لماذا نشاهد الأعمال الفنية نفسها مراراً وتكراراً؟ وماذا يحدث في دماغنا عند إعادة مشاهدة الأفلام والمسلسلات التي نعرف نهايتها ويمكننا اقتباس نصوصها بالكلمة؟ هل يبقى مثيراً مسلياً؟
قدمت خدمات البث عبر الإنترنت منصة هائلة للمحتوى التلفزيوني، ما يقدم لنا مجموعة لا حصر لها من الأعمال الفنية التي يمكن إعادة مشاهدتها وقت ما نشاء، وبقدر ما نشاء.
ولعل القوة الدافعة وراء الشعور بالرضا عبر إعادة مشاهدة الأفلام القديمة والبرامج التلفزيونية هي عدم وجود عنصر المفاجأة. تنتبه في بعض الأحيان إلى تفاصيل صغيرة لم تلاحظها من قبل، ولكن في معظم الأحيان، تشعر بالارتياح لمعرفة ما سيحدث.
بدورها تشرح أستاذة علم النفس في كلية لو موين والخبيرة في الحنين إلى الماضي كريستين آي باتشو، فتقول إن الانجذاب إلى المألوف له أسبابه التي تعزز الصحة النفسية، ولكن لها جانب سلبي.
إعادة مشاهدة الأفلام والمسلسلات
لا تتطلب جهداً ذهنياً
يمكنك أن تشاهد شيئاً مألوفاً على التلفاز بينما تقوم بنشاطات أخرى، فلا يتشتت تركيزك.
تقول باتشو: "إن المألوف يتطلب منا جهداً ذهنياً أقل".
على سبيل المثال، عندما نشاهد العروض أو الأفلام القديمة، فإننا نعلم بالفعل قدراً كبيراً عن الشخصيات الرئيسية. لذا يمكن توقع السلوكيات وتتبُّع المؤامرات بسهولة دون الحاجة إلى بذل كثير من الجهد المعرفي لمعالجته.
تقدم الدعم والراحة
لأنك تعرف الخطوط العريضة، والأهم من ذلك، ارتباطك بالشخصيات، يمكن أن تكون إعادة المشاهدة أمراً مريحاً، مثل رؤية صديق قديم.
تشرح باتشو قائلة إن "الولاء للعروض غالباً له علاقة بالمتابعة، فالأدوار الخيالية تثير مشاعر مماثلة لتلك المرتبطة بالأصدقاء الفعليين أو أفراد العائلة.
بالنسبة لمن يواجهون صعوبات في علاقاتهم، فإن المشاعر التي تثيرها الشخصيات المألوفة عبر تصرفاتها التي يسهل التنبؤ بها، تُشعر المُشاهد بالدعم والراحة".
تعيد الذكريات السعيدة
تجلب إعادة المشاهدة بعض الذكريات الجيدة وحنيناً إلى الماضي، فبعض الأعمال تعيدك إلى فترة الطفولة، أو الحب الأول، أو ذلك الرابط القوي مع صديق قديم.
تعزز ذكريات الأوقات السعيدة المزاج في الأوقات العصيبة أو الحزينة، وتذكّرنا بالدعم والمحبة التي يكنّها الآخرون لنا.
تحث على التواصل مع الآخرين
بعض الذكريات تلهمنا للتواصل مرة أخرى مع الأصدقاء القدامى أو أفراد العائلة للحصول على الدعم أو لمجرد الشعور بالتقدير.
وحسبما قالت الدكتورة باتشو: "أظهرت الأبحاث أن الحنين يرتبط بتقوية الترابط الاجتماعي، والمشاعر العميقة المرتبطة بالمجتمع كالتعاطف، إلى جانب شعورنا بهوياتنا الحقيقية".
لهذا السبب ربما يتشارك البعض على مواقع التواصل الاجتماعي إعادة مشاهدتهم لفيلم ما، فيتفاعل الآخرون معهم ويشعرون بتواصل مجتمعي منعش.
شعور بالسيطرة
تقول باتشو إن المألوف -سواء كان مسلسلاً أو فيلماً أو شيئاً في الحياة الواقعية- يمكن أن يجعلك تشعر بالتحكم، لأنه يساعد على توقُّع المستقبل.
وهذا الشعور يحث على الاطمئنان في زمن سريع التحول والتطور ومتسارع الأحداث.
لذا، يمكن أن يعيد تذكُّر العلاقات المألوفة، حتى تلك الخيالية، التفاؤل في مبادئ الإخلاص والولاء.
سلبيات إعادة المشاهدة أو نهم المشاهدة
رغم كل الإيجابيات النفسية لإعادة إحياء شخصيات مألوفة، فإن هناك جانباً سلبياً في مشاهدة شيء بنهم مراراً وتكراراً.
وتوضح باتشو أن هذا النهم يؤدي إلى الإشباع، وحينها يصبح الاستمتاع بالمألوف مملاً وغير مثير للاهتمام.
كما يمكن أن يضيّق أفق انتباهنا ويعرقل الإبداع.
وتشرح قائلة: "يمكن أن يؤدي الانتباه الضيق إلى عدم ملاحظة أشياء أخرى تستحق أو تحتاج إلى اهتمامنا".
فالتركيز المحدود أمر مُغرٍ، لأنه يستلزم عملاً إدراكياً أقل؛ بيد أن إعادة المشاهدة قد تبدو ممتعة في البداية، لكنها لا تحفز التفكير الإبداعي أو الأصلي.
ولكن في حين أن هناك بعض السلبيات، فإن المشاهدة النهمة أو إعادة المشاهدة غير ضارة إلى حد ما.
بل تشكل في بعض الأحيان طريقة صحية للتعامل مع التوتر أو خيبة الأمل أو الخسارة.
وتصفها باتشو بأنها بمثابة جسر بين التخلص من أثقال الماضي وأشخاصه والانتقال إلى المرحلة التالية. ويصبح الأمر غير صحي، وفق تعبيرها، فقط عندما يُحجم المشاهد عن ترك الماضي والعودة إلى الحاضر والمستقبل.
لذا في المرة المقبلة التي تشعر فيها بالتوتر، لأن Netflix أصدرت عملاً جديداً بينما تحن إلى مشاهدة مسلسل The Office أو Friends، لا تشعر بالذنب، فهناك سبب علمي وقوي للقيام برحلة العودة إلى الماضي من جديد.