في عام 1999 وبعد 25 عاماً على وفاتها، عرضت الشاشات المصرية والعربية مسلسل أم كلثوم، الذي لاقى نجاحاً جماهيرياً عارماً في الشارع العربي، وقدّم كوكب الشرق للجيل الشاب آنذاك.
كتب المسلسل الكاتب محفوظ عبدالرحمن، وأخرجته إنعام محمد علي، وقام ببطولته صابرين التي أدت شخصية أم كلثوم، وحسن حسني وأحمد راتب، ونخبة من الفنانين. وحصلت أسرة المسلسل على كثير من الجوائز من جميع أنحاء الوطن العربي.
يتناول العمل رحلة سيدة الغناء العربي من قريتها في السنبلاوين مع الأناشيد الدينية، وصولاً إلى استقرارها في القاهرة وكفاحها حتى أصبحت أيقونة الغناء الشرقي.
ولم يُغفل المسلسل قصص الحب التي عاشتها أم كلثوم والأزمات التي واجهتها وأعداءها، وخلافها مع الموسيقار محمد عبدالوهاب في قصة شائقة مصورة انتهت بمصالحة والأغنية الرائعة "أنت عمري".
يعد مسلسل أم كلثوم من أفضل أعمال السِّير الذاتية، علماً أن أم كلثوم رفضت في حياتها تقديم قصتها في فيلم، وكلَّفت وقتها الكاتب سعد الدين وهبة بعمل فيلم عنها، حيث قالت: "بعد رحيلي اكتبوا ما تريدون، أما الآن فلا"، وهذا وفقًا لما كتبه الناقد طارق الشناوي.
لكن المسلسل الذي شاهده الملايين في شتى أنحاء الدول العربية لم يمر دون مشاحنات وخلافات، إذ رفع ورثة المطربة دعوى قضائية طالبوا فيها بمنع عرضه، لكن هذا الموقف تغير تماماً بعد مرور الأسبوع الأول من المسلسل، خاصة بعد أن حظي بنسب مشاهدة عالية، وأصبح حديث الشارع.
روى الفيلم حكاية كل أغنية، وكيف تعاملت مع ملحني ذلك العصر، وكيف كانت حبَ حياة الملحن محمد القصبجي الذي بقي مقعده فارغاً خلفها بعد وفاته.
صابرين والدور الذي تسبب باعتزالها
وكانت محمد علي قالت في تصريحات سابقة، إن اختيار بطلة العمل لم يكن هيناً على الإطلاق، وإن العملية استغرقت عاماً كاملاً؛ نظراً إلى خشية كثير من الفنانات تجسيد شخصية بقامة أم كلثوم.
ظلت تبحث عن فنانة تتوافر فيها شروط محددة وهي: "عفوية، سمراء، مليحة، ولديها فكرة عن فن الغناء"، ليقع اختيارها أخيراً على صابرين.
وصرحت صابرين فى وقت سابق، بأنها قبل المسلسل لم تكن من مُحبي أغاني أم كلثوم، واستغربت بشدةٍ عرض الدور عليها، لكنها قبِلته فوراً، معتبرةً أنها فرصة لن تتكرر، وسيكتب التاريخ اسمها.
وممن كنَّ مرشحات للدور إلهام شاهين ونبيلة عبيد، اللتان وقعت بينهما خلافات كبيرة بشأن الدور، وهو ما أكدته صابرين نفسها.
وقالت إنها قبِلت بالشخصية، لأنها شعرت بأنها ستقوم بعمل وطني فني صادق.
وقالت إنها في مشهد وفاة أم كلثوم الذي أطلقت فيه صرخة كبيرة نتيجة الانفجار في المخ، أصيبت صابرين بشرخ في حبالها الصوتية استمر لسنوات.
وحصلت صابرين على المبلغ المتواضع 3 آلاف جنيه عن الحلقة الواحدة، وتبعت ذلك شهرة ونجومية لا تقدَّران بمال.
أما الطفلتان اللتان قدَّمتا مراحل أم كلثوم العمرية المختلفة، فأصبحتا من الفنانات المشهورات، وهما سهر الصايغ وريهام عبدالحكيم.
جوائز مسلسل أم كلثوم
ضم المسلسل كوكبة من النجوم، وهم: أحمد راتب، وكمال أبو رية، وحسن حسني، وسميرة عبدالعزيز، وعبدالعزيز مخيون، ورشوان توفيق، وإسماعيل محمود، وسعيد عبدالغني، وعزت أبو عوف، وماجدة الخطيب وغيرهم من النجوم.
لم يكن هذا النجاح الكبير لمسلسل "أم كلثوم" متوقعاً من قِبل أسرة المسلسل نفسها، التي فوجئت بأن الجمهور فى الوطن العربي ليست لديه سيرة سوى مسلسل "أم كلثوم"، الذي يؤخذ عليه أنه قدمها كأسطورة فنية واكتفى بعرض الجزء الإيجابي فقط في حياتها، ولم يتطرق إلى الجوانب الخفية.
لكنه تطرق إلى حقبة جمال عبدالناصر، والعلاقة المتميزة التي جمعت بينه وبين أم كلثوم.
حصل المسلسل على الجائزة الذهبية كأحسن مسلسل تاريخي، وحصلت الفنانة صابرين على جائزة أفضل ممثلة، في حين حصل الممثلان أحمد راتب، وكمال أبو رية على جائزة أحسن ممثلٍ مناصفةً، وفاز محفوظ عبدالرحمن بجائزة أفضل سيناريو وحوار، ونبيل سليم أحسن ديكور، وأحسن إخراج لإنعام محمد علي.
وقالت صابرين وقتها، إنها اكتسبت وزناً كبيراً كي تصبح في صورة قريبة من أم كلثوم، تحديداً لناحية الذقن التي كانت تتميز بها المطربة.
لكنها عانت بعد عرض مسلسل أم كلثوم من تداعيات ومشاكل نفسية، فاعتبرت أن المسلسل كان سلاحاً ذا حدين، فبعد النجاح الذي حققته لم يكن هناك مجال للمغامرة والمشاركة في عمل لا يشكل لها إضافة.
انفصلت بعد ذلك عن زوجها والد ابنها واعتزلت الفن وارتدت الحجاب عدة سنوات.
وبعد مرور 9 أعوام من الاعتزال، أعلنت صابرين مشاركتها في مسلسل جديدٍ عام 2008، وقررت أن ترتدي باروكة أو شعراً مصطنعاً، لتثير جدلاً كبيراً آنذاك.
لكنها في عام 2019، قررت خلع الحجاب بشكل كامل، لتستكمل مسيرتها الفنية، وذلك بعد نحو 20 عاماً من عرض مسلسل "أم كلثوم".