هل سبق أن شاهدت فيلماً وثائقياً على قناة شهيرة، وأثار إعجابك لزخم معلوماته، أو لكشفه سراً ما عن قضية شهيرة كنت تجهلها؟
إذا مررت بهذه التجربة فاعلم أن صانع الفيلم والجهة التي عرضته قد نجحا بالفعل في كسبك كمشاهد، ولكن كن حذراً في نفس الوقت فقد تكون أحد ضحايا صانعي الأفلام، الذين يلجأون إلى "دسِّ" بعض المعلومات المزيفة؛ لتحقيق أغراض شخصية أو سياسية.
نعم.. فبعض صنّاع الأفلام الوثائقية على استعداد للإخلال بالهدف الأساسي من الأفلام الوثائقية وهو: توصيل المعلومات الصحيحة للمشاهد.
يرجع ذلك في كثير من الأحيان إلى احتياج الفيلم إلى رأس مال مناسب لكي يخرج في أفضل صورة، فيضطر صانع الفيلم لتمرير أجندة معينة، وفي أحيان أخرى، يتم بكل أسف فبركة وتزوير الحقائق لصالح الممولين.
أحدها خدع الجمهور الأميركي بشكل غير مسبوق، إذ تمحور حول اختفاء طلاب ظن الكثيرون أنها قصة حقيقية، وتطوعوا للبحث عنهم!
الأغرب من ذلك تورط قنوات عالمية شهيرة مثل Discovery، التي نفتتح بها هذا التقرير، الذي يستعرض أشهر الأفلام الوثائقية التي ثبت لاحقاً استخدامها معلومات خاطئة ومضللة:
1- ممثلون في دور علماء أحياء ..MegalodoMegalodon: The Monster Shark Lives
أنتجت قناة Discovery الأميركية العام 2013 فيلم MegalodoMegalodon: The Monster Shark Lives
" الفيلم يتمحور حول نوع من أسماك القرش المتوحشة والمنقرضة منذ ما يزيد عن 1.5 مليون عام تقريباً، وأكدت من خلال سياق الفيلم دلائل على وجودها حتى الآن.
استعان صانعو الفيلم ببعض الفيديوهات والصور التي توضح وجود سمكة القرش المعنية قبالة أحد سواحل جنوب إفريقيا، واستطاعوا أن يُقنعوا عدداً كبيراً من جمهور الأفلام الوثائقية بحقيقة وجود هذه الأسماك المرعبة.
أثار الفيلم جدلاً واسعاً لدى مشاهدي الأفلام الوثائقية العلمية، وتحديداً علماء الأحياء، الذين أشاروا إلى أن فكرة الفيلم مفبركة؛ لأن هذا النوع من الأسماك المتوحشة انقرض من قديم الأزل.
بعد انتشار الانتقادات الموجهة للفيلم، بادرت قناة Discovery وأنتجت فيلماً آخر أكثر إثارة للجدل بعنوان "ميغالودون: الإثبات الجديد"، بهدف الرد على الانتقادات الواسعة التي طالت الجزء الأول.
ثم عرضت القناة مجموعة أفلام فيما وصفته بـ"أسبوع أفلام القرش"، واستعانت في بعضها بعلماء أكدوا ما جاء في هذه الأفلام، لكن منتج الأفلام الوثائقية الشهير "كريس بالمر" فجّر مفاجأة بتأكيده على وجود مشاهد مفبركة بكل تفاصيلها.
وأكد "بالمر" أنه مع تدخل السياسة العامة للقناة في صنع هذه الأفلام، وسعيها لتحقيق أعلى نسب مشاهدة ممكنة، أثّر ذلك بشكل كبير على عمل صناع هذه النوعية من الأفلام، فأصبحوا يفبركون بعض المشاهد، بل إن علماء الأحياء الذين ظهروا في الفيلمين لم يكونوا سوى "كومبارس"، بالإضافة إلى الاعتماد على مشاهد كاذبة نجحوا في إظهارها بشكل يُقنع المُشاهد بأنها قائمة على دلائل علمية صحيحة، على حد زعمه.
2- Waiting for Superman .. نسب مزورة لمدارس أميركا الخاصة
الغرض الأساسي من هذا الفيلم الإشارة إلى ضعف النظام التعليمي في أميركا، إذ أكدت المعلومات الواردة فيه على أن نسبة الأفراد الذين يستطيعون القراءة بشكل سليم، عقب إتمامهم مرحلة التعليم المتوسط، تتراوح بين 20-30% وهي بالطبع نسبة منخفضة للغاية.
دفعت هذه النسبة العديد من الأسر للتفكير في إرسال أبنائهم لمدارس خاصة، التي تُكلف مصاريفها الكثير من الأموال، وتعتبر مستقلة نوعاً ما عن المناهج الدراسية المعتمدة في المدارس الحكومية؛ بهدف توفير قدر أعلى من التعليم مقارنة بالمدارس الحكومية، ما يتيح لخريجيها دخول جامعات مرموقة بعد ذلك.
لكن موقع مجلة Cracked الأميركية كذّب ما جاء في الفيلم، بتأكيده أن النسبة الحقيقية للأفراد القادرين على القراءة بشكل صحيح، بعد إتمام مرحلة التعليم المتوسط تزيد عن الـ75%، كما أشار إلى أن الفيلم ناقش نظام التعليم في أميركا من وجهة نظر واحدة فقط.
ولم يعتمد على إحصائية هامة تُشير إلى أن نسبة المدارس الخاصة التي تقدم تعليماً أفضل نسبياً من التعليم الحكومي، هي مدرسة واحدة من كل 5 مدارس خاصة، كما أن هناك نسبة خطيرة أخرى تشير إلى أن حوالي 37% من المدارس الخاصة تقدم مناهج، وتسير على نظم تعليمية أسوأ من المتبعة في تلك الحكومية.
3- Super Size Me .. تشويه سمعة "ماكدونالدز"؟
تتحدث فكرة هذا الفيلم المُنتج عام 2004، عن المخاطر التي قد تعود على الفرد من تناول المأكولات السريعة نفسياً وبدنياً، وذلك من خلال تجربة أجراها صانع الفيلم "مورغان سبورلوك" على نفسه لمدة 30 يوماً.
تناول خلالها كافة المأكولات التي تقدمها سلسلة مطاعم "ماكدونالدز" للمأكولات السريعة، بمعدل 3 وجبات باليوم الواحد، أي ما يوازي 5000 سعرة حرارية.
أبرز "سبورلوك"، خلال الفيلم التغييرات الكبيرة التي طرأت عليه بدنياً، وحجم الدهون التي اكتسبها على مدار 30 يوماً، كما تطرق أيضاً للتغييرات التي طرأت عليه نفسياً، إذ أشار إلى أن تناوله لهذا الكم من الوجبات جعل حالته النفسية في حالة تغير مستمر.
واجه الفيلم الوثائقي انتقادات عديدة، كان أبرزها عدم القدرة على قياس نتائج تلك التجربة بشكل جماعي، ووصل الأمر إلى إنتاج المخرج الأميركي "توم نوتون" فيلماً وثائقياً آخر بعنوان Fat Head، أوضح فيه أنه من المستحيل أن يصل إجمالي السعرات الحرارية لوجبات "سبورلوك" اليومية إلى 5000 سعرة حرارية.
شرح "نوتون" ذلك في فيلمه بقوله إن الوجبة الأكثر احتواءً على سعرات حرارية في قائمة وجبات "ماكدونالدز"، تحتوي على 1450 سعرة حرارية فقط، أي أنه إذا ما تناول "سبورلوك" وجبتين منها يومياً، إضافة إلى الحلويات، فإنه لن يصل إلى 5000 سعرة حرارية.
4- Searching for Sugar Man .. ترويج غير مباشر لمغنٍّ أميركي
يتحدث هذا الفيلم الذي أُنتج عام 2012، وحصل على جائزة أوسكار، عن اثنين من مواطني جنوب إفريقيا يحبان الموسيقى.
قرر الاثنان البحث عن أسطورة مغنٍّ أميركي يدعى "رودريغيز"، أطلق ألبومين خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ثم اختفى عقب ذلك دون وجود أي أثر ملموس له.
أشار الفيلم إلى أن هذين الألبومين الذين أخفقا في الولايات المتحدة، انتشرا في جنوب إفريقيا بشكل هائل خلال فترة التسعينيات؛ بفضل أغانيهما التي تتحدث عن الفقر، رغم عدم معرفة مصير صاحبهما "رودريغيز" المجهول.
ودفع فيلم Searching for Sugar Man المغني "رودريغيز" للظهور مجدداً على الساحة لكن هذه المرة في موطنه بأميركا، من خلال إعادة إحياء مسيرته الفنية من جديد بإقامة العديد من الحفلات، مما أدى لتوجيه الانتقادات إلى الفيلم؛ لعدم تأكد منتجيه من حقيقة اختفاء "رودريغيز" من الساحة الفنية عقب إطلاق ألبومه.
وتساءل النقاد عن السبب الذي حجب عن "رودريغيز" معرفته بالانتشار الهائل لأغانيه في جنوب إفريقيا، بالإضافة إلى تجاهل منتجي الفيلم للنجاح النسبي للألبومين في أستراليا في أواخر سبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي.
وأكدت على ذلك صحيفة The Sydney Herald Morning الأسترالية الشهيرة، بذكرها أن "رودريغيز" أحيا العديد من الحفلات الغنائية في أستراليا عقب فشل ألبوماته في أميركا.
5- The Blair Witch Project .. عندما يكذب المخرج ويعترف بكذبته
كلَّف إنتاج هذا الفيلم الصادر عام 1999 25 ألف دولار، ونجح في حصد 250 مليون دولار، ما جعله واحداً من أشهر الأفلام الوثائقية.
يستعرض قصة 3 طلاب اختفوا بشكل غامض عام 1994، أثناء جمعهم معلومات عن فيلمهم الوثائقي الذي يتحدث عن "الساحرة بلير"، التي كانت تعذب الأطفال في ولاية ميريلاند.
اعتمد الفيلم بشكل أساسي على مجموعة من التسجيلات المُصورة لهؤلاء الطلبة، التي ظهرت بعد عام كامل من اختفائهم، إضافة إلى مجموعة المعلومات التي توصلوا إليها أثناء تواجدهم في ولاية ميريلاند.
اجتهد صانعو الفيلم في جعله يظهر بشكل وثائقي بحت، ففبركوا عدداً من صفحات الإنترنت حسب تقرير لـ Buzz Feed التي تحدثت عن اختفاء هؤلاء الطلبة، كما استأجروا عدداً من الممثلين ليظهروا في الفيلم وكأنهم صناع الفيلم المختفين، ونشروا معلومات على بعض المواقع تفيد بأنهم مفقودون، ما جعل كل من يشاهد الفيلم يقتنع بأنه فيلم وثائقي حقيقي وعليه المشاركة في البحث عنهم إن استطاع إلى ذلك سبيلا.
صاحَب صدور الفيلم إطلاق إحدى أنجح حملات الدعاية للأفلام على شبكة الإنترنت، فبعد إطلاقه بفترة قصيرة نُشر الفيلم عبر الإنترنت ولاقى نجاحاً هائلاً، جعله يحقق هذه العائدات غير المسبوقة آنذاك.
كانت المفاجأة بعد ذلك في ظهور مخرج الفيلم دانيال ميريك، وتأكيده أن السر وراء نجاحه يعود إلى تطبيق نفس أسلوب فيلم Special Bulletin المُنتج عام 1983، من حيث الاعتماد على كافة وسائل الإعلام الرائجة؛ لجعل المعلومات الواردة في الفيلم تبدو وكأنها حقيقية وواقعية رغم كونها مُصطنعة، إلى جانب تصوير الفيلم بكاميرات رديئة الجودة، فأدى ذلك لاقتناع مشاهديه بأن المادة التي اعتمد عليها صناع الفيلم مصدرها الطلبة.
أظهر فيلم "مشروع الساحرة بلير" مدى التأثير الذي يمكن أن يحدث من استخدام الإنترنت كوسيلة ناجحة للدعاية، كما شكّل نواة للعديد من الأفلام التي اعتمدت على استخدام تقنية الكاميرات منخفضة الجودة؛ لإظهار المشاهد المصورة وكأنها حقيقية، مثل سلسلة أفلام Paranormal Activity الشهيرة.