بالتزامن مع ارتفاع مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، وظهور موجة جديدة من "المؤثّرين" من شباب وأطفال ونساء مغاربة، عاد اهتمام المديرية العامة للضرائب بملايين الدراهم من مداخيل العملة الصعبة التي تجنيها هذه الفئة بعيداً عن رقابة الضرائب.
وتستعد المديرية التي تتكلف بتنفيذ السياسة الجبائية حسب توجيهات وزارة الاقتصاد والمالية، إلى محاسبة هؤلاء المؤثّرين على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن حقّقوا ثراءً كبيراً من الفيديوهات التي ينشرونها على اليوتوب، وتعاملهم مع المشاهير على الإنستغرام.
ثغرات للتهرّب الضريبي
ووفق المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر خاصة فإن هؤلاء "المؤثرين" يلجأون إلى الحصول على أموالهم بطريقة مباشرة عوض وضعها في الحساب البنكي، وهي الطريقة التي تجنّبهم المساءلة الضريبية.
وأفادت نفس المعلومات، أن المديرية العامة للضرائب في المغرب، فتحت دراسة داخلية لمتابعة الثّغرات التي يستغلّها هؤلاء "المؤثرون" للتهرب الضريبي على الدخل، وأيضاً للتهرب من المُساءلة حول مصدر الأموال التي يتعقبها القانون المغربي، إذا ما بدا على شخص ثراء مفاجئ دون معرفة المصدر.
ويظهر أغلب "المؤثرين" المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي في فيديوهات مرئية وهم يرتادون أفخم الفنادق والمطاعم، ويرتدون أزياء فخمة وساعات باهظة الثمن، تبلغ قيمتها ملايين الدراهم، ويركبون سيارات من الطراز الرفيع.
ليس لـ"المؤثرين" نظام ضريبي
وبالرغم من أن المعنيّين بالأمر يجنون دخلاً مرتفعاً جداً من خلال أنشطتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنهم لا يخضعون لضريبة القيمة المضافة، ولا يقدمون فواتير لـ"زبائنهم"، كما أنهم لا يصرّحون بدخلهم السنوي، إضافة إلى تشغيلهم مساعدين خارج إطار قانون العمل.
مصدر مسؤول من الإدارة العامة للضّرائب أكد لـ"عربي بوست" أن هؤلاء المُؤثّرين أو من لهم مداخيل من مواقع التواصل الاجتماعي "ليس لهم حتى الآن نظام ضريبي خاص بهم".
وأضاف المصدر ذاته، أن "قانون المالية لسنة 2021، لم يحمل نظاماً ضريبياً بشأن مداخيل أنشطة يقوم بها أشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي".
وأشار المسؤول بالإدارة العامة للضّرائب أن "ما هو موجود الآن هو نظام ضريبي عام تتضمّنه المُدَوّنة العامة للضرائب في المغرب".
وتفرض الضريبة على الدخل، على الدّخول وأرباح الأشخاص الطّبيعيين والمعنويّين، والذين لم يختاروا الخضوع للضّريبة على الشركات، وفق مقتضيات المُدوّنة العامة للضرائب.
ويخضع لهذه الضريبة، وفق المُدوّنة، الأشخاص الطبيعيون الذين لهم موطن ضريبي بالمغرب فيما يخصّ دخولهم وأرباحهم ذات المنشأ المغربي أو الأجنبي، وكذا الأشخاص المتوفّرون أو غير المتوفّرين على موطن ضريبي بالمغرب، إذا حقّقوا أرباحاً أو قبضوا مدخولاً يُخوّل حقّ فرض الضريبة عليها للمغرب، عملاً باتفاقيات تهدف إلى تجنّب الازدواج الضّريبي فيما يتعلق بالضريبة على الدخل.
وتُعرّف مدونة الضّرائب الدخول المهنيّة على أنها الأرباح التي يحصل عليها الأشخاص الطبيعيون من مزاولة مهن تجارية أو صناعية أو حرفية، ومهن حُرّة أو مهنة أخرى غير المهن المنصوص عليها في المُدوّنة.
مراسلة "المؤثرين"
كان مكتب الصرف المغربي (خاضع لولاية وزارة الاقتصاد والمالية ومن مهامه تنظيم الصرف وإعداد الإحصائيات المتعلقة بالمبادلات الخارجية وميزان الأداءات)، الذي يَعتَبر أن أنشطة المؤثّرين على مواقع التواصل الاجتماعي تدخل في خانة ترحيل الخدمات، قد وجّه رسالة إلى منتجي محتويات مغاربة على اليوتوب، دعاهم فيها إلى "التّصريح بالإيرادات المُحصّلة بين عامي 2016 و2017".
كما جاء في رسالة مكتب الصرف، أن "المعلومات الموجودة بحوزة المكتب بين عامي 2016 و2018، قامت بتنفيذ عمليات تصدير للخدمات دون أن تُرسل إلى الهيئة التقارير ذات الصّلة، وفقاً لأحكام التّعليمات العامة لمعاملات الصّرف الأجنبي".
وأشار مكتب الصّرف إلى أنه "يقوم عادة بفحصٍ مُنتظم لمنظّمي صرف العملات الأجنبية، سواء كانوا أشخاصاً طبيعيّين أو اعتباريّين، من أجل التّحقّق من الامتثال لأنظمة الصّرف المعمول بها، والعمليات التي يقومون بها (استيراد السّلع والخدمات، صادرات السّلع والخدمات، والاستثمار…)، ونشاطه هذا يدخل في ضبط تلك العمليات".
إدريس الفينة، أستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، أكد أن "هناك فعلاً من بدأ يجني مداخيل كبيرة من وراد هذه المهن الجديدة، وعليه بالتالي المساهمة ضريبياً كباقي المواطنين المستفيدين من الخدمات العمومية".
وأوضح إدريس الفينة، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "الضّريبة تتم على أساس مداخيل واضحة ومُصرّح بها، وهي القاعدة الضّريبة في المغرب".
لذلك، فإن "إدارة الضّرائب سوف تطلب من هذه الشريحة التصريح بدخولهم، وبناء على ذلك سوف يتم تحديد مبالغ الضّرائب على أساس النّسب المعمول بها"، يردف إدريس الفينة، أستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي.
من جانبه، أبرز عبدالنبي أبوالعرب، المُحلّل الاقتصادي والمالي، أن "هؤلاء المُؤثّرين، من خلال هذه المكانة التي أصبحت لهم ومن خلال دُخولهم وأجورهم المُهمّة بالنسبة للبعض، لا بد أن يساهموا وأن ينضمّوا إلى المنظومة الضريبية القائمة، وأن يمتثلوا لمبادئ العدالة الضّريبية فيها".
ويرى المُحلّل الاقتصادي والمالي، في اتصال بـ"عربي بوست"، أنه "يمكن أن تُفرض على هؤلاء ضريبة جزافية مبنيّة على التّصريح الذي سيقوم به هؤلاء المُدوّنون، خاصة أنه يصعب ضبط مداخيلهم".
واعتبر عبدالنبي أبوالعرب أن "ما يمكن أن تقوم به إدارة الضّرائب في هذا الإطار هو محاولة هيكلة هذا القطاع، من خلال إصدار دوريّات أو توجيهات تفرض على الشركات التعامل مع هؤلاء المُؤثّرين من خلال إطار قانوني يُدخلهم في القطاع المُهيكل".
وأشار المصدر نفسه أنه يمكن للدولة أن "تتبع الفواتير أو الأداءات التي تُصدرها الشركات التي تتعامل مع المُؤثّرين في مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كان الأمر يتطلب مجهوداً إضافياً من طرف إدارة الضرائب، فيما يتعلق بتتبُّع كل هذه العمليات".