هل وقعت عيناك من قبل على نوتة موسيقية مليئة بالرموز والرسوم، وأعادت إلى ذهنك أسماء تعلمناها قديماً مثل: دو، ري، مي.. وتساءلت عن أصلها، وكيف بدأت؟ لو كانت إجابتك هي نعم فأنت لست وحدك.
فهناك الكثيرون لا يعرفون أصل أو تاريخ النوتة الموسيقية، ومتى بدأت، وكيف؟ في تقريرنا التالي سوف نتناول نبذة عن تاريخ النوتة الموسيقية المكتوبة بالرموز، وكيف تطورت كتابة وتدوين الموسيقى.
ما قبل النوتة.. اليونان وروما
كانت البداية في اليونان، ليست الموسيقى فقط، بل كل الفن الكلاسيكي، لهذا ليس من المثير للدهشة أن الموسيقى الكلاسيكية تستمد جذورها من الإبداعات الإغريقية، في عام 600 قبل الميلاد.
فسّر عالم الرياضيات الشهير فيثاغورث الموسيقى باعتبارها علماً، واستحدث ما يُعد حجر الأساس للموسيقى الحديثة وهو: السُّلم الموسيقي القديم، والذي لم يدون بشكل رموز، وإنما بشكل الحفظ السماعي، كانت الآلات الوترية هي السائدة بجوار الطبول والأبواق (الترومبيت).
كانت مُسابقات العزف على آلات الترومبيت بمثابة حدثٍ هام وشائع في اليونان بحلول عام 400 قبل الميلاد. ففي اليونان أُرسيت الأحجار الأولى للنظرية الموسيقية. كتب أرسطو عن نظرية الموسيقى من الناحية العلمية، واستحدث وسيلة للتدوين الموسيقي عام 350 قبل الميلاد. وما زالت أعماله تُدرس حتى يومنا هذا.
أما المحطة المهمة التالية في تطور الموسيقى فقد قام بها الفيلسوف الروماني بوثيوس. ففي عام 521 بعد الميلاد، نقل نظام التدوين الموسيقي اليوناني إلى أوروبا الغربية -إيطاليا بشكل خاص- ما سمح للموسيقيين هُناك بكتابة الأغاني الشعبية لأراضيهم على نحوٍ دقيق. كما أن بوثيوس كان أول من كتب عن فكرة الأوبرا بشكلها الكلاسيكي القديم.
هكذا تطور تاريخ النوتة الموسيقية المكتوبة
معظم الموسيقى التي ابتُدِعت بعد سقوط روما كانت بتكليفٍ من الكنيسة، فللديانة الكاثوليكية تاريخ طويلٌ من التدخل (بالسلب أو بالإيجاب) في الفنون الموسيقية. ففي عام 600 بعد الميلاد أمر البابا غريغوري ببناء الـ"Schola Cantarum"، التي كانت أول مدرسة لدراسة الموسيقى في أوروبا، لتحسين جودة الترنيم الديني.
في تلك الأثناء في الصين، كانت الموسيقى تتطور، ففي عام 612 بعد الميلاد، كانت هُناك فرق موسيقية مُكونة من مئات الموسيقيين تُقدم عروضاً لمُختلف الأسر الحاكمة في الصين. وعلى الرغم من أن هذه الموسيقى بالتحديد من تلك الحقبة في الصين غير معروفة، فإن الأسلوب المميز للموسيقى الصينية ينعكس حتى على المقطوعات الآسيوية الأوركسترالية الحديثة.
أما في البلدان الناطقة بالإنجليزية والألمانية فكل نوتة تسمى بحرف معين.
أما التسميات المشهورة مثل: (دو ري مي فا صول لا سي) فهي إيطالية الأصل، وتعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي، خلال فترة الأناشيد الكاثوليكية الغريغورية ذات الطابع الديني، ويعود الفضل فيها إلى (غيدو دي اريتزو)، الذي كان يعمل أستاذاً للموسيقى، ويعتبر هو مؤسس الصولفاج (التدوين الموسيقي بالرمز) الغنائي.
كيف اشتقت التسميات؟
استوحى غيدو أسماء النوتات من نشيد ديني يُغنى في عيد ميلاد القديس سان جون بابتس، مقاطعه اللغوية كالتالي:
Ut queant laxis
resonare fibris
Mira gestorum
famuli tuorum
Solve pollute
labii reatum
Sancte Iohannes
أخذ غيدو الحرفين الأولين لكل بيت في الترنيمة، فحصل على رموز: أوت – ري – مي – فا – صول – لا – سي
وهي البنية الأساسية التي اشتقت منها أسماء الرموز الموسيقية الحالية، بعد تحول الرمز الأول (أوت) إلى (دو).
في عام 1100 بعد الميلاد، بدأت حركة علمانية جديدة. كان هذا الانفصال للكنيسة عن الموسيقى انفصالاً من جانبٍ واحدٍ، وسُرعان ما نُظِر إلى هذه الموسيقى "الشعبية" الجديدة بازدراء باعتبارها وثنية وتكاد تكون كافرة.
الموسيقى في عصر النهضة
في بداية عصر النهضة، تحديداً عام 1465، استُخدمت آلة الطباعة في البداية لطباعة الموسيقى. باستخدام المطبعة يتمكن المؤلف الموسيقي من تنظيم مقطوعاته والتربح من ورائها بمنتهى السهولة. في عام 1490، أُعيد نشر كتابات بوثيوس عن الأوبرا باللغة الإيطالية.
مع بداية عصر النهضة، كانت قواعد الموسيقى على وشك أن تتغير تماماً. كان هذا بداية لعصرٍ مُستنيرٍ جديدٍ سيُسلط الضوء على بعض أعظم العقول الموسيقية التي أُنتِجت على الإطلاق.
في هذه المرحلة، خير لتاريخ الموسيقى أن يُروى من خلال الأساليب التي برزت والمؤلفين الموسيقيين الذين عاشوا بعد عصر النهضة.