لم يتوقف الجدل الذي أثاره الفيلم الوثائقي الممتد لأربع ساعات Leaving Neverland الذي تناول حياة مايكل جاكسون، خاصة أنه تناول أراء بعض من قالوا أنهم تعرضوا للإساءة الجنسية على يد المغني الشهير.
الفيلم انضم متأخراً إلى مهرجان ساندانس السينمائي. ووصفت الجهة القائمة على إدارة عقار Neverland الذي كان جاكسون يسكنه، وسُمِّيَ الفيلم باسمه، الفيلم بأنَّه: "محاولة مزرية ومستفزة لاستغلال اسم جاكسون" حسبم صحيفة The Guardian البريطانية.
هناك تحريض ضد الفيلم
في الوقت نفسه يصعد معجبو جاكسون تهديداتهم ضد مخرج الفيلم، دانيال ريد الفائز بجائزة الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون. وشهدت مواقع الإنترنت تحريضاً على التظاهر ضد الفيلم، مما أدى إلى زيادة وجود الشرطة، غير أنَّه بسبب شدة برودة الطقس في الصباح في ولاية يوتا، لم تظهر سوى مجموعة صغيرة من المهووسين بالمغني الراحل.
بسبب ما تضمنه من شهادات عن سلوك جاكسون
وقالت الصحيفة البريطانية، أما بالنسبة للجالسين داخل المسرح المصري بولاية يوتا الأمريكية لمشاهدة الفيلم، فكانت مقاومة المشاهدة للنهاية مستحيلة. فعلى مدار أربع ساعات، شارك المخرج ريد شهادات تفصيلية لرجلين اتهما جاكسون بتعريضهما للإساءة الجنسية على نطاق واسع ومريع حين كانا طفلين.
ومن المقرر أن يُعرض الفيلم على جزأين على قناتي HBO وChannel 4. وقبل بدء العرض، أخطرت الشركة المنظمة بوجود مقدمي رعاية صحية متخصصين عند الحاجة، إذ إن الوصف الصريح لعمليات الإساءة من الممكن أن يُسبب صعوبات لدى الأشخاص الذين يثير هذا الوصف في نفوسهم ذكريات أليمة.
لذلك فهناك صعوبة من إنكار هذه الروايات
ورغم أنَّ دعوات قضائية سابقة فشلت في إثبات التهم ضد جاكسون، ونُعت من اتهموه سابقاً بأنَّهم انتهازيون يختلقون القصص، من الصعب أن نتخيل أن يكون إنكار هذا الفيلم المصاغ بدقة والذي يُقدم تفاصيل مرعبة بهذه السهولة.
قرَّر المخرج دانيا ريد تركيز الحكاية على اثنين من المتهمين وأسرتيهما فقط، وقدَّم تفسيراً لهذا في جلسة الأسئلة التي عقدها بعد عرض الفيلم، وأصر على أنَّ قصتيهما تظل متماسكة وقوية دون أي مادة دخيلة، وهو أمرٌ أصاب فيه تماماً.
خاصة أن الشهادات الموجودة، ذات تفاصيل متماسكة
ووفقاً للصحيفة البريطانية، تحتوي رواية الضحيتين على نقاط تشابه عديدة: فكلاهما كان أصغر من العاشرة حين تعرفا على جاكسون، وكلاهما كان يملك اهتماماً قوياً بالتمثيل، وكلاهما خضعا للاستمالة الجنسية كما زعما ثم تعرضا للإساءة لفترة ممتدة من الزمن.
ويحكي أول الضحيتين حكايته مع جاكسون
وأول الضحيتين هو وايد روبنسون، ويتحدث في بداية الفيلم، والذي نشأ لديه في سن مبكر اهتمامٌ كبير بجاكسون، وامتلأ حائط غرفته بملصقات تحتوي صور الفنان. كان روبنسون فتى حساساً، لذا فضل الرقص على لعب كرة السلة، وظهر في مسابقة محلية وهو يقلّد حركات جاكسون وهو في سن الخامسة. وكانت جائزة المسابقة هي مقابلة جاكسون شخصياً، ونشأت بينهما صداقة عميقة شجعتها والدة روبنسون، التي وصفت نفسها بأنَّها مولعة بالمسرح؛ بعد أن وقعت تحت تأثير سحر الشهرة التي يتمتع بها جاكسون.
إعلانات بيبسي كانت بداية الضحية الثانية مع جاكسون
أما الضحية الثانية فهو جيمس سييف تشك، الذي التقى جاكسون بعد أنَّ أدى دوراً كبيراً في أحد إعلانات بيبسي. وكما هو الحال مع روبنسون، نشأت بين الاثنين صداقة عميقة في سن مبكر، حين وصل إلى سن العاشرة اصطحب جاكسون في جولة، وشجعته على ذلك أمه المفتونة هي الأخرى بجاكسون، والتي اعتبرته أحد أبنائها.
يصف جيمس أولاً استرجاعه لذكريات تحول صداقته بجاكسون إلى الطابع الجنسي؛ وذكر أنَّ جاكسون بدأ يُعرفّه على الاستنماء. نظر جيمس إلى هذا باعتباره صورة من صور "الترابط" غير أنه كان شرارة البدء لما يصفه بأنَّه "علاقة جنسية بين زوجين" حين كانا يخلوان ببعضهما البعض، أو تسمح لهما والدة جيمس الغافلة بالمكوث في غرفة واحدة في الفندق. تتخذ القصة طابعاً ظلامياً أكثر حين تكتشف الأم أنَّ غرفة قد حُجِزَت لها في الفندق في طابق مختلف، بحيث يكون جاكسون واثقاً من أنَّها لن تكتشف أبداً ما يحدث لصغيرها. ويذكر جيمس أنَّه استيقظ ذات مرةً ليجد جاكسون يقول له أنَّه مارس معه الجنس الفموي أثناء نومه. وأخبر جاكسون الفتى أيضاً أنَّه أول ما يخوض معه جاكسون تجربة جنسية وأنَّ هذه "طريقة مقبولة للتعبير عن الحب".
بات ضمان الخصوصية أسهل عند بناء منزل Neverland Ranch. ويقول جيمس، بعد أن سرد الأماكن العديدة داخل المنزل الذي عرَّضه فيه جاكسون للإساءة الجنسية: "يمكن أن يبدو هذا مقززاً، ولكن الأمر يشبه الفترة الأولى من المواعدة بين حبيبين. ويزعم جيمس أن جاكسون كان يُحرضه على أمه ويخبره أنَّها لئيمة، وأنَّ النساء شريرات، ليبعده عن أهله ويزيده التصاقاً به.
أما وايد، فيزعم أنَّ الإساءة إليه بدأت في سن أصغر، حين كان فتى في السابعة. أقامت عائلة وايد في Neverland، واستطاع جاكسون بعد فترة إقناع والدة وايد أنَّ تتركه يمكث وحده لمدة خمسة أيام. وقال جاكسون لوايد قبل أنَّ ينخرط معه في عددٍ من ممارسات الجنس الفموي والشرجي: "أنا وأنت جمعنا الرب". وقال لوايد أيضاً إنَّ النساء لا يمكن الوثوق بهن، وحذره من أنَّه إذا أخبر أحداً بما حدث، فسيكون السجن مصيرهما هما الاثنين.
أحد أكثر المشاهد إثارة للهلع هي حين يستذكر جيمس العرس الذي أقامه جاكسون لهما، والذي تُوِّج بخاتم زفاف لا يزال جيمس يحتفظ به وعرضه أمام الكاميرا. ويزعم جيمس أنَّ جاكسون كان يكافئه بالحُلِيّ حين يمارس الجنس معه. ويقول، ويداه ترتعشان وهو يمسك بالمصاغ الذي منحه إياه جاكسون: "ما زلت أجد صعوبة في عدم لوم نفسي".
غير أنَّ هذه النعومة ما لبثت أن بليت، حين بدأ جاكسون يعرض على وايد، الذي كان حينها في السابعة، أفلاماً وصوراً جنسية، في حين بدأ جيمس يتعرَّف على المشروبات الكحولية. خرج الاثنان تدريجياً من حياة جاكسون؛ وحلَّ محلهما أولاد أصغر سناً. يقول جيمس: "لم تعد هذه المكانة الخاصة في حياته". حلَّ ماكولي كارسون كولكين مكان وايد في الفيديو المصوَّر لأغنية Black or White، وعايش وايد وجيمس مشاعر الغيرة والاستياء.
وقبل العرض الأول للفيلم، أنكر كولكين وجود أي تجاوزات في علاقته بجاكسون، وقال: "بالنسبة لي، كانت علاقتي بجاكسون طبيعية وعادية ومملة. أعلم أنَّ الأمر كان كبيراً بالنسبة للآخرين جميعاً؛ ولكنَّه كان صداقة طبيعية جداً".
وفي عام 1993، اتهم جوردان تشاندلر جاكسون علناً بالإساءة الجنسية، مما أدى إلى ظهور الأخير مجدداً في حياة الولدين، بزعم تدريبهما على طريقة الإجابة على أي أسئلة. ولم تلبث القضية أن سوِّيت خارج المحكمة.
يقول جيمس وهو يسرد تفاصيل الأذى الذي ألحقته به الإساءة على المدى الطويل: "الأسرار التي تكتمها تنهشك من الداخل". وقد عانى هو ووايد من الاكتئاب واحتقار الذات والقلق، ووجدا صعوبةً في التعايش مع العلاقات الأسرية. ويضيف جيمس بكآبة في أحد مشاهد الفيلم: "لا أظن أنَّ الزمن سيشفي هذا الجرح؛ إنَّه يزداد سوءاً بمرور الزمن".
الفيلم يكشف تفاصيل مثيرة عن إساءات جاكسون الجنسية
ويتناول الفيلم أيضاً مسؤولية والديّ الطفلين، ويقدِّم والدتيهما وهما تشرحان عملية اتخاذ قرار ترك الطفلين لدى جاكسون. تملَّك الهلع الوالدتين حين شاركتا ابنيهما، بعد البلوغ، قصتيهما؛ ويجد الولدان صعوبة في الغفران. كما ينظر الفيلم أيضاً في التبرير المعقّد الذي قدمته الوالدتان لقرارهما التزام الصمت طوال هذه السنوات، ويشمل ذلك ظهور وايد في محاكمة جاكسون عام 2004-2005 كجزءٍ من شهود الدفاع عن جاكسون وتبرئته من تهمة الإساءة لغافين أرفيزو جنسياً.
وقال وايد، قُرب انتهاء الفيلم: "أريد أن أرفع صوتي بالحقيقة كما رفعته بالكذب"، وبدا مصراً على تعويض السنوات التي أضاعها وهو يكابد هذه التجربة وحده.
ما جعل الجمهور يتفاعل مع الروايات
وبعد انتهاء الفيلم، وقف الحضور الذين كانوا ممتقعي الوجه من هول ما سمعوا، وانفجروا في التصفيق لوايد وجيمس، اللذين وقفا على المسرح، وبدا عليهما التأثر برد فعل الجمهور. سبق أن التقى الرجلان لفترةٍ وجيزة أثناء طفولتهما، ووجدا الدعم لدى بعضهما البعض كطريقة لكسر عزلتهما عن العالم. وذكرا، رداً على المتشككين في دوافعهما، أنَّهما لم يتقاضيا المال نظير المشاركة في الفيلم الوثائقي. وقال وايد، الذي بات في السادسة والثلاثين: "لا يمكننا تغيير ما وقع لنا. والمهم هو ما يمكننا أن نفعله حيال مشاعرنا في الوقت الراهن".
وتلقّى الاثنان تهديداتٍ بالقتل من معجبي جاكسون، الذين غزوا شبكة التواصل الاجتماعي تويتر بمحاولات الخصم من رصيدهما. وقال وايد: "أتفهَّم صعوبة تصديق هذا بالنسبة لمعجبي جاكسون، لأنَّ هذا حدث قبل وقت طويل، كنت في الوضع نفسه حين كنت قريباً من جاكسون. ورغم أنَّ الأمر حدث لي شخصياً، فإنني أجد صعوبة في تصديقه. لم أستطيع أن أصدق أنَّ ما كان جاكسون يفعله أمرٌ سيئ حتى ست سنوات مضت. لذا فأنا أتفهَّم الموقف. لا يمكننا أن نقبل شيئاً ما ونفهمه إلا حين نكون مستعدين لذلك، وربما لا نصبح مستعدين أبداً، وربما نصبح. هذه رحلتهم، عليهم أن يقطعوها بأنفسهم".