رغم الاحتفاء بهذه الحلقة من عدد من رواد الشبكات الاجتماعية، وحديث وسائل الإعلام المقروءة والمرئية عن نقلها الصورة كاملة لفض الاعتصام، فإن آخرين هاجموا هذه الرواية، مؤكدين أنها تُبرئ رجال الشرطة من مسؤولية الدماء التي سالت في ميداني رابعة والنهضة، وقد وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية 813 حالة قتل لمدنيين قتلوا في رابعة يوم فض الميدان، واعتبرت الحدث "أكبر عمليات القتل الجماعي في تاريخ مصر الحديث".
وقد انتقد عدد من النشطاء المصريين رواية المسلسل، إذ كتبت المعتقلة السياسية السابقة آية حجازي، الحاملة للجنسية الأمريكية مع جنسيتها المصرية، إن الدولة المصرية ظلمت مرتين، الأولى بالانقلاب العسكري، وثانياً بعملية الفض التي قُتل فيها نساء وأطفال، وقارنت بين التعامل الرسمي مع فض رابعة بأحداث اقتحام الكونغرس الأخيرة، حيث كان عدد كبير من المتظاهرين السلميين، وعدد آخر مسلحاً بأسلحة بيضاء، وحملت الدولة مسؤولية التعامل في الفصل بهذه المواقف، واعتبرت رابعة "مذبحة".
فيما نشرت السيدة سناء عبدالجواد، زوجة القيادي بجماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي، صورة ابنتها أسماء التي قُتلت في فض ميدان رابعة، وأكدت أن ما حدث جريمة يُحاول القاتل تدليسها والكذب بشأنها، واعتذرت لابنتها لنشر صورتها وهي تحتضر، وكتبت: "دعي عينيك تخبرهم بجريمتهم؛ ففي عينيك كل الأدلة".
كما كتب مراسل قناة "الجزيرة" عبدالله الشامي، الذي اعتقل من ميدان رابعة أثناء تغطيته الإعلامية وظل محبوساً في السجون المصرية نحو عام، أن فض الميدان لم يكن سلمياً، وذكر مشهدين حدثا معه، الأول أثناء محاولته سحب مصاب فهدده أحد الضباط بقتله ليرقد جانبه، ومشهد آخر أثناء اعتقاله ونقله إلى سيارة الترحيلات، حيث دار حوار بين ضابط وفرد شرطة، يتساءل فيه عن هوية المعتقلين، لأنه يملك خزنة رصاص إضافية لم يستخدمها بعد.
كما ردّ مدونون آخرون عن جزئية السيدة سامية، إذ نقل مدون نفياً رسمياً من الحكمة بأن ما تردد إبان اعتقالها بأنها سقت ضباط الشرطة المياه الكاوية، فيما كتبت معتقلة سياسية سابقة سُجنت مع السيدة سامية 3 أشهر، أن رواية سامية بعيدة عما سجلته الحلقة، وأنها اعتقلت هي ونجلها من أمام بيتها بسبب حسبنتها على ضباط الشرطة، لضربهم شباباً متظاهرين، وأكدت أنها سيدة مسنة لا تفهم في السياسة ولا تتحدث فيها من قريب أو بعيد.
دوّن عدد آخر شهاداتهم على فض الميدان عبر هاشتاغ #رابعة_مذبحة (جاوز الـ25 ألف تغريدة)، فيما نشر غيرهم صوراً ومشاهد من أحداث الفض، رافضين رواية المسلسل، معتبرين عملية الفض جريمة ينبغي مساءلة المسؤولين عنها. رغم أن هذه الرواية لاقت احتفاءً عبر هاشتاغ #الاختيار2، الذي تجاوز 50 ألف تغريدة عبر تويتر بين مؤيد ومعارض لرواية المسلسل.
وإن اتفق عدد من الفريقين على جزئية واحدة في المسلسل؛ وهي جملة وردت على لسان الضابط يوسف الرفاعي (يؤدي دوره أحمد مكي)، قال فيها: "المشكلة إن ثقافة الاختلاف مبقتش موجودة بينا، إنت عكسي يبقى إنت عدوي ودمك حلال".