في أتوبيس “هروب اضطراري” المزدحم بالنجوم.. هذه هي “أكذوبة الفيلم الأعلى دخلاً” في تاريخ السينما المصرية

وبعد شهرين ونصف الشهر من الاحتفاء المبالَغ فيه، حقق بطل ومنتج الفيلم أجزاءً من أهداف كل منهما، بينما تنكشف "كذبة" أنه الأنجح في تاريخ السينما المصرية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/31 الساعة 08:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/31 الساعة 08:37 بتوقيت غرينتش

أعلى فيلم في تاريخ شباك تذاكر السينما المصرية ينسحب طوعاً من دور العرض، ليفسح المجال أمام أفلام موسم عيد الأضحى الجديدة. وبعد شهرين ونصف الشهر من الاحتفاء المبالَغ فيه، حقق بطل ومنتج الفيلم أجزاءً من أهداف كل منهما، بينما تنكشف "كذبة" أنه الأنجح في تاريخ السينما المصرية.

أحمد السقا: عميد ممثلي التسعينيات


السقا، أحد أبرز نجوم سينما التسعينيات، فهو حالياً أكثر ممثلي هذا الجيل استمراراً، والوحيد الذي استمر من دون إخفاقات مهينة، ومع التقدم في العمر وتغيرات الجمهور، استطاع الانتقال بسهولة من لعب دور النجم إلى كابتن الفريق.


في 3 من أنجح أفلامه؛ "مافيا" و"تيتو" و"إبراهيم الأبيض"، كان السقا يتيح للممثلين المساعدين تجاوزه هو شخصياً في النجاح، لكن على مدى زمني أطول ظل هو الأكثر استمراراً واستقراراً من الجميع.

وفي "هروب اضطراري"، يلعب هذا الدور بشكل أكثر صراحة؛ فهو كابتن الفيلم الذي يتمركز حوله فريق ضخم من الممثلين، معظمهم شارك في الفيلم، تحيةً للسقا، الذي لا يتأخر عن القيام بالمثل معهم.


في الفيلم 4 أشخاص لم يقابل أحدهم الآخر من قبلُ، يجدون أنفسهم متهمين بجريمة قتل شخص لا يعرفونه، وهؤلاء يشكِّلون فريق السقا الخاص: أمير كرارة تاجر المخدرات الشعبي، غادة عادل في دور السيدة المذعورة، ومصطفى خاطر وهو يحاول كبح نفسه عن الكوميديا، ورابعهم السقا الذي يمارس القيادة والجدعنة عليهم من دون مبرر.



بكل المَشاهد التي تشهد ارتفاع حرارة الحوار بين هؤلاء الممثلين، تنتهي جولة الميكروفون عند السقا؛ لكي يقفل المشهد بعصبيته المعتادة، وفي كل مرة تتعقد الأحداث، يكون لديه الحل. الوحيد الذي نجح في الهروب من السقا، كان هو الذي يطارده في الفيلم؛ فتحي عبد الوهاب بدور ضابط الشرطة القاسي الذي يدفن إحباطه في السخرية من الجميع وتناول الشطائر بفظاظة في أثناء التحقيقات.

تخصُّص السقا هو أفلام الأكشن، كل المشاهد الخطرة يؤديها بنفسه، بما في هذا الانزلاق بالدراجة النارية تحت المقطورة والتدلِّي من على ارتفاع 30 طابقاً، لكنه أيضاً في أبطأ وأسمن حالاته، بدنياً وتمثيلياً.



قبل البدء حتى في تصوير الفيلم، كانت هناك حملة علاقات عامة في وسائل الإعلام؛ لتأكيد أن السقا هو الأعلى أجراً في الفيلم برقم 25 مليون جنيه. وبعد الأسبوع الأول من عرضه ووصول إيراداته إلى 21 مليون جنيه، انخفض هذا الأجر إعلامياً إلى 20 مليون جنيه.

حقيقة أجر السقا ستظل لدى مصلحة الضرائب، لكن ما تعكسه هذه الأرقام المفتعلة هو تفاوض السقا مع منتجي أفلامه المقبلة، رقم أجره الحقيقي ربما لا يتجاوز نصف ما يتم تسريبه للإعلام، فالسقا لديه التزام آخر بمستوى إنتاج الأكشن في الفيلم؛ ولهذا لا يستطيع زيادة ضغط الميزانية بالمبالغة في أجره الحقيقي، وليس بالضرورة أغلى من باقي عناصر الفريق.

القضية الغامضة لأجر السقا




حسب تسريبات مواقع فنية أجر السقا، فإنه تقاضى نحو 21.5 مليون جنيه (1.2 مليون دولار) وحده، بينما كان أجر أمير كرارة وغادة عادل 3 ملايين جنيه لكل منهما، إضافة إلى مليونين لفتحي عبد الوهاب، و1.2 مليون لمصطفى خاطر، وهذا يجعل ميزانية هؤلاء الممثلين وحدهم أكثر من 29 مليوناً، ولا تزال هناك أجور ضيوف الشرف، وقد عرض المنتج محمد السبكي على أحمد حلمي وحده 800 ألف نظير ظهوره ثانيتين في نهاية الفيلم، لكن حلمي فضَّل أن يقوم بهذا مجاملةً، حسب تقارير فنية.

هناك مشكلتان في أجر السقا؛ أولاً أن السبكي معروف -حسب مصادر مقربة منه- بعدم المبالغة في أجور النجوم؛ حتى لا يضغط على باقي الجوانب الإنتاجية، رقم الإنتاج المعلَن لفيلم "هروب اضطراري" هو 35 مليون جنيه، ما يعني أن السبكي استخدم أقل من 6 ملايين في باقي عناصر الفيلم، السيارات التي تم تحطيمها وتفجيرها في الفيلم ربما تكون تكلَّفت وحدها هذا الرقم.

المشكلة الثانية هي أن محمد رمضان، وهو الأغلى في السوق -حسب مصادر بشركات إنتاج فنية لـ"هاف بوست"-، لم يتجاوز أجره السينمائي 10 ملايين جنيه مع المنتج أحمد السبكي في فيلم "جواب اعتقال" في الموسم نفسه، ولن يخاطر محمد السبكي بمضاعفة أجر السقا إلى 20 مليون؛ لأن هذا سيضرّ بأعمال العائلة ككل، وفي النهاية فإن مستوى الأجور السابقة للسقا كان نحو 6 ملايين فقط.

السبكي: أن تربح في يوم آخر


إذا قمنا بوضع سقف لأجر السقا 10 ملايين، وكأنه مثل رمضان، فإن كل الحسابات ستكون منطقية.

منتجو عائلة السبكي لا يضعون الكثير من البيض في سلة أجور الممثلين، ويمكن دائماً لأحمد السبكي توظيف الممثلين بأجور أقل؛ لأنه يضمن لهم المشاركة في أفلام أكثر. لكن محمد السبكي، منتج "هروب اضطراري"، يتعامل في مستوى إنتاج أضخم وعدد أفلام أقل، وفي النهاية هو لا يدخل مزادات النجوم المعتادة خارج عالم "السُّبْكية".

لكن في النهاية، كل النجوم يحبّون "السُّبْكية"، هذه العائلة هي الأكثر استمراراً بمجال الإنتاج، عندما كان المنتجون الآخرون ينسحبون بعنف من السوق في 2011، كان "السُّبكية" يحققون الأرباح من أفلام الكوميديا "الرخيصة" ويصنعون أسطورة محمد رمضان.

السُّبْكية أيضاً ملوك مواسم الأعياد، باتفاقات مع دور العرض تتيح لأفلامهم المنافسة حتى آخر لحظة، ووسائل ترويج نشطة تضمن أن تأخذ أفلامهم فرصتها كاملة.



نعود مرة أخرى إلى "هبوط اضطراري"، انطلق في عيد الفطر بأكثر من 100 شاشة واستمر 10 أسابيع، إيرادات أسبوعه قبل الأخير كانت 1.2 مليون جنيه، وبأسبوعه الأخير استمر في 25 شاشة، وهو ما يعكس قوة وضع محمد السبكي.

وعندما يتم رفع الفيلم من الشاشات تمهيداً لعرض أفلام عيد الأضحى الجديدة، ستكون إيراداته تجاوزت 55 مليون جنيه. في البداية، يتم خصم 5% ضريبة ملاهٍ (2.75 مليون تقريباً)، ثم تقتطع دور العرض نصف المبلغ المتبقي، هذا يعني أن نصيب السبكي كمنتج وموزع سيكون 26 مليون تقريباً قبل خصم الضرائب، مع أخبار عن أن ميزانية الفيلم وصلت إلى 35 مليوناً.

لا توجد أية وسيلة للتأكد من أرقام ميزانية الإنتاج للأفلام المصرية، بما في هذا مصلحة الضرائب نفسها، والبيانات الوحيدة تكون على شكل تسريبات وتصريحات غير رسمية.

الجدول التالي يُظهر ميزانيات الإنتاج المعلنة بهذه الطريقة لعدد من أفلام الأكشن التي تتماثل مع حالة "هبوط اضطراري"، مع تحويلها للدولار لتسهيل المقارنة.


تتماثل حالة إنتاج "هبوط اضطراري" مع "ولاد رزق"، من حيث نمط الإنتاج وعدد النجوم المشاركين، ولإجراء هذا يجب مراعاة فارق عامي في الإنتاج (يعني هذا إضافة نحو 8.5% إلى ميزانية "ولاد رزق"، وهي متوسط نمو الناتج الإجمالي القومي للعامين معاً)، وكذلك ارتفاع التكلفة بسبب ضريبة القيمة المضافة التي بدأ تطبيقها في يوليو/تموز 2016 (بنسبة 14% على أجور الممثلين و10% على الفنيين والديكورات)، لتصبح ميزانية "ولاد رزق" 2.71 مليون دولار، تقريباً هو ميزانية إنتاج "هبوط اضطراري" نفسها (2.69 مليون).

بهذه الحسابات، يبدو السبكي هكذا خاسراً؛ لأن تكلفة إنتاج الفيلم أقل من نصيبه بالإيرادات، لكنه قد يربح في يوم آخر، فالفيلم تم توزيعه في الخليج، وهنا تبدأ الأرباح، ثم سيُعرض حصرياً على إحدى شبكات التلفزيون، تليها باقي الشبكات، ثم في النهاية منصات العرض حسب الطلب وخطوط الطيران، هكذا سيربح السبكي.

أحمد حلمي وزوزو وليلى مراد: من الأنجح؟


إحدى مفارقات الفيلم هي ظهور أحمد حلمي في آخر مشاهده، وهو النجم الذي سجل بفيلمه "لف ودوران" أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية العام الماضي برقم 43.3 مليون جنيه -حسب الأرقام المعلنة-، قبل أن يتجاوزه "هبوط اضطراري" ويسجل 55 مليوناً.

في الدول المستقرة اقتصادياً، يتم وضع عامل التضخم بأسعار التذاكر، في معادلة لمعرفة الأفلام الأكثر نجاحاً على مر التاريخ. حتى الآن، يظل فيلم Gone with the Wind هو الأول في الإيرادات بتاريخ السينما العالمية منذ عرضه في 1939، برقم 1.8 مليار دولار بعد احتساب عامل التضخم، والأفلام التسعة التالية له، أحدثها هو Titanic الذي تم إنتاجه في 1997.

لكن في مصر الوضع أكثر تعقيداً، أسعار التذاكر ارتفعت بنسب 40-60% خلال أقل من عام واحد، العامل الأساسي لهذا كان انخفاض الجنيه أمام الدولار بعد إجراءات التعويم في نوفمبر/تشرين الثاني 2016؛ ولهذا علينا تحويل الإيرادات إلى دولار بأسعار وقت عرض الفيلم، مع الوضع في الاعتبار أسعار التذاكر.


الجدول تضمَّن أنجح الأفلام خلال آخر 4 سنوات؛ بهدف إظهار الاختلاف في سعر الدولار والتضخم بأسعار التذاكر، ومنه نكتشف أن "هبوط اضطراري" سيأتي في المركز الخامس ضمن هذه المجموعة. وسيخسر الفيلم كل المقارنات في نوع الأكشن، وكذلك موسم الصدور بعيد الفطر، إنه حتى ليس أعلى أفلام السقا في الإيرادات، ثم سيخرج من هذا الجدول نهائياً مع احتساب تأثير تضخم سعر التذاكر.

الحقيقة أن هذه القائمة لا تعبر عن أنجح الأفلام في تاريخ السينما المصرية، مثلاً استمر فيلم "خللي بالك من زوزو" أكثر من 52 أسبوعاً في دور العرض، وإذا رجعنا أكثر بالتاريخ فسنجد أفلاماً أخرى مثل "غزل البنات" (1949)، أو "الوردة البيضاء" (1932)، نعرف أن هذه الأفلام كانت ناجحة في أوقاتها، لكن لا تتوافر أرقام إيراداتها لمقارنة دقيقة.

تحميل المزيد