بعد مشاهدة فيلم الجزيرة ، الذي يعد أحد أكثر الأفلام مشاهدة في الوطن العربي، نظراً لقصته المشوقة التي تحكي حياة أكبر تاجر مخدرات عرفته مصر، تلاحظ أن المخرج قام بتزوير عدّة أحداث، مبتعداً تماماً عن الوقائع الحقيقية.
بعد مشاهدة فيلم الجزيرة ستعرف الأحداث التي تم تزويرها في قصة عزت الحنفي
80 عربة مدرعة، وما يزيد عن 6000 ضابط وجندي من قوات الأمن الخاصة، و60 قارباً نهرياً، وأسلحة ثقيلة من بينها قذائف "آر بي جي" ومدافع رشاشة ثقيلة.
هاجمت بها قوات الشرطة المصرية خلال عام 2004 قرية جزيرة النخيلة، التابعة لمركز أبو تيج بمحافظة أسيوط.
من أجل القبض على أبناء "علي حنفي"، وعلى رأسهم عزت علي حنفي، المطلوب لتنفيذ أحكام يبلغ مجموعها 156 سنة، بتهمة الاتجار في السلاح والمخدرات.
وقد أسفر هذا الهجوم عن القبض على أسطورة الصعيد عزت حنفي، بعد حصار دام لأسبوع قبل اقتحام الشرطة للقرية.
ألهمت قصة عزت حنفي المخرج المصري شريف عرفة، الذي جسَّد دولة حنفي الإجرامية في صعيد مصر، من خلال فيلم الجزيرة.
وشارك في بطولة العمل الفنان أحمد السقا، ومحمود ياسين، وخالد الصاوي، وهند صبري.
ولكن ما الفرق بين قصة فيلم الجزيرة وبين ما جرى لعزت حنفي في الواقع؟
تنويه: السطور القادمة تتضمن حرقاً لأحداث الفيلم
بنية المجتمع كما جاءت في فيلم الجزيرة تختلف عن شكلها في الواقع
تبدأ أحداث الفيلم خلال عام 1977، ثم تتقدم سريعاً إلى العام 2007، ومن خلال المشاهد الأولى نتعرف على بنية المجتمع في جزيرة النخيلة.
إذ تسيطر 3 عائلات كبيرة على زمام الأمور، وهي عائلة منصور حنفي، وعائلة الرحايم، وعائلة النجايحة.
ويقودهم علي حنفي، والد منصور، الذي يقرر نيابة عن الجميع عملية زراعة الأفيون بالجزيرة وطرق بيعه.
يحدث خلاف بين تلك العائلات حينما يقرر علي حنفي أن ينصب ابنه منصور كبيراً على الجزيرة من بعده.
وهو القرار الذي رأته العائلات الكبرى متحيزاً وغير صائب، الأمر الذي أدى إلى نشوب الخلافات فيما بينهم.
وفيما بعد قرَّرت عائلة النجايحة الانتقام، وقتلت معظم عائلة منصور، بمن فيهم زوجته ووالدته، أثناء عزاء والده علي حنفي.
عائلة علي حنفي كانت تسيطر على جزيرة النخيلة بشكل منفرد
وخلافاً لما جاء في أحداث الفيلم كانت عائلة علي حنفي تسيطر على جزيرة النخيلة بشكل منفرد.
إذ بنى عزت حنفي إمبراطوريته من استقطاب الهاربين من أحكام قضائية في جميع محافظات الصعيد، واستولى على مئات الأفدنة من الفلاحين وزرعها بالأفيون والحشيش والبانجو.
كما كان حنفي يتاجر في السلاح، بداية من المسدسات والبنادق العادية والآلية، إلى المدافع من طراز جيرنوف، التي يبلغ مداها أكثر من سبعة كيلومترات.
الانتقام من النجايحة محض خيال والسلاح زوّده الأمن المصري
وفقاً لأحداث الفيلم فبعد مقتل زوجته ووالدته ورجال عائلته قرر منصور الحفني الانتقام من عائلة النجايحة، وعليه قرر الاستعانة بمطاريد الجبل الهاربين من القانون.
وبسبب صعوبة الحصول على السلاح بسبب انتشار حوادث الإرهاب في الصعيد، سافر منصور إلى السودان لجلب السلاح، وأنزل مطاريد الجبل إلى الجزيرة لمساعدته في الانتقام من عائلة النجايحة.
وهي عائلة وهمية، ولم يكن لعزت حنفي الحقيقي أي خصومة سوى مع عائلة تدعى "أولاد سباق"، بحسب تصريحات الشقيق ممدوح حنفي للصحافة المصرية.
كما صرح ممدوح أن الفيلم أظهر نشاط زراعة المخدرات في أرض الجزيرة المملوكة لعائلته، والذي كان أحد أسباب تصفية عزت حنفي منصور، وهو غير حقيقي، ولم يزرع أولاد حنفي الحقيقيون الأفيون.
التعاون مع الشرطة وتزوير الانتخابات
نقطة الالتقاء الرئيسية بين الفيلم والواقع هي مسألة التعاون مع جهاز الشرطة المصري، وإن كان الفيلم لم يذكر تفاصيل ذلك التعاون.
فوفقاً لحوار ممدوح حنفي، الشقيق الأكبر لعزت حنفي مع جريدة اليوم السابع المصرية، فقد بدأ التعاون بين عائلة حنفي والشرطة منذ عام 1994، وهي الفترة التي كانت تشهد حرباً عنيفة للداخلية ضد الإرهاب.
وحسب رواية حنفي فقد استدعاهم اللواء نصار زاهر، مساعد وزير الداخلية للأمن العام إلى مكتبه، بمقر الإدارة في مجمع التحرير.
وطلب منهم مساعدته في القضاء على الإرهابيين الذين اتخذوا زراعات القصب والجبال مخبئاً لهم.
وفي اتصاله الهاتفي مع قناة الجزيرة أثناء حصار الشرطة للجزيرة، ذكر عزت حنفي أنه تعاون مع الشرطة في حربها ضد الإرهاب خلال التسعينات، التي شهدت نشاطاً كبيراً للجماعات الإسلامية في أسيوط.
وأضاف حنفي أنه قتل أعداداً كبيرة من الإرهابيين، بناء على تكليف من أجهزة الشرطة، كما أن الأجهزة الأمنية استخدمته أيضاً في تزوير الانتخابات لصالح الحزب الوطني، وفي التنكيل بخصوم الحزب.
وبالنسبة للسلاح فقد حصلت عليه عائلة حنفي من مباحث أمن الدولة، وفقاً لتصريحات عزت حنفي.
كما ذكر ممدوح حنفي أن جميع السلاح المستخدم في عمليات تصفية الإرهابيين كان سلاحاً وذخيرة ميري، وكان يُسلم من مديرية أمن أسيوط، كما تسلمت العائلة أجهزة لاسلكية من أجل الاتصال بالقيادات.
حادثة إيقاف قطار الصعيد: حنفي الحقيقي لم يقل جملته الشهيرة
طبقاً للفيلم، ورغبةً في إنقاذ حبيبته، أوقف قطار الصعيد المسافر إلى الإسكندرية تحت تهديد السلاح.
وهي الحادثة التي قلبت مديرية أمن القاهرة رأساً على عقب، إذ علمت الأجهزة الأمنية حينها أنها ربّت وحشاً خطيراً، ربما تفقد السيطرة عليه.
ولهذا أرسلت قوات الأمن فريقاً متخصصاً لمراقبة منصور الحفني.
خلافاً لما جاء في أحداث الفيلم لم يكن عزت حنفي على علاقة بفتاة تُدعى كريمة أو غيرها، وقصة الحب التي جاءت في الفيلم كانت من قبيل المعالجة الدرامية.
ولكن عزت حنفي قام بالفعل بإيقاف قطار الصعيد القادم من أسوان إلى القاهرة، وذلك رداً على أجهزة الشرطة التي ألقت القبض على أحد رجاله.
حينها علمت الشرطة أن حنفي تجاوز حدوده بشكل كبير، وقررت القضاء عليه.
ووفقاً لأحداث الفيلم فقد زرع الضابط طارق أجهزة تجسس في منزل منصور، الذي كان على علم بكل مخططات الشرطة.
وبعد أن ضاق ذرعاً بالتضييقات الأمنية قرر مواجهة الشرطة، وقال جملته الشهيرة " من النهاردة مفيش حكومة.. أنا الحكومة".
لتقرر بعدها مباشرة أجهزة الأمن اقتحام الجزيرة والقضاء نهائياً على منصور الحفني.
وهو جزء خيالي ليست له أي أصل بتاريخ صراع الشرطة مع عزت حنفي الحقيقي، طبقاً لتصريحات شقيقه ممدوح، الذي قال أيضاً إن معظم ما جاء في الفيلم ليس حقيقياً.
نهاية أسطورة إمبراطور النخيلة في الفيلم
في الفيلم، وبعد أن قال منصور الحفني جملته الشهيرة صدر قرار من وزير الداخلية باقتحام الجزيرة، والقضاء على منصور الحفني.
وبالفعل تحركت قوات الأمن الخاصة مع عربات مدرعة وعدد كبير من الجنود من أجل اقتحام الجزيرة.
ولكن فوجئت القوات بأن الحفني لديه رهائن، هدد بقتلهم في حال اقتحمت الشرطة، ولكن قوات الأمن نجحت في تحرير الرهائن وألقي القبض على منصور الحفني.
بعد أن أقنعته كريمة بالاستسلام حتى لا يموت، ولكنه استطاع الهروب أثناء المحاكمة.
نهاية أسطورة إمبراطور النخيلة في الحقيقة
واقعياً كان اقتحام الجزيرة مختلفاً بشكل جذري عما جاء في أحداث الفيلم، فبداية حاصرت قوات الشرطة الجزيرة لمدة أسبوع قبل اقتحامها.
وفي الأول من مارس/آذار 2004، داهمت الشرطة الجزيرة مستعينة بالكثير من السيارات المدرعة والجنود.
أما الجزيرة فقد حصنها عزت حنفي من الداخل بعدة أشكال؛ إذ بنى الأبراج التي امتدت لخمسة طوابق، والدشم الحصينة المبنية من الطوب اللبن، التي لا يمكن للرصاص اختراقها.
كما حفر عدة خنادق تحت الأرض، حتى يطلق الرصاص على رجال الشرطة في حال المهاجمة.
كان حنفي يملك كمية هائلة من السلاح والذخائر، وزيادة في عملية التحصين نصبت عائلة حنفي أسطوانات غاز البوتاجاز على الأسوار وعلى جذوع النخل، من أجل تفجيرها على قوات الأمن.
كما وضعوا كمية هائلة من الأسلاك الشائكة والعوائق الصناعية في نهر النيل، حتى لا تتمكن زوارق الشرطة من محاصرتهم.
وعلى الرغم من كل تلك التحصينات استطاعت الشرطة اقتحام الجزيرة، وحرَّرت الرهائن، وألقت القبض على عزت حنفي، الذي تناول سم الفئران عقب انهيار إمبراطوريته أمام عينيه.
إعدام عزت حنفي
نُقل حنفي إلى المستشفى الجامعي بأسيوط من أجل العلاج، وفُرضت عليه حراسة مشددة، ومُنع من التحدث إلى وسائل الإعلام.
وبعد تعافيه نُقل إلى سجن الاستئناف، ولكنه أضرب عن الطعام، وأحدث الكثير من الشغب داخل السجن، حتى نُقل إلى سجن برج العرب.
وفي الساعة السادسة من صباح يوم 18 يونيو/حزيران 2006، أُعدم عزت حنفي وشقيقه حمدان في سجن برج العرب بالإسكندرية.
ودُفنا في مسقط رأسهما بجزيرة النخيلة، وسط حراسة أمنية مشددة.
وفي حوار أجراه حسين قرني، الشهير بعشماوي، ذكر أن حنفي طلب منه قبل تنفيذ حكم الإعدام أن يردّ كل الأراضي التي أخذها عنوة من الفلاحين إلى أصحابها.
الجزء الثاني من فيلم الجزيرة: خيال المؤلف الخصب يُكمل الأحداث من دون بطل القصة الحقيقي
وفقاً لأحداث الجزء الثاني من فيلم الجزيرة فقد استطاع منصور الحفني الهروب من قبضة الشرطة عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، في عملية اقتحام السجون.
واستطاع العودة إلى الجزيرة برفقة ولده الوحيد علي، الذي كان يسكن في الإسكندرية.
ولأن جميع رجاله ماتوا في عملية فتح السجون فلم يجد الحفني بداً من التعاون مع الإسلاميين الرحالة، الذين استغلوا ضعف الحفني ونزلوا إلى أرض الجزيرة.
ولكنهم سيطروا عليها في النهاية وطردوا الأهالي، وعليه تعاون منصور مع الشرطة للمرة الثانية من أجل القضاء على الإسلاميين.
والحقيقة أن جميع أحداث هذا الجزء من الفيلم من وحي خيال المؤلف، ولا أساس لها من الصحة.
وقد أعلن المؤلف محمد دياب في عام 2014 عن نيته تقديم جزء ثالث من فيلم الجزيرة، تتناول الإطار الزمني قبل أحداث 30 يونيو/حزيران 2013.
وقال عبر صفحته على الفيسبوك "عامة قصة الجزيرة لسه منتهتش ولما يجي الوقت عشان نتكلم عن الأحداث اللي بعد الزمن اللي انتهى عندها الفيلم، هنتناوله بالمناسب ليه".