يعد فيلم Birdman أحد أفضل أفلام الكوميديا السوداء التي أنتجتها هوليوود، من إخراج أليخاندرو جونزاليز إيناريتو، وبطولة مايكل كيتون وإيما ستون وإدوارد نورتون.
يقول المخرج السوريالي الإسباني لويس بونويل، إنّ "الذاكرة تجتاحها باستمرارٍ التصورات والأحلام، ولأن هناك إغواء ما لتصديق الحقيقة المُتصورة، فإننا نصنع حقيقة من أكذوبتنا".
لطالما اختلط الواقع بالخيال، وأشدُّ الدروس واقعيةً قد تتعلمها من فيلم بطل أسطوري، وقد تتذكَّر يوماً سعيداً على أنه كان حلماً.
في فيلم الرجل الطائر أو بيردمان (2014)، تختلط الحقيقة بالخيال، وتختلط الأفكار الفلسفية بالدراما والأكشن، ويجعلك تشعر بخليطٍ من مشاعر الإثارة والضحك والأسى والحماسة واليأس.
في الحقيقة، هو فيلم صعب على التصنيف، لكنه بالتأكيد من أفضل الأفلام التي قد تشاهدها في حياتك، وإذا كنت مهتماً بفكرة الفن فإن الفيلم سوف يعني لك الكثير.
بِمَ يتفرّد فيلم Birdman؟
أشاد النقاد بحفاوةٍ بهذا الفيلم، واعتُبر من أهم أفلام عام 2014، وأهم الأفلام الفانتازية بشكل عام، وترشَّح لـ9 جوائز أوسكار، ونال جائزة أفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو وأفضل تصوير، وأفضل ممثل وممثل مساعد.
كما رُشح لــ7 جوائز غولدن غلوب، منها أفضل فيلم، وأفضل مخرج، وفاز البطل بجائزة أفضل ممثل، ونال الفيلم جائزة أفضل سيناريو.
وقال عنه النقاد إن كل الممثلين كانوا في أفضل حالاتهم، وبلغت إيرادات الفيلم عالمياً 103.2 مليون دولار.
مشاهد واقعية غريبة وفانتازية!
يُفتتح فيلم "الرجل الطائر" للمخرج المكسيكي بمشهدٍ مذهل لريجان (مايكل كيتون) يجلس مثبَّتاً في الهواء، سنعرف لاحقاً أنه ممثل، قام ببطولة عدة أجزاء من فيلم "الرجل الطائر".
توارت عنه أضواء الشهرة ويريد أن يستعيدها كممثل ومخرج وكاتب، على مسرح برودواي بمسرحية عن قصة لريموند كارفر، بعنوان "ماذا نقصد حين نتحدث عن الحب؟"، التي قيل عنها إنها من أفضل القصص القصيرة على مر العصور، وذلك نوع من أنواع العرفان؛ لأن كارفر نفسه أرسل رسالة على مِنديل منذ سنوات، إلى ريجان في صغره، يخبره فيها بأن أداءه كان رائعاً في أحد عروضه.
لعبة الحقيقة والخيال كانت دائرة طوال الوقت، فقد استخدم كيتون في الفيلم طوال الوقت أسماء أفلام ممثلين حقيقيين مثل: وودي هارلسون، ورايان جوسلنج، ومايكل فاسبندر، ليُشعرونا بأنهم ينتمون إلى عالمنا نفسه.
يقوم ببطولة المسرحية (المسرحية داخل الفيلم) مع ريجان، مايك (إدوارد نورتمان)، وهما في شدٍ وجذبٍ وصراعاتٍ لا تنتهي.
ريجان ليس شخصاً أسطورياً، ولكنه ليس شخصاً عادياً أيضاً، له القدرة على تحريك الأشياء الساكنة بقوة غامضة، فتستجيب الأشياء الجامدة له بإشارة منه، والرجل الطائر يعيش في رأسه، مثّل ريجان قصة الرجل الطائر ذي القدرات الخارقة، ليصبح هو أيضاً ذا قدرات خارقة.
المشاهد الأولى ستُشعرك بأنك بصدد مشاهدة فيلم فانتازي، لكن هذه الغرائبية استخدمها أليخاندرو ليعبّر عن واقع شديد القسوة عن مجتمع استهلاكي يقيّم الفن بشبّاك التذاكر.\
يحكي عن كل شيء!
هذا الفيلم واحد من أفضل الأفلام التي قد تشاهدها في حياتك، فهو عن كل شيء، يدور بشكل سخرية مبطنة على الواقع، قد لا يدرك البعض بأنها سخرية أصلاً.
يطرح أسئلة يسألها كل مهتم بالفن، هل سيهتم الجمهور بالحوارات الفلسفية والدراما الاجتماعية؟ أم أنه يهتم بالإثارة والعنف؟
كما يدور الفيلم حول سؤال "الوجود"، وهو السؤال الذي يطرحه ريجان في المشهد الأخير بالمسرحية التي يقوم بتمثيلها: "هل أنا موجودٌ حقاً؟"، وما هي حدود الحقيقة والخيال؟
يطرح أسئلة عن النقد الفني وأهميته في رفع الأعمال الفنية أو خسف الأرض بها، فقد تكتب ناقدة فنية لم تشاهد المسرحية نقداً سيئاً عنها لأنها لا تحب الكاتب، وعن العلاقات الإنسانية.
ومن خلال علاقة إيما ستون، التي لعبت أحد أفضل أدوارها، ومن خلال سام، الابنة الساخطة على أبيها كيتون، وعلاقتها المتأزمة به والتي تعمل معه في الوقت نفسه في المسرح.
أزمة ريجان تدور حول شعوره بأنه غير موجود في هذا العالم، الذي يعتبرك مجرد حساب على فيسبوك، فريجان لا يحب المدونات ولا تويتر ولا فيسبوك، كما تقول له ابنته سام: "أنت حتى لا تمتلك صفحة للمعجبين على فيسبوك، أنت غير موجود".
كل هذه الأحداث تدور بشكل كوميدي، ولكنَّها كوميديا قاتمة، وغير معتادة.
بيردمان هو عَينٌ على هوليوود الآن، القيمة الفنية مقابل القيمة التجارية، هل يبيع الكاتب نفسه ويكتب ما يحبه الجمهور مقابل حفنة لايكات على فيسبوك؟ ويمثِّل لما يمليه عليه الرجل الطائر الجاثم فوق كتفيه، ولكنه أيضاً يرغب في النجاح؛ لأنه لا أحد يحب الفشل، لكن ما معنى النجاح في الأساس؟
التصوير والمؤثرات الصوتية وعين الطائر
أهم عناصر الفيلم التصوير والتكوينات البصرية؛ إذ تدور أغلب أحداثه بين المسرح، وكواليسه، والسماء.
ميّز الفيلم مشاهد تحليق ريجان في سماء المدينة، كأنه طائر -وهذا هو الجانب الفانتازي والساحر من الفيلم- ليتنفس الهواء، الذي لم يعرفه في المسرح المختنق، والتي نفّذها المصور السينمائي المكسيكي إيمانويل لوبزكي، الذي ترشح لـ8 جوائز أوسكار، وحصل على أوسكار لـ3 سنوات على التوالي.
يبدو الفيلم كله كأنه مشهدٌ واحد طويل، يلعب إيمانويل المصور الذكي بالضوء والفراغ، وتحافظ الموسيقى التصويرية للمكسيكي أنطونيو سانشيز على الإيقاع المشوّق طوال الفيلم.
هل يكون الفنان عبداً للشهرة.. "النهاية"؟
في أحد المشاهد يخبر ريجان ابنته سام بأنه يريد أن يعمَل شيئاً مهماً، فهو لا يعبأ بطموح الشهرة الفيروسية مثل رفاقها؛ لأنّ هذا عمله وهذه وظيفته، "أريد أن أصنع شيئاً له معنى!"، لكنها تخبره بأن كلّ ما يفعله غير مهم.
في حين يفكّر ريجان في مسرحيته الفلسفية، يحدّثه الخائن الذي برأسه، أو الرجل الطائر بأنّ الناس متعطّشة للعنف والأعمال الصاخبة.
فهم يحبون الدماء لأنها تثيرهم، ولا يحبون الكلام الفلسفيّ الكثير، وهو ما يترجمه ريجان في آخر الفيلم باستخدام مسدسٍ حقيقيّ ليصوّبه نحو أنفه.
وهو ما يجعل الدماء الحقيقية تنفجر في وجه الجمهور، حينها فقط أشادت الصحف بريجان بعدما احتفى الجمهور بالعرض احتفاءً بالغاً، الجمهور المتعّطش للدماء.