تستطيع مؤدية العروض الكوميدية ميسون زايد أن تضحكك وتبكيك في اللحظة نفسها! لا تريد الشفقة من أحد، فما أنجزته في حياتها عجز عنه الملايين، ولكنها تهدف فقط إلى تغيير الصورة النمطية عن كل ما تمثله شخصياً من أقليات.
تمزح ميسون في أحد عروضها، قائلةً إنَّه لو كانت هناك منافسة تسمى أولمبياد الاضطهاد، كانت ستربح فيها الميدالية الذهبية.
"فلسطينية، ومسلمة، وامرأة ملونة، ومصابة بإعاقة"
ميسون، المصابة بشلل دماغي، تعرف نفسها للجمهور كما يلي: "أنا فلسطينية، ومسلمة، وامرأة ملونة، ومصابة بإعاقة"، قبل أن تتوقف برهةً لتمسك رأسها وشعرها الأسود الطويل الذي يغطي وجهها، وتضيف: "وأعيش في نيوجيرسي".
تملأ المزحة الأجواء بالضحك، سواء قالتها ميسون في الولايات الديمقراطية أو الجمهورية، وتجعل الناس تماماً كما تريدهم ميسون: معجبون، ومأخوذون، ومتعطشون إلى المزيد.
إنها مؤدية العروض الكوميدية ميسون زايد
قالت هذه المزحة في بداية حديثها على منصة حدث تابع لمنظمة TED عام 2014، وهو الحديث الذي حقق ما يقرب من 15 مليون مشاهدة.
تمكن حديثها من أن يصبح أكثر محادثات TED مشاهدةً هذا العام (2018)، ليغيّر حياة ميسون.
لديها الآن اتفاق مع قناة ABC لإنتاج مسلسل كوميدي شبيه بالسير الذاتية عنوانه Can-Can، تؤدي ميسون فيه دور البطولة.
وCan-Can تعبير استخدمه والدها في صغرها ليحثّها على تخطي إعاقتها، قائلاً: "لو استطاع الآخرون فعل ذلك، فأنت أيضاً تستطيعين".
جملة تشير إليها ميسون أكثر من مرة، في عرضها الذي أطلقها لعالَم الشهرة.
تغلبت على كل ظروفها وهي في طريقها لتحضير مسلسل خاص بها
يواجه المسلسل عقباتٍ كبيرة، فعدد محدود فقط من النصوص التي تمولها الشبكات كل خريف يُذاع في النهاية.
لكن لو نجح مسلسل Can-Can في الوصول لشاشة التلفاز، قالت ميسون للمسؤولين التنفيذيين في الاستوديو، إنَّه قد ينتهي بها الأمر في معسكر احتجاز إذا لم ينجح.
فعلى الأرجح، سيدفع بمجموعتين من الناس المهمشين إلى دائرة الضوء؛ إحداهما تتعرض للتجاهل تماماً، والأخرى تتعرض للشيطنة.
تمثل الأقلية المسلمة وأصحاب الإعاقات الجسدية
يشكل ذوو الإعاقة 20% تقريباً من السكان، وفق مكتب الإحصاءات الأميركية Unites States Census Bureau.
لكنَّهم يمثلون 2% فقط من الشخصيات التلفزيونية، التي يؤدي 95% من أدوارها نجوم أصحاء.
أما المسلمون والشرق أوسطيون فهم أكثر مجموعات تتعرض للتشهير في الولايات المتحدة، وقالت عنهم جوانا قريشي، شريكة ميسون في كتابة سيناريو المسلسل، إنَّ الأميركيين "يرونهم إما إرهابيين وإما مثيرين جنسياً مثل آل كارديشيان".
تتعامل مع منتج مسلسل Will & Grace لتروي قصتها
يتضمن طاقم المنتجين التنفيذيين لمسلسل Can-Can المنتج تيد ميلنر والممثل الكوميدي شون هايز، الذي يؤدي دور جاك في مسلسل Will & Grace.
ويُنسب إلى هايز فضل المساعدة في القضاء على تهميش المثليين من حلال مسلسل Will&Grace.
ميلنر وهايز واعيان بالكامل للأفكار الجديدة التي يروج لها مسلسل Can-Can، لكنَّهما قالا إنَّ هذا ليس ما أقنعهما بميسون.
عندما قابلاها، ملأت طاقتها الغرفة، وكانت واعيةً بنفسها، وذكية للغاية، ومرحة بشكل لا يصدَّق.
والأهم أنَّ لديها قصة فريدة. وقال ميلنر: "يتجه السوق بأكمله أكثر تجاه القصص الحقيقية التي لا تُعرض على التلفاز الآن".
ويأمل المنتجون أن تحطم ميسون زايد الصور النمطية
ميسون هي جزء صاخب من حركة صغيرة مكرسة للفت الانتباه إلى حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في مجال الترفيه، وهي الحقوق التي يجري تجاهلها باستمرار فيما يسمونه المحادثات عن التنوع.
وقال جاي رودرمان، رئيس مؤسسة Ruderman Family، وهي منظمة حقوقية خيرية لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (وتعمل أيضاً في توثيق الروابط بين الأميركيين اليهود وإسرائيل)، إنَّ مسلسل ميسون يمكن أن يحطم الوصم الذي يواجهه ذوو الاحتياجات الخاصة باستمرار.
وقال رودرمان: "يتحقق التقدم ببطء، لكنَّ المسلسلات يمكن أن تحقق تقدماً جذرياً".
دورها على الشاشة يشبه حقيقتها إلى حد بعيد
ستشبه الشخصية الرئيسية في مسلسل Can-Can ميسون كثيراً، إذ ستكون امرأة مسلمة معاقة نشأت في نيوجيرسي بشعرٍ طويل، وترتدي قمصان فرقة ميتاليكا، وتختبر الحب والصداقات والعالم.
وقالت ميسون: "أريد أن أخرج للعالم وأظهر بصورة الأميركية التي لا ترونها أميركية، والمسلمة التي لا ترونها حين تفكرون في المسلمين".
زوجها لاجئ فلسطيني طباخ وقع في حبها
تعيش ميسون في شقة مشرقة مليئة بالنباتات في كليفسايد بارك بولاية نيوجيرسي مع زوجها وقطهما.
تحب أن تُبقي اسم زوجها مخفياً، وتشير إليه علناً باسم "شيفيوجي-Chefugee"، وهي كلمة كونتها ميسون من كلمتي Chef أي "طاهي"، وRefugee أي "لاجئ"؛ لأنَّه في الواقع لاجئ وطباخ بالفعل.
تقابلا حين كانت تعمل مع اللاجئين في الأراضي الفلسطينية.
أصلها من رام الله وسبب شللها خطأ طبيب ولادتها
ربَّى والدا ميسون عائلتهما هنا، وتعود أصولهما إلى قرية خارج رام الله في فلسطين.
ميسون هي الصغرى بين 4 بنات، وحظيت بطفولةٍ مثالية رغم مولدها المأساوي.
إذ قالت إنَّ الطبيب أخطأ في أثناء ولادتها قيصرياً؛ ما تسبب في خنقها. والشلل الدماغي ليس وراثياً، ويحدث غالباً نتيجة صدمة دماغية قبل الولادة أو في أثنائها، ويظهر بشكلٍ مختلف لدى كل شخص مصاب.
تغلبت على الشلل بالرقص واليوغا وبإصرار والدها
ترتجف ميسون طوال الوقت، رغم أنَّ اليوغا خففت حدة الارتجاف، وهي تستطيع المشي، لكنَّها تعجز عن الوقوف وقتاً طويلاً. (لذا تغير وضعها بين الجلوس والوقوف كثيراً في أثناء العروض)
عاملها والداها تماماً كأخواتها، وعلّمها والدها، موظف المبيعات الودود، السير بجعلها تقف على أقدامه.
وأُرسلت إلى دروس الرقص والبيانو لأنَّ الأسرة لم تستطع تحمُّل تكلفة العلاج الجسدي أو المهني، وأصبحت معروفةً بتفوقها فيما تتعلمه.
وقالت لصحيفة The New York Times الأميركية: "عشتُ في فقاعة. وهذا جعلني الشخص الذي أنا عليه الآن".
وفي الجامعة حاولت اللحاق بأحلامها الفنية
في الجامعة، انفجرت فقاعتها. التحقت بجامعة ولاية أريزونا في منحة أكاديمية، وفي يومها الأول بصف الأدب الإنكليزي، صعقها أستاذها بسؤال: "هل يمكنك القراءة؟".
تخصصت بالمسرح، إذ كان حلم حياتها دوماً أن تظهر في مسلسلGeneral Hospital، لكن رغم إبهارها لمعلميها، لم تُختَر قَط للتمثيل في مسرحيات الجامعة.
حتى حين أعلن قسم المسرح عن مسرحيةٍ عن فتاة مصابة بشللٍ دماغي، اختِيرت طالبة معافاة بدلاً من ميسون لأداء الدور.
وقالت ميسون: "كان الأمر مدمِّراً، لأنِّي علمتُ أنَّني جيدة. كانت الفتاة التي حصلت على الدور ممثلةً عظيمة. لكن لِمَ يريد أي شخص رؤيتها وهي تتظاهر بالشلل الدماغي في حين أنا جالسة هنا؟!".
لكنها اكتشفت أنها لن تنجح إلا إذا أدت عرضاً خاصاً بها
كانت لحظةً فارقة، وأدركت أنَّ الأفلام التي تضمنت شخصياتٍ مصابة بإعاقات وكانت تحبها مثل Born on the Fourth of July، وwhat's Eating Gilbert Grape، وRain Man، أدى أدوار الشخصيات فيها كلها ممثلون أصحاء.
وبعد التخرج، سعت للعمل بالتمثيل، إلى أن أخبرها مدرب تمثيل صراحةً، بأنَّها لن تنجح أبداً في الفوز بأي دور، وأنَّها يجب أن تؤدي عرضاً وحدها.
فاتجهت للكوميديا، ووصلت إلى آدم ساندلر ومحمد علي كلاي
ولهذا، اتجهت ميسون لدراسة الكوميديا، وبدأت بالمشاركة في العروض، وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، بدأت مهرجان نيويورك الكوميدي العربي الأميركي مع دين عبيد الله، الذي قال عنها: "أبسط طريقة لوصف ميسون هي أنَّها لا تعرف الخوف".
وشاركت في جولة مع برنامج العروض الكوميدية Arabs Gone Wild، وأدت دوراً في فيلم You Don't Mess with the Zohan لآدم ساندلر.
كما أصبحت مُعلِّقةً سياسية في برنامج Countdown with Keith Olbermann، ما أثبت جدارتها.
ظهورها الإعلامي جعلها موضع سخرية على الإنترنت
كانت ميسون تظن دائماً أنَّ بعض الأصحاء يتجنبون الاقتراب من ذوي الاحتياجات الخاصة بدافع الخوف.
وقالت: "كل ما يفصل بينهم وبين الإعاقة هو انفجار في أحد الأوعية الدموية مثلاً أو حادث سيارة".
لكنَّ ظهورها مع كيث أولبيرمان جعلها تتلقى تعليقات مفعمة بالكراهية، دعتها بـ"الإرهابية صاحبة الفم الملتوي" و"جريمة الشرف التي لم تنجح"، حسب قولها.
كانت هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها ميسون للسخرية بسبب إعاقتها، وجعلها هذا تدرك فجأةً العنف الذي يواجهه المعاقون باستمرار.
فقررت أن تردَّ الصاع صاعين ليصعق نجاحها كل المتنمرين
بعد أن انتشر خطاب ميسون في TED، أصبحت واحدةً من أكثر المتحدثين ظهوراً في وكالة المواهب الضخمة WME، واستخدمت منصتها الأوسع لطرح تساؤلاتٍ مهمة:
- لمَ لا يشارك المعاقون في تقديم الأخبار واستضافة البرامج الحوارية؟
- لماذا يغيب الممثلون من ذوي الاحتياجات الخاصة عن التلفاز، فيما عدا مسلسلاتٍ محدودة، منها: Switched at Birth، وBreaking Bad، وAmerican Horror Story، وSpeechless؟
- ولماذا من المقبول بالنسبة للنجوم الأصحاء أن يؤدوا دور الشخصيات ذات الاحتياجات الخاصة (وهي ممارسة تسمى CripFace) ويفوزوا بجوائز ضخمة؟
وقالت ميسون إنَّه بينما يلقى أداء ممثلين أصحاء، مثل واكين فينيكس كرسامٍ قعيد أو إيدي ريدماين في دور ستيفن هوكينغ، إشادةً وقبولاً واسعاً دون جدال، إلا أنَّه بالنسبة للعديد من المعاقين كان تمثيلهم كرتونياً، ومبالغاً فيه، ومسيئاً، وغير صادق.
ذكية شقية وصاحبة رسالة
وتضيف: "يمكنك أن تضع مساحيق التجميل لتبدو آسيوياً أو لاتينياً أو أسود، لكنَّ السود، والآسيويين واللاتينيين سيعرفون أنَّك لست كذلك.
وحين يشاهد ذوو الإعاقات إعاقاتهم تُقلد برداءة سيعرفون أيضاً أنَّها ليست حقيقية".
أو كما قالت على المسرح: "إذا لم يكن باستطاعة شخصٍ مُقعَد تأدية دور بيونسيه، فبيونسيه لا يمكنها تأدية دور شخصٍ مُقعَد".
تجول بها حول أميركا والعالم
ستكتشف ميسون في يناير/كانون الثاني 2019 ما إذا كان مسلسلها سيُذاع أم لا. وهي في الوقت الحالي تتجول حول العالم.
في السنوات الأخيرة، تضمنت عروضها أداءً في قمة the Team Beachbody Coach Summit بمدينة ناشفيل، وهو تجمع لأصدقاء الرياضة، وافتتاحية للمغني الأميركي بيتبول في لاس فيغاس.
وتؤدي عروضها الكوميدية أيضاً بكلتا اللغتين، العربية والإنكليزية، في دولة الإمارات. (وقالت: "لقد أحبوني هناك").
وتقول: "لستُ ملهمة لأني لا أنتحب حول إعاقتي، ولكن لأني جعلتك تضحك"
وفي كل مرة، تنتقد ميسون الناس لاستخدامهم كلمة معينة رهيبة، وتقول: "إذا كنتَ تظن أنَّني ملهمة لأنِّي أذهب وأؤدي عروضاً كوميدية في قلب العالم العربي غير محجبة ودون رقابة، سأقبل ذلك. أما إذا كنت تظن أنَّني ملهمة لأنِّي أستيقظ في الصباح ولا أنتحب حول حقيقة أنَّني معاقة، فهذا ليس إلهاماً. كأنِّي أجعلك تشعر بالرضا عن نفسك لأنَّك لستَ مثلي. أريدك أن تشعر بمشاعر أفضل تجاه نفسك لأنَّني جعلتك تضحك".