من ينسى كيف طلَّق أبو عصام زوجته في مسلسل باب الحارة لأنها قالت له "فَشَرْت". ترددت هذه الكلمة والتفاعلات حولها طوال موسم رمضان، عام 2007، عندما صدر الجزء الثاني بعد عام من نجاح الحزء الاول الباهر، ممهداً الطريق لعشرة أجزاء أخرى من بطولة شخصيات عاش معها الشارع العربي كل رمضان.
ومسلسل باب الحارة لمن لم يشاهده، مسلسل سوري اجتماعي يلقي الضوء على الحارات الشامية في عشرينيات القرن الماضي.
لاقى الجزء الأول منه شعبية عارمة في شتى الدول العربية بفضل شخصياته التي رمزت إلى زمن الشهامة والبطولات والإيثار.
مجموعة أُسر شامية بعلاقات متداخلة، منها المرأة القوية وأخرى ضعيفة وثالثة متسلطة، وكذلك الرجال، بينهم الشرير والغيور والمنفعل والمتسامح وذو الحكمة والصبر ومُحِب النساء.
فسيفساء اجتماعية جمعتها قصص حب متفرقة هنا وهناك، وفرَّقتها عداوات ومحاولة انتقام، ولكن مهما كبرت العداوات كانت دائماً ما تتحد ضد العدو الأوحد، وهو المحتل الفرنسي آنذاك.
شخصيات مسلسل باب الحارة
ما يميز مسلسل باب الحارة أن شخصياته شكَّلت رمزاً وحالة، فأصبح أبو شهاب "العقيد" تعبيراً مستخدماً حتى الآن لشاب له تقديره ومكانته بين الشباب، وحتى "إم زكي" الخاطبة، أصبحت وصفاً ونعتاً لكل من حاول مثلاً أن يجمع متقدمين للزواج.
حتى شخصية معتز، شكَّلت رمزاً للشاب المندفع "الجدع" أو "القبضاي" الذي لا يعصى أهله ويساعد المظلوم وينصر الضعيف.
تمحور الجزء الأول حول سرقة الإدعشري الذي أدى شخصيته بسام كوسا، بينما أدخلنا المسلسل داخل بيوت عائلات حارة الضبع وحارة أبو النار.
وعلى خط متوازٍ يعمل أبو شهاب على تقديم المساعدات للثائرين الفلسطينيين عند بحيرة طبريا، في إشارة إلى مساهمة البلدات الحارات الشامية في الصراع ضد المحتل.
في الجزء الثاني تُستكمل الخلافات النسائية، متسببةً في طلاق أم عصام مرة أخرى، مع خلافات بين الحارتين إلى أن يوحدهما بحكمته أبو عصام ويحرر أبو شهاب من المستعمر.
في الجزء الثالث تختفي شخصية أبو عصام، وتكشف الكواليس عن خلاف بين عباس النوري ومخرج العمل، الذي استكمل القصة بالتركيز على الأبناء وعائلات أخرى كانت مهمَّشة، وظهور حارة الماوي مع الجانب الشخصي لحياة العقيد أبو شهاب.
تعاني الحارة في الأجزاء المقبلة، من الجواسيس والدسائس وعمليات التخريب التي تسعى للفساد ونشوب الخلافات بين أبناء الحارة الواحدة.
كان العدو الفرنسي دائماً على مقربة يراقب ويبحث عن مكان ثوار الغوطة ومن يدعمونهم.
وبعدما يغيب أبو عصام عدة أجزاء، تظهر شخصيته من جديد في الجزء السادس مع ممرضة فرنسية تزوج بها سراً.
صُوّرت الأجزاء الخمسة بالقرية الشامية في ريف دمشق، في حين صُوِّرت الأجزاء: السادس والسابع والثامن والتاسع في حارة مشابهة تماماً للحارة الأصلية تم بناؤها في منطقة يعفور بريف دمشق. أما الجزء العاشر، وبعد انتقال أهالي حارة الضبع إلى حارة الصالحية، فصوِّر في مدينة الرحبة بدمشق (دير علي)، في حين صُوِّرت جميع المشاهد الداخلية في بيوت دمشق القديمة.
كتب الجزء الأول منم مروان قاووق وكمال مُرة، بينما كتب قاووق الجزأين الثاني والثالث والعاشر منفرداً، وعاد كمال مُرة للعمل وكتب الجزأين الرابع والخامس منفرداً. أما السادس والسابع فكتبهما عثمان جحا وسليمان عبدالعزيز، في حين كتب الجزأين الثامن والتاسع سليمان عبدالعزيز منفرداً، أما في جزئه العاشر فعاد مروان قاووق للعمل وكتبه منفرداً.
خلافات تؤدي إلى اختفاء شخصيات أساسية
لكن المسلسل الذي شكَّل حالة وموعداً يومياً للعائلات حول التلفزيون وتحديداً بعد الإفطار، لم يخلُ من الانتقادات سواء لناحية الأخطاء التاريخية التي وقع فيها أو للخلافات التي تسببت في اختفاء شخصيات وإعادة ظهورها.
الخلاف الأول نشب بين المخرج بسام الملا والنوري؛ ما أدى إلى استبعاد شخصية أبو عصام ثلاثة مواسم، وأوضح المخرج أن النوري اشترط دوراً مفصلاً على مقاسه.
الخلاف الثاني كان بين بسام الملا وسامر المصري أبو شهاب؛ ما أدى إلى استبعاده هو الآخر.
أما السبب فهو مشاركة المصري في إعلان تلفزيوني بشخصية أبو شهاب، ما اعتبره المخرج إساءة إلى الشخصية.
وقال وقتها المصري، إن الملا "وضع شروطاً ديكتاتورية على الممثلين، تتمثل بعدم المشاركة في أعمال شامية أخرى أو دعايات، فقرر الانسحاب".
ثم نشب خلاف بين الملا ووائل شرف الذي أدى شخصية معتز، والذي لم يشارك في الجزأين الثامن والتاسع.
أرجع الملا السبب إلى أن وائل طلب زيادة أجره إضافة إلى سفره للخارج لدراسة الإخراج، وطلب من وائل ألا ينسى فضل باب الحارة عليه، ما اضطر الأخير إلى الرد، ليقول: "على الملا ألا ينسى هذا الفضل". فاستبعده الملا واستبدله بالممثل قصي الخولي.
أما الخلاف الأخير فكان بين شركتي الإنتاج "ميسلون" و"قبنض".
صدرت بيانات متضاربة من الشركتين عن زعم كل منهما إنتاج أجزاء جديدة من المسلسل، وانتهت بالمواجهة في المحاكم لصالح شركة ميسلون.
انتقادات بالمماطلة وأخطاء تاريخية
شبح الخلافات الذي ظل مهيمناً على أبطال ومخرجي ومنتجي العمل، نتج من عدد المواسم المتعاقبة، والتي سرعان ما فقدت زخمها موسماً تلو الآخر.
فتعرَّض مسلسل باب الحارة لاتهامات بالإطالة والمماطلة في التصوير والأحداث، بينما عارض ناشطون نسائيون تصوير المرأة السورية على أنها ساذجة وبسيطة، علماً أنها لعبت دوراً كبيراً في فترة الانتداب الفرنسي والاستقلال.
ولاقى المسلسل انتقادات بسبب الأخطاء الفنية وعودة ممثلين ماتوا في الأجزاء الأولى، ثم ظهروا في شخصيات أخرى بالأجزاء الأخيرة.
بل إن بعض الجمهور طالب بإيقاف السلسلة، كي لا تفقد بريقها ونجاحها.
ولعل الملا كان أكثر من تعرَّض لانتقادات، منها مثلاً: "أبطال الحارة منهم من نجا من القصف ومنهم من نجا من المخرج"، في إشارة إلى أنه كان يتخلص من شخصية الممثل الذي يختلف معه بمنتهى السهولة.
وبغضّ النظر عن هذه الجوانب التي تزامنت مع العمل الفني، حجز مسسلسل باب الحارة مكانة لا خلاف بشأنها على لائحة المسلسلات الشامية التي شكَّلت الذاكرة الرمضانية، وتربى مع شخصيات القرن الماضي أجيال الألفية الثالثة وتعلَّقوا بها حتى يومنا هذا.