قبل بضع سنوات، كان أليكس فاريل، البالغ من العمر 29 عاماً، أحد الممثلين الشبان في هوليوود، وكان قد هاجر إلى لوس أنجلوس من لندن. يقول: "أدركت أن هذا لم يكن ما أردت، وأن لوس أنجلوس لم توفر لي الفرصة. من السهل أن تضيع في فقاعة هوليوود. قررت أنني مهتم أكثر بالوقوف خلف الكاميرا".
في صباح بارد ممطر، جلس بمقصورته، المكونة من غرفتين، خلف منزل والدته في كينت، وهو يشرب عصير الكمثرى ويدخن، وقال لي إنه ﺷﻌﺮ بأن عليه أن يروي ﻗﺼص اللاجئين (بعد رؤية الرعب واليأس اللذين يواجهونهما وهم يبحثون عن الأمان والمأوى)".
والنتيجة هي فيلم Refugee (اللاجئ)، وهو فيلم تم تصويره خلال رحلة مدتها 8 أشهر، حيث يظهر أثر الحرب من خلال عيون الناس الذين عايشوها. يقول فاريل لصحيفة The Guardian البريطانية: "كان الأمر مروعاً، مفجعاً، مرعباً، وكنت ساذجاً حين اعتقدت أنني كنت مستعداً لذلك. لقد كان الجو بارداً والمطر غزيراً.. كان الناس يعانون انخفاض حرارة الجسم، وكاد الأطفال أن يتجمدوا، وظلوا يصرخون ويبكون".
ومع ذلك، صُعق فاريل من صمودهم وتفاؤلهم. وصف فاريل وضعهم قائلاً: "كان العديد منهم يسيرون على الطريق أشهراً، لكنهم لا يزالون يبتسمون، ويتشاركون في الطعام والماء القليل الذي كان لديهم. كان هذا مصدر إلهام، بالنظر إلى الخسائر والفظائع التي تعرضوا لها. وفي خضم الفوضى، كنت مندهشاً أيضاً من اللطف غير المشروط للمتطوعين والجنود الذين يعملون على مدار الساعة لمساعدتهم".
كل هذا ينعكس بقوة في الفيلم. تتباين لقطات البجع المهاجر فوق البحر الأبيض المتوسط مع موجات النازحين الذين يعانون الجوع والبرد والمرض. وبعد أن خسروا كل شيء، وأُجبروا على ترك ديارهم وبلدهم، ليس لديهم أي مكان يذهبون إليه أو يعبرون البحر المحفوف بالمخاطر، ويتعرضون للضرب وقنابل الغاز المسيل للدموع على أيدي الشرطة عند الحدود المغلقة.
يركز الوثائقي على عائلة علالي التي تفصل الحدود بين أفرادها، ومن خلالها يروي الحكاية الأوسع لملايين السوريين الذين تبدلت حياتهم بسبب اليأس والعنف. بعد السفر لمسافة 2000 ميل بحثاً عن ملجأ لعائلتها، تقطعت السبل بـ"رفعة علالي" في ألمانيا؛ بسبب قيود التأشيرة والإجراءات الروتينية، بينما علق زوجها "ناظم" وابناها؛ "حمودي" ذو الـ 10 أعوام و"أحمد" ذو الـ8 أعوام، في مخيم للاجئين باليونان بعد إغلاق الحدود. استنفدوا كل أموالهم وأدويتهم، وأصيب طفلهم الأصغر بداء خطير.
Refugee – Trailer from Envoi Entertainment on Vimeo.
يقول فاريل: "كانوا يعيشون على الخبز، وأصيب حمودي بداء في معدته؛ عدوى فيروسية، والتهبت عيناه بسبب القذارة ومياه الصرف الصحي. يقع مخيم فراكابور للاجئين بجانب محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي، واشتهر بكونه أسوأ مخيم في اليونان".
ما يجعل الفيلم متماسكاً هو تلك الحميمية وثقة العائلة المطلقة بفاريل ورغبتهم في تصوير معاناتهم المجردة والعاطفية. عندما يسأل "ناظم" ابنه الأصغر عما يذكره من سوريا، يجيبه قائلاً: "كل يوم تشهد بلدتنا قصفاً ولا يمكننا اللعب في الخارج". عندما سأل أخاه ما الذي يريد رؤيته في ألمانيا، ردَّ قائلاً: "ماما، فقط ماما".
في نقطةٍ ما، بعد أن منحهم فاريل هاتفه للاتصال بها، قال الطفل الأصغر: "ماما، أشتاق إليك". وحين سمعها تبكي على الطرف الآخر قال: "نحن نجلس بجانب البحر"، في حين تلتف الكاميرا لتصور المشهد البائس للمخيم الكئيب.
يقول فاريل إنه بعد فترة قصيرة من انتهائه من الفيلم، وصل إلى علمه أن العائلة اجتمعت مجدداً واستقروا مطمئنين في مدينة دوسلدورف بعد 3 أعوام من الانفصال.
ويشعر فاريل بفخر كبير؛ لكونه ساعد العائلة المشتَّتة في اتصال بعضها ببعض، عبر إيصال رسائل الفيديو بينهم خلال مرحلة الانفصال. طلب منه "ناظم" و"رفعة" مؤخراً، أن يكون أباً روحياً لأبنائهم، وهم يتصلون به عبر سكايب بشكل منتظم، ويرسلون له الصور عن حياتهم الجديدة في ألمانيا.
يقول فاريل: "بالنسبة لي ،أصعب ما شاهدته في هذه الرحلة بأحد الأيام في المحطة الأخيرة بالنمسا، هو رجل يُذكّرني بأبي، لقد كان رجل أعمال يبدو عليه الاحترام، يرتدي بدلة كان عليه أن يحملها طوال الطريق، وكان يحلق لحيته أمام صورته المنعكسة على بركة المياه. لقد استرسلت في البكاء، لا أدري لماذا! لكن عظمة ما يحدث هزتني بعمق. يا له من شيء مؤسف حقاً! يريد هذا الرجل أن يشعر كما لو أنه إنسان يتمتع بأخلاق وكرامة ومستوى اجتماعي وحقوق.
فكرت، هل يمكن أن تبقى عائلتي على قيد الحياة خلال هذه الرحلة؟ انظر كيف نعيش هنا في ريف كينت. لكن، إذا تعرضنا للقصف هنا، فهل سننجح في قطع الطريق كله إلى سوريا حيث الأمان؟".
يأمل فاريل أن يُحطم فيلمه بطريقة ما، بعض تلك المفاهيم. "من المهم أن يفهم الآخرون أن سوريا تريد ما نريده جميعاً؛ أن يعيش شعبها بسلام في ظل إحساس بالعناية والاستقرار لأسرهم ومن دون الخوف المستمر من القنابل والإرهاب والتخويف. إن هذا الشعب يريد تعاطفنا".