استيقظنا، الأحد 5 يوليو/تموز 2020، على خبر وفاة الفنانة المصرية رجاء الجداوي، بعد نحو 43 يوماً من صراعها مع المرض من جراء إصابتها بفيروس كورونا. حياة رجاء الجداوي طوال اﻷعوام الـ82، كانت حافلة بكثير من التفاصيل والأسرار التي تستحق الذكر تخليداً لذكرى فنانة تركت إرثاً كبيراً يتجاوز 300 عمل فني خلال 62 عاماً في عالم التمثيل.
عن حياة رجاء الجداوي: اسمها الحقيقي وأصلها السعودي وخالتها تحية كاريوكا
نجاة علي حسن الجداوي هو اسم الفنانة الراحلة الرسمي، التي وُلدت في محافظة الإسماعيلية (شمال شرق) في العام 1939، لكن انفصال والديها نقل حياتها إلى القاهرة، حيث انتقلت لتعيش مع خالتها الممثلة والراقصة تحية كاريوكا، فيما تركت أسرتها يتولى أمرهم أخوها الكبير فاروق.
كانت الجداوي لا تزال صغيرة السن، فألحقتها خالتها بمدارس الفرانسيسكان الفرنسية (مدرسة راهبات داخلية)، وهناك تعلمت الإنجليزية والإيطالية والفرنسية. بالمناسبة، كانت هذه المدرسة هي السبب في تغيير اسم نجاة إلى رجاء؛ ولم يكن اسماً فنياً، وذلك لصعوبة نطق اسمها على راهبات المدرسة الأجنبيات، وهو ما أبكى والدتها كما روت في هذا اللقاء.
الجداوي مصرية أباً عن جد، لكن ليس عن أب الجد، إذ قالت في لقاء تلفزيوني سابق، إن جدها الثاني من مواليد السعودية، ولقب "الجداوي" تم إطلاقه على العائلة نسبة إلى مدينة جدة، وأشارت إلى أن للعائلة أصولاً تعيش هناك إلى اليوم.
مترجمة ثم ملكة جمال مصر وعارضة أزياء
مستقبل شابة تتقن 3 لغات مع لغتها الأم معروف، ألا وهو العمل في مجال الترجمة، وبالفعل عمِلت الجداوي مترجمة بإحدى شركات الإعلان في بداية حياتها، كما عملت في الترجمة من العربية إلى الفرنسية بجريدة "بروجريه إيجيبسيان"، لكن تحولت حياة الشابة الجميلة سريعاً بعد مشاركتها في مسابقة جمال صدفة أيضاً.
ثم دفع جمالها بها إلى عالم الشهرة وعروض الأزياء، إذ ذهبت مع والدتها وشقيقتها في حفل بحديقة الأندلس في العام 1958، (كان عمرها 15 سنة)، وكان الحفل لاختيار فتاة لتفوز بلقب "سمراء القاهرة"، ولم يجدوا فتاة مناسبة بين المتقدمات، فبدأوا البحث بين الحاضرين ووقع الاختيار على الجداوي، وكانت هذه خطوة لاختيارها ملكة جمال القطن المصري، أي ممثلة لنقل ثقافة بلادها للدول التي تسافر لها.
تصفيات المسابقة كانت ستتم في فرنسا، فوجدت أنها فرصة جيدة لاستكمال دراستها أيضاً. دخلت تصفياتِ المسابقة وأثارت إعجاب لجنة التحكيم، وفي هذا اليوم صادف ترشيحها الأول لعمل فني وترشيحها أيضاً للعمل كعارضة أزياء.
إذ روت في حوار صحفي مع صحيفة "الشرق الأوسط": "أعجبت أعضاء لجنة التحكيم بلباقتي، واختاروني ملكة جمال القطن، وخلال الحفل كان المخرج هنري بركات حاضراً فاختارني لأؤدي دور (خديجة) ابنة المأمور، في فيلم (دعاء لكروان)، أمام فاتن حمامة، كما اختارني في الليلة نفسها مصمم الأزياء اليوناني الشهير بيير كلوفس، لأعمل عارضة أزياء، وأثار هذا الأمر غضب خالتي تحية كاريوكا، لكن كان لا بد من أن أعمل، لأن والدتي كانت تحتاج إلى المال"؛ إذ كانت والدتها مريضة، ووالدها منفصل عن الأسرة.
عملت الجداوي لسنوات في مجال عروض الأزياء، وسافرت إلى فرنسا، حيث عملت 7 أشهر عارضة أزياء لصالح المصمم الفرنسي-الإيطالي الشهير بيير كاردان.
كما مثَّلت مصر في عرض أزياء يروج للقطن المصري في الهند وذلك بالعام 1961، وبالصدفة تزامن العرض مع زيارة رسمية للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وحينما اكتشف بالصدفة أنها عارضة الأزياء المصرية الوحيدة إلى جانب أجنبيات في الوفد المصري، كلفها بتدريب عارضات أزياء مصريات يمثلن البلاد في المحافل الدولية، وبشكلٍ أو بآخر كانت الجداوي "عارضة مصر الأولى".
قصة حبها وزواجها الوحيد
حُبٌّ من النظرة الأولى، وارتباط بعد 6 أيام فقط، وزواج استمر 46 عاماً! هذا ملخص قصة زواج عارضة الأزياء الشابة، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، بالكابتن حسن مختار، حارس مرمى الإسماعيلي والمنتخب الوطني الأسبق، وكان ثمرة الزواج إنجاب ابنتها الوحيدة أميرة.
التقاء الزوجين جاء بالصدفة كما جاءت فرصة دخولها المجال الفني بالضبط. إذ كانت الراحلة تحية كاريوكا مسافرة إلى السودان لأداء مسرحية "روبابيكيا"، بمشاركة البطلة نبيلة عبيد، التي اعتذرت فجأة قبل موعد السفر بيومين فقط، فاقتُرح اسم ابنة أخت كاريوكا لتؤدي الدور مكانها، وبالفعل سافرت وأدت أول أدوارها الفنية.
أقامت الجداوي مع فريق المسرحية الفني بفندق "الخواص" في مدينة ودمدني السودانية، ثم فوجئت بوجود فريق كرة القدم الوطني الذي كان يشارك في إحدى مباريات كأس الأمم الإفريقية، وعندها كانت أول مرة تتعرف على عالم كرة القدم والرياضة. سلَّم فريق الكرة على نجوم المسرحية باستثناء مختار الذي جلس بعيداً وحده يقرأ كتاب "كيف تتعلم الإنجليزية دون معلم".
في اليوم التالي، تصادف لقاء الجداوي ومختار في إحدى طرقات الفندق، عندها دار حديث به مشاحنة، حيث قال لها: "شكلك اليوم عدل، كنت حاطة بُوية (طلاء ويقصد المكياج) كتير على وشك امبارح"، فردَّت بتحدٍّ: "إنت رقيق كده على طول؟"، ثم تحدث عن قراءته لكتاب تعلُّم الإنجليزية وأن بإمكانها مساعدته إذا أراد.
بعد انتهاء المباراة، صادف أن فريق كرة القدم انتقل للعاصمة الخرطوم في اليوم نفسه الذي انتقل فيه فريق المسرحية، وأقام بالفندق نفسه، عندها حاول أن يكون أكثر لطفاً معها، وجلس بجوارها على ذراع كرسيها، ثم طلبت منه أن يبتعد عندما مر مصور صحفي طلب منها أن يصورها مع خطيبها، فشرحت له أنه ليس خطيبها.
لكنه أصبح خطيبها في اليوم التالي (ورابع يوم من تعارفهما)، أثناء عودة الفريق الفني والكروي لمصر على متن الطائرة نفسها، حيث سألها ما إذا كانت متزوجة، فعندما نفت، طلب يدها للزواج، فوجئت الجداوي وسألته عن عمره وعندما عرفت أنه يصغرها بـ3 أعوام (كان عمرها 28 عاماً)، قالت إنها أكبر منه ولا يمكن أن يتزوجا فأصرَّ أكثر.
ثم سألته عن راتبه، فقال إنه "55 جنيهاً بالشهر، و5 جنيهات إضافية مع كل صدة للكرة"، فردَّت: "يعني أنا اتجوزك وأقعد أقول يارب يصدّ الكرة؟"، عندها قالت له إنها تريد أن تتزوج برجل كبير في السن وغني ليموت سريعاً وتأخذ ثروته، ثم سألها ما إذا كانت تمزح، وعندما وجدها تتحدث بجدية، انصرف وجلس مكانه على الطائرة.
لكنه لم يمل من المحاولة، بعد هبوط الطائرة ذهبت للتسوق في السوق الحرة لتشتري هدية لوالدتها عبارة عن طقم أطباق صيني، ثم وجدته خلفها يقول إنه هكذا سيصبح لديهما طاقمان من النوع نفسه وأنه اشترى واحداً من ليبيا، ثم طلب منها استقباله في بيتهم للقاء والدتها، أبدت استغراباً من إصراره وذهبت، ثم فوجئت في اليوم التالي، باتصاله بها وطلبه منها أن يلتقيا، وبالفعل وافقت وفي هذا اليوم اشتريا دبل الخطبة (كان ثمنها 32 جنيهاً، دفعت منها 12 جنيهاً).
قصة الحب كُللت بالزواج الذي يعتبر أطول زواج في الوسط الفني المصري، حيث استمر 46 عاماً حتى وفاة مختار في العام 2016.
حياة رجاء الجداوي الفنية.. الصدفة الأخيرة
أما بالنسبة للحياة الفنية للممثلة الراحلة فقد جاءت أيضاً عن طريق الصدفة مرتين كما أشرنا سابقاً، والثالثة جاءت في إحدى رحلاتها إلى باريس حيث كانت تعمل عارضة أزياء، إذ التقت في إحدى المرات مساعد المخرج أحمد بدرخان ورشّحها للمشاركة في فيلم "غريبة" مع نجاة الصغيرة، ثم شاركت في فيلم "إشاعة حب" مع سعاد حسني، وعمر الشريف.
كان المخرجون يرشحونها في تلك الفترة لأدوار الفتاة الأرستقراطية، بحكم ثقافتها الفرنسية، لكنّ علاقتها بالسينما بدأت تتوتر، لأنها كانت على سفر دائم من أجل عروض الأزياء، فكانت تُسند إليها الأدوار الثانية، وليست البطولة.
إلى أن جاءت صدفة أخرى ساهمت في أداء أحد أبرز أدوارها الفنية، إذ قالت في حوار سابق: "كنت أحضر عشاءً في منزل الفنان الراحل فريد شوقي، وكان النجم عادل إمام من بين الحضور ووجدته يقول لي: ستعملين معي في المسرح. فسألته وأنا مندهشة: أنا…! قال: نعم، دمّك خفيف ولديكِ حضور جيد. ورشحني لمسرحية (الواد سيد الشغال)".
في هذا الوقت أُصيبت بورم في الغدة الدرقية وتسبب العلاج في زيادة وزنها فانسحبت من عروض الأزياء، وتفرغت للمسرح، وقُدّمت المسرحية الشهيرة على مدى 8 سنوات، سافرت خلالها مختلف دول العالم، ومثل ذلك انطلاقتها الفنية وتقديمها لأكثر من 300 عمل فني بين فيلم ومسلسل ومسرحية وبرنامج.
استمر عملها الفني حتى آخر أيام حياتها، حيث كانت آخر مشاركات الجداوي الفنية في مسلسل "لعبة النسيان" الذي بُث في رمضان 2020، وبعد الانتهاء منه أعلنت إصابتها بفيروس كورونا المستجد، وأُودعت إثر ذلك في مستشفى للحجر الصحي بمدينة الإسماعيلية.