ناقشنا في المقال الأول من سلسلة مقالات "الأفلام" أهمية السيناريو في صناعة الأفلام، وسوف ندخل تدريجياً في تفاصيل كتابة السيناريو.
ما المواهب التي يجب أن يمتلكها كاتب السيناريو؟ وما أبرز المشاكل التي يعاني منها الكتاب المبتدئون، وأنماط القصص الضعيفة المتداولة مؤخراً وأسبابها؟
75% أو أكثر من الجهد الذي يبذله كتاب السيناريو المتمرسون في تصميم القصة يكون من خلال الإجابة على الأسئلة التالية: من هي شخصيات القصة؟ ماذا يريدون؟ كيف يحصلون عليه؟ ماذا يعوقهم؟ ما هي النتائج؟ إيجاز الإجابة عن هذه الأسئلة الكبيرة، وتشكيلها في قصة هو العمل الحقيقي لكاتب السيناريو.
أما كتاب السيناريو غير المتمرسين غالباً ما يعتمدون على أسلوب التجربة والخطأ عبر تجميع أفكار لمشاهدات وقراءات، فيما ينتج عن التجارب الأولى للكتابة عدد من المشاكل التي تؤدي إلى ضعف في السيناريو، أبرزها نقص في التطور على صعيد الأحداث والشخصيات، زيف الدوافع التي تحرك الأحداث، شخصيات زائدة، إلى غير ذلك من الفجوات.
هذه المشاكل تنتج عادة نمطين للقصة الضعيفة:
1- القصة الشخصية: يعتقد كتاب هذا النمط أنه كلما كانت ملاحظته لحقائق الحياة اليومية محددة ودقيقة، فإن ما يحيكه صادق.
ولكن المعنى الحقيقي والصادق في الحياة لا يكون ظاهراً بل يكون مخفياً وغير مباشر.
إن أضعف عذر ممكن أن يتذرع به كاتب السيناريو هو "ولكن هذا حدث فعلاً"، نعم كل شيء يحدث، كل ما يمكن تخيله يحدث، وحتى ما لا يمكن تخيله يحدث، ولكن الحياة ليست قصة واقعية؛ لأن مجرد الحدوث لا يقربنا من الحقيقة.
يقول الكاتب روبرت مكي في كتابه القصة: إن ما يحدث هو واقع، ولكن ليس الحقيقة، الحقيقة هو ما نعتقده عن الواقع.
تعتبر أفلام الصداقة التقليدية أبرز مثل على هذا النمط السائد من القصص، والتي تتناول غالباً قصة مجموعة أصدقاء يمارسون تفاصيل حياتهم اليومية (منطلقون في رحلة، أو متورطون بمشاعر معقدة، أو مشتركون في مشروع تجاري).
2- أفلام الحركة (النجاح التجاري المضمون): بنية متخمة ومعقدة، وهجوم مزدحم على الحواس لا علاقة له بالحياة، يعتقد الكاتب إنه إذا استدعى حدثاً شديد السرعة ومرئيات باهرة، مع استخدام تقنيات الجرافيك المبهرة، سيكون ذلك مثيراً للمشاهدين.
يستخدم صانعو هذا النوع من الأفلام القصة كمتكأ لاستخدام المؤثرات البصرية التي تحملنا في إعصار أو فك ديناصور، هذا النوع من التسلية قصيرة الأمد ينتهي بنهاية الفيلم ولا يعلق في ذهن المشاهد منه إلا مشهد أو اثنان لقفزة أو مطاردة، غالبا لا أحد سيتذكر قصة الفيلم، فضلاً عن حصول نقاش حول الأفكار التي طرحها أو الرسالة التي يحاول إيصالها.
يقول المخرج الكندي بول هاجيس: "أسوأ ما يواجه المخرج أن يسمع شخصاً خارجاً من القاعة يقول: (الفيلم لطيف)، المخرج يتمنى أن يجد عراكاً فكرياً عن أهداف المخرج ونواياه".
ليست هذه المرة الأولى التي تؤثر فيها التقنية سلباً على صناعة الأفلام؛ لأنها تفرخ مجموعة من الأفلام السينمائية الركيكة التي تستغل المشاهد لمجرد عرض تلك التقنيات الفريدة حينها.
فقد اعتبر دخول الصوت أمراً سيئاً على صناعة الأفلام في الثلاثينيات، رغم أنه محاكاة للواقع؛ حيث كان المشاهد يعاني طوعياً من قصص تافهة لمجرد الاستمتاع بسماع الممثلين يتكلمون، ثم تطور الكلام بعد ذلك إلى قوة وجمال، ولم يزحزح هيبة الصوت في الأفلام سوى دخول تقنية إضافة الألوان، وجاء بعدها الغرافيكس، والمؤثرات البصرية والصوتية، وليس آخر التقنيات ثلاثية الأبعاد.
كل هذه الإنجازات التقنية رائعة إذا ما توارت وراء قصة الفيلم دون لفت الانتباه إليها، إن التسلية الحقيقية في الفيلم الرائع تأتي من الحقائق الإنسانية المشحونة وراء القصة من خلال الاستخدام الناجع لكل التقنيات التي ظهرت في عالم صناعة الأفلام.
ليست هذه الأنماط أو الأسباب الوحيدة لكتابة سيناريو فيلم ضعيف، بل هناك بعض التفاصيل الأخرى التي سنعرضها ضمن المقالات القادمة.
أما المقال القادم من السلسلة فسيتناول الصفات والمواهب التي يجب على الكاتب أن يمتلكها، أو التي لا يجب أن يمتلكها عند تفكيره في السيناريو.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.