شكّلا معاً ثنائياً نادراً على الصعيدين الفني والعائلي، فاستطاعا طيلة سبعة عشر عاماً هي فترة زواجهما وتعاونهما الفني تجسيد نموذج خاص بهما في الحب والفن والحياة العائلية، فحفرا اسميهما بين الثنائيات الغنائية والعاطفية التي شكّلت حالة وقدمت إرثاً فنياً عظيماً، صحيح أن هذا التفاهم والحب تخلله بعض العوائق التي أدت إلى انفصالهما بعد 17 عاماً من الزواج، إلا أنهما سرعان ما عادا ليكتبا معاً آخر فصل في حياة فايزة أحمد قبل وفاتها.
بدايات فايزة أحمد ومحمد سلطان
وُلدت فايزة أحمد في صيدا بلبنان عام 1930 لأب سوري، وعاشت بداية حياتها في دمشق، وبعد ظهور ميولها الفنية تقدمت لإذاعة حلب فغنت بعض الأغاني في سوريا، ثم سافرت إلى العراق وغنت عدداً من الأغاني باللهجة العراقية، ثم قررت الاتجاه إلى مصر، حيث تقدمت للإذاعة المصرية، وقدمها الإذاعي صلاح زكي، فذاع صيتها وانطلقت بمشوارها الفني، خاصة بعد تعاونها مع الملحن الكبير محمد الموجي، الذي شكلت معه في بداياتها حالة خاصة أثارت انتباه الجمهور والوسط الفني. ثم تعاونت مع كبار الملحنين مثل: كمال الطويل، محمود الشريف، بليغ حمدي، كما تعاونت مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب.
أما محمد سلطان فقد كان مولعاً بالموسيقى والتلحين منذ الصغر، فعشق الموسيقى وتعلم العزف على العود والبيانو وهو طفل، حيث كانت والدته محبة للفن وتجيد العزف والغناء، بينما كان والده ضابط شرطة ترقى في منصبه حتى وصل إلى منصب الحكمدار.
صرّح سلطان بحديث صحفي له بجريدة اليوم السابع أنه علّم نفسه بنفسه منذ طفولته، واقتحم خلوة عبدالوهاب، ليعرّفه بنفسه وهو لم يتجاوز الخمسة عشر عاماً: "كنت صغيراً بالشورت وسني لا يتجاوز 15 سنة، وكانت فيلا عبدالوهاب في جليم بالإسكندرية قريبة من منزلنا، كنت بشوفه بيقعد في الفراندة، فتجرأت واقتحمت عليه خلوته وخبّطت على بابه".
"الموسيقار محمد عبدالوهاب رحّب بي لما قلت له إني باغني وألحن وعاوزه يسمعني، وسألني بتعرف تعزف، وجاب العود وقال لي سمعني، فسمّعته لحناً من ألحاني، لأني كنت ألحن منذ طفولتي وأنا في سن 8 سنوات، وعملت كذا لحن، وبعدما انتهيت احتضنني وسألني عن عنواني قائلاً عاوز أشوف أبوك وأمك، واصطحبني إلى بيتنا، وكان وقتها والدي ضابطاً قبل أن يصبح مدير أمن الإسكندرية، ثم مدير أمن القاهرة، وفتحت أمي الباب، وأصابها الذهول عندما رأت موسيقار الأجيال أمامها، لن أنسى هذا الموقف لعبدالوهاب، وعندما جاء والدي ووجده في بيتنا ذهل، وقال له موسيقار الأجيال يا سلطان بك اهتم بالولد ده، وعلّمه موسيقى، ده هيبقى عبدالوهاب الثاني، وأنا لا أذهب لأي شخص، لكن ابنك هزني بموهبته، وهيبقى حاجة كبيرة وموسيقار له شأن، فكرني بطفولتي وأنا في سنة كنت زيه أغني وألحن وأعزف".
أراد والد سلطان أن يحصل ابنه على شهادة جامعية أولاً، فالتحق بكلية الحقوق في الشاطبي، وحصل على البكالوريوس، ثم قادته الصدفة إلى التمثيل، فبدأ مشواره الفني بالتمثيل لا التلحين على عكس رغبته، عندما التقى بالمخرج العالمي يوسف شاهين، الذي قال له إنه يرى فيه مواصفات نجم سينمائي كعمر الشريف، ثم قدمه بدور ثانوي بفيلم الناصر صلاح الدين، قدم بعده سلطان عدة أدوار ثانوية، إلا أنه توقف وعاد ليركز على التلحين، رافضاً الظهور بغير أدوار البطولة، ليبدأ انطلاقته في عالم التلحين بالتوازي مع معرفته وارتباطه بفايزة أحمد.
لقاء فايزة أحمد الأول بالموسيقار محمد سلطان
جمعتهما عدة لقاءات، بعضها بمنزل عبدالوهاب وأخرى بمنزل فريد الأطرش، أبدت إعجابها بموهبته أكثر من مرة، وأبدى إعجابه بها بحفل بمنزل فريد الأطرش جمع عدداً كبيراً من الفنانين، تقول فايزة بحوار لها بمجلة الكواكب:
"في تلك الليلة لاحظت أن سلطان يبدي اهتماماً شديداً بي، ولم يكن اهتمامي بالشاب الوسيم الذي يقطر حلاوة أقل، حتى لاحظ الحاضرون، وبعد هذا اللقاء دعتني صديقتي المطربة رويدا عدنان إلى أحد المطاعم، وعرفت بعدها أن سلطان هو الذي رتّب لهذا اللقاء، واتفقنا خلاله على أن يعد لي لحناً، وبالفعل التقينا ومعه لحن "رش الورد"، وبعدها بدأ التعاون الفني الكبير بيننا واتفقنا على الزواج، وتزوجنا في 6 يوليو/تموز عام 1964، في الشهر العقاري، حيث لم أكن وقتها قد حصلت على الجنسية المصرية، وكان مقدم المهر 25 قرشاً، والمؤخر ألف جنيه".
وعن هذه الرحلة قال سلطان بلقاء تلفزيوني مع الصحفي والإعلامي مجدي الجلاد: جمعتني بفايزة أحمد لقاءات متعددة، بعضها في بيت الموسيقار فريد الأطرش الذي شاركته في تمثيل فيلم يوم بلا غد وجمعتني به علاقة قوية، وفايزة سمعتني وأنا بعزف في بيت عبدالوهاب وآمنت بموهبتي في التلحين، حتى إنها قالت لعبدالوهاب: ده هيبقى زيك يا أستاذ، فضحك موسيقار الأجيال وقال لها: بلاش تقولي كده علشان مايتغرش.
وأضاف: كان أول لحن لي أغنية هاتوا الفل مع الياسمين ورشوا الورد على الصفين لفايزة أحمد، التي اختارتني لتلحينه، حتى إن عبدالوهاب قال لها هتغني من ألحان ملحن جديد يا فايزة، ده لسه صغير ومش مشهور وأنت اسم كبير، ولكنها أصرت لأنها آمنت بموهبتي.
استمر زواج فايزة أحمد ومحمد سلطان طيلة 17 عاماً، وأنجبا ابنيهما التوأم "طارق وعمرو"، ولكن بعض الخلافات دبّت بينهما وانتهت بالطلاق، في 22 مايو/أيار 1981، ثم تزوجت فايزة من ضابط يصغرها في السن بعشر سنوات تقريباً، ولكن لم يستمر هذا الزواج لأكثر من سنة، ثم أصيبت بسرطان الثدي، ولم يتحمل سلطان هذا النبأ، فالتقى بها واستأنفا حياتهما الزوجية حتى وفاتها في 21 سبتمبر/أيلول عام 1983.
التعاون الفني بين فايزة أحمد والموسيقار محمد سلطان
العلاقة الزوجية بين محمد سلطان وفايزة أحمد كانت تقابلها علاقة فنية كبيرة ومليئة بالأعمال المميزة، حيث لحن لها العديد من الأغنيات الناجحة، منها "اتحسدنا، أحبه كثيراً، وأكبر من حبى ليك، وبكره تعرف، حبيتك وبداري عليك، رسالة من امرأة".
وظهر الثنائي في حوار نادر جمعهما، وتحدث محمد سلطان عن ألحانه التي صُنعت خصيصاً لها قائلاً، "ألحاني كان معظمها لفايزة أحمد لأن صوتها قريب إلى قلبي"
بينما وجهت فايزة أحمد بنفس اللقاء الشكر لزوجها، واصفةً إياه بأنه الداعم الأساسي لها باستمرار في كل أمورها وشؤونها الفنية، وتستمتع بالعمل معه.
وتحدث سلطان عنها بعد وفاتها قائلاً "هي حبيبتي الأولى والأخيرة، لم ولن أنساها، ماتت لكنها لم ترحل عن دنياي حتى الآن".
وعن تعاونهما الفني الطويل قال: في الفترة التي بدأت التعاون الفني معها كانت فايزة أحمد بتتعرض لحرب وهجوم، وكان كل مطرب من المطربين الكبار يسعى ليستأثر بألحان عبدالوهاب وبليغ والموجي وفايزة كانت عاوزة ألحان جديدة وسط هذا التنافس، وربنا بعتني لها في الوقت ده، وتابع: "استحوذت على معظم ألحاني، وفي نفس الوقت كان أحياناً يلحن لها الموجي وعبدالوهاب، لكن نستطيع القول إنه بعد ارتباطنا كانت 80% من أغانيها من تلحيني".