بعد حوالي خمسة سنوات من صدور فيلم الفيل الأزرق المأخوذ عن رواية أحمد مراد التي تحمل نفس الاسم، يتعاون مخرجه مروان حامد مع مؤلف الرواية وكاتب سيناريو وحوار والمعالجة الدرامية للفيلم أحمد مراد في إنتاج جزء ثانٍ من الفيلم يستكمل الجزء الأول دون أن يكون هناك إصدار روائي له، مع نفس طاقم العمل تقريباً، حقق الفيلم إيرادات ضخمة في أول أسبوع لعرضه، وكانت دور العرض ممتلئة بالجمهور المتحمس للجزء الثاني بناءً على نجاح الجزء الأول والذي يعتبر نقلة نوعية في السينما المصرية والمأخوذ عن رواية الفيل الأزرق، فما المختلف في فيلم الفيل الأزرق 2 والذي شاهدناه مؤخراً؟ هذا ما سوف نحاول معاً تحليله في هذا المقال.
عصارة النجاح
نجح فيلم الفيل الأزرق في جزئه الأول وقت عرضه حيث كانت تغييراً كبيراً في شكل وصناعة ومحتوى السينما المصرية، استطاع مروان حامد أن ينقل الأجواء الماورائية لعالم الأحلام والجن والشياطين جنباً إلى جنب مع عوالم المرض النفسي، فكان الفيلم جذاباً جداً للجمهور، خاصة أن أحمد مراد يعمل على البحث المدقق للأسس التي يبني عليها أعماله الروائية، فتجد رواياته دوماً تهتم بما وراء الأحداث الدرامية وتقدم حقائق "متعوباً عليها" في البحث والتنقيب سواء للحقائق العملية أو التاريخية التي تقوم عليها أحداث رواياته، فهو يخلق عالماً خيالياً يقتبس جزءاً من الحقائق ويطوعها كي تناسب الخيال، واستطاع مروان حامد أن يقدم فيلماً سينمائياً قوياً اعتمد على الديكورات والملابس والغرافيك المتقن، مع اهتمامه بالدراما والموسيقى التصويرية وأداء الشخصيات، وهو ما كرره طاقم العمل في الجزء الثاني من الفيلم دون أي تجديد تقريباً.
قصة الجزء الثاني لا تختلف إطلاقاً عن الجزء الأول، نفس قصة الطبيب النفسي الذي يقحم في أحداث ما ورائية يتسبب فيها أحد شياطين الجن، وهو نفس الشيطان الذي كان يحاربه في الجزء الأول، نفس الأحداث بنفس التطورات، استبدلوا فقط خالد الصاوي بهند صبري، جريمة قتل تقوم بها البطلة الممسوسة في حق أكثر الناس حباً لهم، ومواجهات بين يحيى الطبيب وبين الشيطان السفلي.
اعتصر مروان حامد مع أحمد مراد فاكهة الفيل الأزرق حتى استهلكوا كل عصارتها، القصة نجحت والفيلم حقق إيرادات وأعجب المشاهدين، إذن فلنقدم جزءاً ثانياً منه، لا يقدم أي شيء جديد على مستوى الحدث والدراما، نفس الحبكة ونفس وتيرة تصاعد الأحداث، مع استخدام الغرافيكس بكثرة واحترافية، نفس تيمة موسيقى هشام نزيه الكابوسية، ونفس العوالم الماورائية، وكأن المشاهد سوف يقبل أن يشاهد نفس أحداث الفيلم مرة أخرى طالما أعجبه الأمر في المرة الأولى، كان مقصد صناع الفيلم هو استثمار نجاح الرواية والجزء الأول من الفيلم، ولكن ما حدث لم يكن استثماراً بل كان استنزافاً للنجاح بدلاً من أن يفيد الجزء الأول، انتقص منه، يمكنك أن تعرف ذلك بسولة من تعليقات المشاهدين على المنصات الإعلامية التي تروج للفيلم أو تناقشه.
تطور الشخصيات في فيلم الفيل الأزرق 2
يحيى، الطبيب النفسي المضطرب الذي يواجه الشيطان في الجزء الأول، هو نفس البطل في الجزء الثاني، الذي يبدأ من حيث انتهى في الجزء الثاني، يتزوج لبنى وينجب منها طفلاً، يعود لإدمانه على الخمر، ويغير مهنته ليبتعد عن عاالم الطب النفسي، يبدأ الفيلم بأزمة في زواجه من حبيبته التي كان تاريخه معها محركاً أساسياً لأحداث الجزء الأول، لا يقدم الجزء الثاني أي تفسيرات لما حدث، لماذا عاد يحيى للشراب، لماذا لم يكن سعيداً مع لبنى، لماذا تأزمت حياته الأسرية التي طالما حلم بها، ولماذا انقطعت صلته بشريف "خالد الصاوي" أخو زوجته الذي أنقذه في الجزء الأول من المس الشيطاني.
لماذا كبيرة تقفز في وجهك عند مشاهدتك لأحداث الجزء الثاني، لا مبررات درامية ولا ترسيخ لتطور الشخصيات ولا لأحداث الفيلم، فجأة ترى كل الشخصيات بخلفيات جديدة، حتى لبنى التي نعرف في الجزء الثاني أن لها تاريخاً عصابياً لم يرسخ له المؤلف ولا المخرج في الجزء الأول، وحتى علاقتها بزوجها الأول، يتجاهل الفيلم أن ماضي هذه العلاقة يختلف اختلافاً جذرياً عن ما يرويه الجزء الأول من الفيلم، كأن صناع الفيلم قرروا أن يقدموا ساعتين من الغرافيكس والمؤثرات البصرية والسمعية المتقنة بعيداً عن الدراما التي هي عنصر الجذب الأول لجمهور السينما.
مجموعة من المغالطات المنطقية يعج بها الجزء الثاني من الفيلم، واستهتار شديد بعقل المشاهد الذي لم يدخل السينما ليشاهد فقط كادرات جميلة وملابس أنيقة وموسيقى تصويرية مؤثرة، ليس هناك أي قيمة مضافة في الجزء الثاني على مستوى الحبكة وتطور الشخصيات والدراما السينمائية، حتى الشخصيات الجديدة لم يهتم صناع العمل برسم خلفية منطقية لها، شخصية مدير القسم النفسي التي لعبها في الفيلم إياد نصار شخصية غير مبررة، يهاجم يحيى ويحمل عقداً نفسية وتاريخاً كبيراً من المخاوف، أشار له الفيلم من بعيد دون أن يغوص فيه، حتى التغيير الجذري الذي حدث له وجعله يقتنع بكلام يحيى عن المس الشيطاني ليس له ما يبرره ولم "يفرش" له أحمد مراد أو مروان حامد جيداً.
التمثيل
كريم عبد العزيز
على مستوى التمثيل، أجاد كريم عبد العزيز أداء دور يحيى الطبيب النفسي المضطرب، لم يستلزم الفيلم
تطوراً في الأداء عن الجزء الأول، فقد أجاد دور الطبيب النفسي الممزق بين عالم الطب وعالم الشياطين والخرافات التي يعرف أنها حقيقية، وقد كان يقوم بدور الأب المتوتر الخائف باقتدار، كان دور كريم عبد العزيز في الجزء الجديد لفيلم الفيل الأزرق هو نفس دوره في جزئه السابق، وقدمه كريم عبد العزيز بنفس الأداء، صحيح أنه أداء جيد ومقنع، ولكنه لا يضيف لرصيده شيئاً جديداً كفنان، فهو نفس الدور بنفس التفاصيل بنفس الانفعالات، هنا يمكننا أن نقول إن كريم عبد العزيز رغم أنه كان موفقاً في التمثيل نفسه، إلا أنه لم يكن موفقاً في اختيار الدور، فهو لا يشكل أي جديد لا لكريم عبد العزيز ولا للمشاهد الذي شاهد نفس الشخصية له قبل خمسة سنوات.
ولكن إجمالاً فإن كريم عبد العزيز يثبت قدراته كممثل جيد مؤخراً، حيث قدم في مطلع العام دوراً مختلفاً تماماً عن دوره في فيلم الفيل الأزرق 2، عندما قدم شخصية أدهم في فيلم نادي الرجال السري، والذي كان كوميدياً وخفيفاً وقد نجح الفيلم وقت عرضه وحقق إيرادات ضخمة أيضاً، فالشخصيتان مختلفتان تماماً وكونه قدمهما بفارق شهور قليلة ومع ذلك حقق كل منهما نجاحاً، فإن هذا يثبت نضج كريم عبد العزيز كممثل يستطيع أداء كل الأدوار بنفس الاحترافية، ما يحسب له ويثقل رصيده الفني دون شك.
نيللي كريم
أما عن نيللي كريم فهي تبرع عادة في أداء الأدوار السيكوباتية المعقدة، خاصة بعد أن قدمت دورها في "سقوط حر" الذي قدمت فيه دور مريضة عقلية مصابة بالكاتاتونيا والذي استلزم منها قراءة ومعايشة وتعلم حتى تقوم بدورها على أكمل وجه، خاصة أن تمثيل الشخصيات في المسلسل كان تحت توجيه أطباء نفسيين، أيضاً دورها في مسلسل "تحت السيطرة" والذي قامت فيه بدور امرأة مدمنة على المخدرات وحالات الأرجحة بين المرض والتعافي أفادها في إتقان هذا النوع من الأدوار، ولذلك فقد قدمت مشاهدها في الفيلم بإتقان.
نيللي كريم ممثلة جيدة خاصة عندما تتعاون مع مخرج ذكي يجيد توجيه طاقاتها نحو فائدة العمل، وهو ما أكدته أكثر من مرة بتعاونها مع كاملة أبو ذكري، والذي ظهر بوضوح في أدائها الضعيف في مسلسل "لأعلى سعر" مقارنة بباقي أعمالها الدرامية، ولأن مروان حامد مخرج يجيد عمله فقد خرج أداء نيللي كريم في مشاهدها التي تمثل فيها الاضطراب النفسي مقنعاً، حتى لو كانت مشاهد قليلة، أجادت نيللي كريم أداء دورها ولكنه لم يضف لرصيدها الفني كثيراً خاصة أنها قامت بأداء أدوار تلعب في نفس المنطقة من قبل.
هند صبري
تعتبر هند صبري من أفضل ممثلات جيلها، منذ بداياتها اهتمت بأن تتقن اللهجة المصرية بشكل كبير حتى أنك لا تلاحظ أنها تستطيع التحدث بلكنة أخرى، وقد قدمت هند صبري كمّاً متنوعاً من الأدوار بين التراجيدي والكوميدي سواء في السينما أو الدراما التلفزيونية وأجادتها جميعاً وكان يشيد بأدائها الجميع، ساعدها في هذا انتقاؤها لأعمال جيدة مع مخرجين لهم وزنهم.
في فيلم الفيل الأزرق في جزئه الثاني تقوم هند صبري بدور المريضة الملبوسة بجن سفلي "فريدة" ودور الراقصة الغجرية "لوليا"، وقد أجادت هند صبري الانتقال بين الشخصيتين بسلاسة رغم أن هذا النوع من الأدوار جديد عليها تماماً ولم تقدمه من قبل في أي من أعمالها، كانت لغة جسدها في الشخصيتين متماشية مع طبيعة الدور.
رغم أننا يمكن أن نأخذ على الفيلم أنها تقريباً كانت تقوم بأداء دور خالد الصاوي في الجزء الأول من الفيلم بلا تغيير تقريباً في تفاصيل الشخصية، ولكن تلك مشكلة المخرج والمؤلف، أما عن دورها كممثلة فهي قد أجادت أداءه، على الأقل لم تهبط بالدور خاصة أننا شاهدنا الجزء الأول وكان أداء خالد الصاوي مبهراً فيه، فعندما تقوم هي بنفس الدور تقريباً بنفس تفاصيله دون أن تسيء له أو ألا يستمتع به الجمهور فقد كان هذا تحدياً استطاعت هند صبري أن تجتازه بنجاح، ولذلك يمكننا أن نقول إن الدور أضاف لهند صبري جديداً في رصيدها الفني.
لكن التمثيل وحده لا يكفي مع المؤثرات البصرية والموسيقى في تقديم فيلم قوي، وإذا كان الجزء الثاني من فيلم الفيل الأزرق حقق نجاحاً فإن هذا لم يكن بسبب الفيلم في حد ذاته، ولكن بسبب نجاح الجزء الأول الذي كان قوياً فعلاً، وجريئاً، ولكن أن يعاد تقديم نفس الفيلم بنفس الأحداث بنفس الأبطال تقريباً مرة أخرى، فإن هذا يعتبر إهانة لعقل المشاهد، واستنزافاً لنجاح الجزء الأول، وخطوة لا تليق بذكاء مروان حامد الذي لا يستطيع أحد أن ينكر أنه مخرج جيد جداً، وأحمد مراد الذي يعتبر من أهم الأسماء في عالم التأليف.