"كان توثيق ما حدث في حلب مؤلماً جداً من جانب، ولكن من جانب آخر وجدت نفسي في موضع المسؤولية.. إنها قصّة قد تكتب التاريخ وتحفظ الدليل على ما حدث في هذه الفترة من تاريخنا البشري".
هذا ما قاله المخرج السوري فارس فيّاض، مخرج فيلم "آخر الرجال في حلب" لإذاعة NPR الأميركية عن مشاعره عندما صور مدينته التي نشأ فيها، وعن فيلمه الوثائقي المرشح لنيل الأوسكار لعام 2018، علماً أنه لن يحضر الاحتفال المقام في لوس أنجلوس في الـ4 من مارس/آذار، بسبب سياسات ترامب التي ضيقت منح التأشيرات للولايات المتحدة الأميركية.
والفيلم يوثق مأساة حصار مدينة حلب السورية، إذ تتبع فيّاض وطاقمه بين عامي 2015 و2016؛ فريق الخوذ البيضاء المكوّن من عمّال إنقاذ متطوّعين، رفضوا الخروج من مدينتهم وضحوا بأرواحهم للاستجابة لاستغاثات الآلاف من ضحايا قصف النظام السوري.
ووصف موقع NPR الذي أجرى لقاء مع المخرج المدينة بأنها "كانت قبل سنوات من عودتها لقبضة الحكومة أكبرَ معقلٍ حضري للمعارضة المسلحة المناهضة للنظام، وعلى مدى تلك السنوات، كان هناك عدد لا يُحصى من التفجيرات، وصارت المدينة أنقاضاً".
وفي حديثه الإذاعي أجاب فياض عن عدة أسئلة حول الفيلم أبرزها:
لماذا يبقى أصحاب الخوذ البيضاء؟
"في الوقع، يبدو هذا سؤالاً فلسفياً، إنه سؤال فلسفي كبير لنا جميعاً عندما نواجه الكثير من الضغوط من حكومتنا، ومن الحرب، ومن أي شيء".
وأضاف المُخرج "إننا نجد أنفسنا تحت ضغط كي نغادر.. إلا أن هناك شيئاً يجعلهم يقاومون قرار المغادرة. وهو قصّة عن الصراع الداخلي المشترك بين بقائك الشخصي على قيد الحياة وما بإمكانك فعله من أجل مجتمعك من خلال ما لديك".
وتابع قائلاً "إنهم يبقون هناك لأنهم يشعرون بأن ما بإمكانهم فعله يُحدث فارقاً؛ فقد أنقذوا ما يقرب من 100.000 مدني. فقط تخيل لو أن أولئك الناس غادروا مدينتهم".
ماذا عن عائلة بطل الإنقاذ خالد عمر الحارة بعد مقتله؟
سُئل فيّاض عما حدث لعائلة المتطوّع الراحل لدى الخوذات البيضاء، خالد عمر الحارة – الذي نال شهرة كبيرة حين أنقذ طفلاً رضيعاً يبلغ من العمر 20 يوماً من تحت الأنقاض في حي السكري عام 2014 – والذي لقب بعده بمنقذ الأطفال فأجاب قائلاً "بعدما قُتِل، انتقلت زوجته وابنتاه إلى جزء آخر من سوريا خارج حلب، ونأمل أن يكونوا آمنين. لا يوجد مكان آمن حقاً في سوريا، ولكن هناك مكان أقل خطراً من مكان آخر. وقد كانت زوجة خالد حاملاً، وقد أنجبت طفلها وسمّته خالداً أيضاً".
ماذا عن الطبيعة التكرارية لبعض مشاهد الفيلم.. هل كان ذلك عن عمد"؟
قائلاً "لقد حاولت سرد القصّة باعتبارها كابوساً لأولئك الناس- مثل النوم والاستيقاظ ورؤية نفس الأشياء.. ولا يوجد حل، هم يجرّبون طرقاً مختلفة لمواجهة الأمر، كما لو أن القنبلة تكرار يتجدد مراراً وتكراراً، وأنا أحاول استخدام الكاميرا للشهادة على ما يرونه، الجانب القبيح والجانب الجميل. والجانب الجميل كان الاكتشاف من خلال عيون الشخصيات، وما يجعلهم يبقون في المدينة، ومن موضع حصولهم على مصدر الإلهام للمقاومة والبقاء".
المخرج كان قد علّق في لقاء له مع موقع "الجزيرة" حول ترشح فيلمه لجائزة الأوسكار قائلاً "الجانب المضيء والجانب الجيد في الأوسكار هو أنه يستقطب اهتماما كبيرا ويركز الانتباه على قضية الفيلم"، مشيرا إلى أن فكرة الفيلم واضحة وهي ضرورة وقف الحرب السورية لأن الكثير من ضحاياها من المدنيين الذين يريدون العيش بسلام وأمان.
الفيلم ينافس على الجائزة العريقة مع 4 أفلام أخرى وثائقية هي Abacus: Small Enough to Jail و Faces Placesو Icarusو Strong Island