بخطوات فنية واثقة تعود نيكول كيدمان لدائرة الأضواء مرة أخرى، بظهورها المتألق بمهرجان كان هذا العام بأربعة أفلام، شارك منها فيلمان بالمسابقة الرسمية، ثم توجَت تألقها في كان بفوزها بجائزة نجمة المهرجان في دورته السبعين.
فهل تشهد في عامها الخمسين فوزها بأوسكار ثانٍ بعد 15 عاماً من أوسكارها الوحيد؟ ربما نعرف الإجابة في الفيلمين المتوقع أن تنافس بهما على جائزة الأوسكار.
The Beguiled.. صوفيا كوبولا تعيد اكتشاف موهبة كيدمان
من الأفلام المنتظرة هذا العام، فيلم The Beguiled الذي عُرض في المسابقة الرسمية في الدورة السبعين لمهرجان كان هذا العام، وفازت عنه صوفيا كوبولا بجائزة أفضل مخرج.
الفيلم من بطولة نيكول كيدمان، وكريستين دانست، وإيل فانينغ. تدور أحداثه خلال الحرب الأهلية الأميركية، فيهرب جندي جريح (يقوم بدوره كولين فاريل) من أرض المعركة؛ بحثاً عن مخبأ فتعثر عليه فتاة تقيم في مدرسة خاصة بالفتيات فقط، ويذهب معها وتوافق مديرة المدرسة (نيكول كيدمان) على إيوائه ومداواته، ومن هنا تبدأ أحداث مليئة بالشك والغيرة والخداع مثلما يخبرنا اسم الفيلم.
تقول صوفيا كوبولا، مخرجة الفيلم وكاتبة السيناريو، إنها اختارت نيكول كيدمان للفيلم وهي في مرحلة الكتابة، وقالت عنها أيضاً: "أعتقد أنها فريدة من نوعها، كأنك تشاهد عالِماً مبدعاً أو رياضياً بارعاً. عند تصوير مشهد، تجدها مفعمة بعدة مشاعر في آن واحد".
لم يُعرض الفيلم في السينمات بعد، لكنه حظي بالعرض الأول في مهرجان كان. وقد لاقى الفيلم إعجاب العديد من النقاد وإشادة بأداء أبطاله، ويبدو أنه سينافس بشدة في موسم جوائز الأوسكار القادم.
"هذا فيلم يستحق المشاهدة، دراما وتشويق مع لمسات بارعة من فئة الجرائمية والكوميديا السوداء"، هكذا وصفه بيتر برادشو الناقد الفني لصحيفة The Guardian البريطانية.
فيما قالت روبي كولين الناقدة الفنية لصحيفة The Telegraph البريطانية: "أجواء الفيلم تبرز أفضل ما في كيدمان التي يتميز أداؤها بالذكاء الذي يجعلها قادرة على تطوير مشهد كامل برفعة حاجب أو حركة شفاه".
فيما يعقد محبو السينما آمالاً كبيرة على هذا الفيلم، ونرجو أن تبهرنا كيدمان بأداء لا يُنسى مثل المتوقع منها.
The Killing of a Sacred Deer.. لانثيموس يعود بقوة
ربما سيكون 2017 هو عام نيكول كيدمان بالفعل، فلدينا فيلم آخر من بطولتها عُرض في مهرجان كان أيضاً للمرة الأولى، ومن المتوقع عرضه في السينمات قريباً.
يشاركها البطولة النجم كولين فاريل مرة أخرى، فيما يخرجه اليوناني يورجوس لانثيموس. يدور الفيلم حول أسرة صغيرة مكونة من الأب جراح القلب (فاريل) والأم طبيبة العيون (كيدمان) وأبنائهما فتاة وفتى. تضطرب حياة الأسرة بعد أن يتعرف الأب على صبي مراهق وتتسبب هذه العلاقة في نشر الفزع والقلق داخل هذه الأسرة.
تقول نسرين علام، الناقدة الفنية لصحيفة القدس العربي: "ينجز لانثيموس ملحمة إخراجية لا يتوانى فيها عن إثارة الخوف الممتزج بالرغبة في مواصلة المشاهدة فينا. يفتتنا قصةً وإخراجاً ويبهرنا بصرياً ليضعنا وسط كابوس سيكولوجي جميل، وما أقدر لانثيموس على أن يجعل الكابوس جميلاً ومبهراً بصرياً".
فاز لانثيموس بجائزة أفضل سيناريو في كان مناصفة مع فيلم آخر. براعة لانثيموس وتميزه في نوعية الأفلام التي تسبر أغوار النفس البشرية لتكشف لنا وجهاً آخر تجعله من الأعمال المنتظرة، ومع أبطال مميزين نترقب عملاً مختلفاً يُشعل حواسنا السينمائية.
من بين الإطراءات الكثيرة التي تلقاها الفيلم كان هناك ثناء شديد على أداء نيكول كيدمان. فقالت روبي كولين، الناقدة بصحيفة The Telegraph : "إن الأداء الغامض لكيدمان يذكرنا بأدائها الرائع في فيلم Birth، لقطة مقربة على وجهها تعطينا مجلدات نقرأها، لكنها تخفي عنا الصفحة الأخيرة دائماً".
The Hours.. الأوسكار الأول
جائزة الأوسكار الوحيدة في تاريخ نيكول كيدمان كانت عن دورها في فيلم The Hours، مع أن فترة ظهورها في الفيلم لم تتجاوز النصف ساعة، فقامت بتجسيد شخصية الكاتبة فيرجينيا وولف في فترة كتابتها لرواية السيدة دالاوي، القصة التي تربط أحداث الفيلم معاً.
تتمحور أحداث الفيلم حول ثلاث نساء في ثلاثة أزمنة مختلفة، وحياة كل منهن في يوم واحد.
الأولى هي فيرجينيا كاتبة الرواية، والثانية هي لورا براون (تقوم بدورها جوليان موور) ربة منزل عام 1951، ونراها تقرأ رواية السيدة دالاوي وتمر ببعض المشاعر المشابهة من الرواية في حياتها الشخصية، والثالثة هي كلاريسا فون في العصر الحالي (تقوم بدورها ميريل ستريب) وأول جملة تقولها في الفيلم هي الجملة الأولى في رواية السيدة دالاوي.
يبدأ الفيلم بمشهد انتحار فيرجينيا، وفي الخلفية تتردد كلمات خطابها لزوجها تخبره أن المعاناة بدأت تعود، ولن تتمكن من النجاة هذه المرة، ثم تعود الأحداث لما قبل الانتحار. فيرجينيا كانت تصارع نوبات المرض النفسي وأشباح الاكتئاب التي لم يفلح العلاج أن يقضي عليها لتنعم هي ببعض السلام. استطاعت نيكول كيدمان أن تجسد هذه المعاناة الشرسة، وكأنها اختفت تحت جلد الشخصية الحقيقية.
تسلحت نيكول بعدة عوامل حتى تقدم هذا الأداء الأخَّاذ الذي يجعل القلب يعتصر لشدة اندماجه مع العذاب الشديد لهذا العقل العبقري، الذي لا يستطيع أن يسيطر على ما بداخله من أفكار تعزله وحيداً في ظلمة الألم.
اضطرت نيكول أن ترتدي أنفاً صناعياً حتى تقارب الشبه بينها وبين وولف، ولكن الأكثر تأثيراً كان في نظرة العين المحدقة في كونٍ آخر ربما، وهزة الرأس، ونبرة الصوت الهادئة التي تبدو وكأنها صوت مذبوح يتلفظ بالكلمات في آخر رمق. أداء استحقت أن تنال عنه جائزة أوسكار أفضل ممثلة.
يبدأ الفيلم بكلمات وولف وينتهي بها، تقرأها كيدمان وتربط كل شيء بهذه الكلمات، حتى لو كانت الشخصيات تعيش في أزمنة مختلفة، جمعتهم الرغبة في حياة غير الحياة، أزمة وجودية تمر بها النفس، ترى فيها إمكانات لحياة أخرى ربما تكون أفضل، ورغبة في الموت ربما تحقق السلام وتنهي الألم.