شاعر وفيلسوف وصحفي ومغني راب، هذا هو باختصار عمل مغني الراب البريطاني "أكالا". بنقده اللاذع ومهاراته اللغوية، تحولت أغانيه لأنشودات حراك سياسي أكثر من مجرد مغني راب آخر يتحدث عن مآسي ذوي البشرة الداكنة.
"ماذا يعني أن تكون بريطانيّاً؟
عدة عوامل يمكن أن تعرّف القيم البريطانية: ونستون تشرشل، العائلة المالكة، الإمبراطورية، الأرستقراطية والبشرة البيضاء.
لكن، هناك بعض الأصوات التي تنادي بمواجهة هذه التقاليد المدفونة تحت السطح. لا تناسب هذه الدعوات رسالة النخبة التي تعتقد أنها مسؤولة عن كل ما هو جيد في المجتمع. لذا يدرّسوننا الدراما عن الملوك، لا المجازر التي ارتكبوها".
هذا هو الإعلان الترويجي لجولته التي ينوي القيام بها في جامعات بريطانية خطيباً ومغنياً.
فمن هو أكالا؟ وما هي رسالته؟
تزايدت مؤخراً شعبية "أكالا" باعتباره أحد أبرز مَن يملكون مهارات التفكير الناقد ببريطانيا، بعد أن خاض في الحديث بجميع الأمور تقريباً.
بدءاً من حريق برج غرينفيل وزعيم المعارضة جيريمي كوربين، وصولاً إلى المدى الكامل لتاريخ الإنسانية، في قصيدته الرائعة التي أُذيعت بالتلفاز والتي تحمل عنوان "أطلال الإمبراطوريات The Ruins of Empires".
يتحدث في هذه القصيدة عن المجازر والدمار الذي تسببت فيه الطبقات الحاكمة بشعوب الأرض المنتشرة؛ من فيتنام مروراً بالعراق إلى إفريقيا وحتى اكتشاف الأميركيتين وتورط البريطانيين والفرنسيين في مجازر السكان الأصليين.
صحيفة The Guardian قدمت نقداً فنياً ثقافياً وسياسياً في عمل الفنان الفيلسوف، وهي الصحيفة ذات الميول الليبرالية والداعمة لحقوق العمال.
يقول الناقد يامي أبياد، "إذا ما أضفنا الخلفية الموسيقية إلى المقاطع التي يجري تشغيلها وعازف الطبلة المُرافق للعرض، يصبح أكالا أقرب إلى خطيبٍ مدافع عن الحقوق المدنية. وما يُقدِّمه من عروضٍ فعالة وأغاني راب مفعمة بكلمات قوية، يُضاف إليها اتزانه المعهود، أمرٌ يستوعبه ويقدّره جمهوره".
يبدأ بانتقاد "الإعلام الغربي المتحيز"
هذا التدقيق الشامل في جميع الأمور يتضح من بداية عرضه، الذي بيعت جميع تذاكره. يستهلّه بمقطع فيديو ينتقد الإعلام الغربي؛ لترويجه صورة سلبية عن ذوي البشرة السمراء على مر التاريخ.
ويتأرجح تفاعل الجمهور معه حين يتناول أعمال الجنرال والفيلسوف الصيني سون تزو صاحب العبقرية العسكرية، بمساعدة فرقة The Afrikan Revolution الموسيقية. ثم يحصل على تقدير كبير لبراعته في ليّ عنق الكلمات.
أغنياته تحولت لأناشيد وحراك سياسي
ولأمسية أكالا نقاط ذورة، تبدأ من الأغنيتين البارزتين Roll Wid Us وXXL، وحتى إسدال الستار بأغنية Find No Enemy، وجميعها تتفوق على نفسها، وهي بمثابة فقرات لا تتعثر مع استمرار عرض البرنامج.
ويبدو أكالا كأنه يجد قوة لا نهائية في رفض عنف العصابات، والنظر في الظلم التاريخي لذوي البشرة السمراء، وسبر أغوار فلسفة الزعماء من ذوي البشرة السمراء، مثل مالكوم إكس وماركوس غارفي. ويعزز سلوكه الهادئ من قوة الكلمات ويُهدِّئ الأعصاب في ظل الطبيعة القاسية للموضوع الذي يتناوله.
وبصرياته تغرق الجمهور بصمت يملأه الفكر
تتزايد بوضوح، رسالة أكالا التثقيفية بشؤون العالم. وتضفي العروض البصرية الكاريكاتيرية، ومخاطباته الجانبية المرتجلة مع نفسه على المسرح، حيوية على أغنياته، التي تتناول وصول المرء إلى سبيله في الحياة بعد أن يضل في غياهبها.
وهناك شعورٌ أصيلٌ بأنَّه يحاول استخلاص معنى من المظاهر التي يعج بها العالم في أثناء حديثه؛ وهو ما يدفع الجمهور إلى أن يغرق في صمتٍ يملؤه الفكر.
ويخصص أهم جزء في الحلقة لعرض Visions، وهي سلسلة رسوم تستعرض تاريخ ذوي البشرة السمراء، منذ عصر ما قبل الحضارة وحتى اليوم، والتي تزيد من وطأة قرع الطبول الذي يظل موجوداً في الخلفية طوال الأمسية.
وكلماته ترفض الثقافة الأميركية المستوردة
تطول أغنياته حتى الثقافة الأميركية التي تورّدها إلى بريطانيا من خلال الوجبات السريعة ذات الحجم الكبير XXL.
يصور هذه الدعوة إلى تكبير الوجبة وكأنها دعوة إلى الأكل كخنزير ومضاعفة الدهون والأمراض، وينتقل بها إلى مرحلة حقه برفض هذه الدعوات وفرض الثقافة من باب المعدة.
ويميز أكالا نفسه عن فناني الراب الآخرين المعاصرين له بنوادر تتعلق باكتشاف حدوده وتحثُّ الحضور على القيام بالشيء نفسه. ويعد تلويحه المتحمس بيده دليلاً على أنَّ عمله يتوهج كشعلة الأولمبياد.