كلبش يهزم كفر دلهاب.. لهذه الأسباب قفز مسلسل الترويج للشرطة فوق الجميع في سباق رمضان

اشتعلت الشبكات الاجتماعية بسبب تقرير يكشف عن تفوق مسلسل الحركة "كلبش"، على مسلسل الرعب "كفر دلهاب". هذه جملة غير مفيدة، فمواقع التواصل لا تشتعل، ولكنها تساعد على الاشتعال، خاصة عندما تحمل المواجهة بين المسلسلين جانباً سياسياً، فتشتعل توقعات الجمهور.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/20 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/20 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش

اشتعلت الشبكات الاجتماعية بسبب تقرير يكشف عن تفوق مسلسل الحركة "كلبش"، على مسلسل الرعب "كفر دلهاب".

هذه جملة غير مفيدة، فمواقع التواصل لا تشتعل، ولكنها تساعد على الاشتعال، خاصة عندما تحمل المواجهة بين المسلسلين جانباً سياسياً، فتشتعل توقعات الجمهور.

"كلبش" هو من نوعية معتادة في السنوات الأخيرة، تُصنع تحت رعاية الجهات الأمنية المصرية، بينما جذب "كفر دلهاب" المعارضين برسائل سياسية مشفرة عن حال البلد. يحمل كلا المسلسلين رسائل مناقضة للآخر، لكن مشاهدات يوتيوب هي التي وضعتهما بمواجهة غير متوقعة.

التقرير جاء من متابعة شركة XTeam لمشاهدات 22 مسلسلاً على يوتيوب، وتسبب نشره على صفحتها بفيسبوك بسلسلة مفاجآت للمتابعين، خاصة جمهور دلهاب الذي خسر صدارة كانت تبدو مضمونة.

في الشكل البياني التالي يظهر كيف بدأ دلهاب بتفوق كبير، لكن كلبش سجَّل نقطة تفوقه الأولى بالحلقة الخامسة، ثم حسم تفوقه المستمر بداية من الحلقة الـ12، واستمر هكذا. يُعرض دلهاب على يوتيوب من خلال قناة شبكة العرض OnEnt، بينما يحظى كلبش بسبع قنوات للعرض، لكن هذا ليس كافياً لكي يصبح الأول.


الأرقام بالشكل البياني تم تسجيلها الساعة التاسعة، مساء الأحد 18 يونيو/حزيران.

ليس معتاداً أن تحدث انقلابات كبيرة في مراكز المقدمة، وكل الشواهد كانت تؤكد أن دلهاب حسم السباق مبكراً، ثم ينقلب الحال بشكل مفاجئ، ولصالح منافس غير متوقع، بشكل أثار أعصاب من وضعوا آمالاً ثورية في دلهاب. وأيضاً يعني تفوق الجهات الأمنية وجمهورها ممثلة في كلبش. لكن متابعة 20 حلقة من المسلسلين تكشف الأسباب الحقيقية لنجاح هذا الانقلاب.

كفر دلهاب.. اللعنة كانت مؤامرة


أسَّس المسلسل نجاحه بالحلقات الأولى عبر سلسلة مشاهد رعب بسبب لعنة أصيب بها كفر منعزل في جزيرة نهرية، وتدور الأحداث في زمن غير محدد بالعصور الوسطى. إنه رعب الاستحواذ الشيطاني، وهو النوع الأكثر شعبية لدى المصريين، حيث نتابع محاولات طبيب غريب عن الكفر لعلاج حالة فتاة استحوذت عليها روح شريرة.

الجمهور في الحقيقة متخم بهذه النوعية عبر الأفلام الأميركية، وهنا جاء دور الجوانب التقنية لإقناع المشاهدين بجودة الرعب، من حيث الماكياج والمؤثرات البصرية والصوتية. الحلقات الأولى اعتدنا أن تنتهي بلقطة مفاجئة لأحد الكيانات الشريرة التي تحوم حول الطبيب والفتاة المسكينة.

هل هو فيلم طرد للأرواح الشريرة على غرار الفيلم الكلاسيكي الشهير The Exorcist؟ أم أنه عن مغامرة طبيب في مواجهة سحر دموي مثل Sleepy Hollow؟ أم ليس أياً منهما.

في المرحلة التالية تحتشد عناصر الصورة سياسياً، فالكفر أصيب بلعنة مركبة أصابت النساء بالعقم. الأمراض تفشت، المحاصيل فسدت، الكل يشعر بأن شيئاً ما خاطئ، أيضاً ينهار الجسر الوحيد الذي يربط الكفر بالعالم الخارجي.

يتوصل الطبيب إلى سبب اللعنة، وهو مقتل شابة منذ فترة على أيدي مجموعة من وجهاء الكفر، والآن روحها غاضبة بسبب تستر رجال السلطة والقانون على الجريمة القديمة، وبالتالي يتحمل الكفر بالكامل وزر الجريمة حتى يتحقق القصاص.

هنا استطاع العمل أن يجمع بين كونه مسلسلاً عن قوى ما وراء الطبيعة، بجودة تقنية عالية مقارنة بأعمال أخرى محبطة سبقته، وبأنه يبعث رسائل مشفرة للمتفرج عن واقعه السياسي والاجتماعي.

وأفضل ما في هذا أنه لا يصرح أبداً بأنه منصة رسائل عن الواقع، ولكن يستخدم في هذا رمزية كفيلة بأن تجعله أيقونة سرية لمتابعيه.

لماذا نُحب اللعنات؟


يحتفي الناس بالملاحم التي تعتمد على تدخلات قوى فوق بشرية؛ إن اللعنة هي نتيجة مباشرة للظلم، بينما الناس داخل القصة متفرجين سلبيين بدون مسؤولية. هذه صيغة تطهرية رائعة للمتفرج، خاصة عندما تعكس أيضاً واقعه اليومي.

سريعاً التقط الجمهور الجملة البارعة لدرويش الكفر: كذاب، نصاب.. لعنة وحلت على كفر دلهاب.

صراع العروش في الكفر


كان هذا في الأسبوع الأول، ففي نهاية الأسبوع الثاني حدث تحول تدريجي في الأحداث، فالطبيب ليس شخصاً محايداً يحارب الخرافة بإخلاص، يظهر ارتباط له بجريمة أقدم، تختفي عوامل ما وراء الطبيعة تدريجياً ويتحول الأمر إلى صراع دموي من نوع Game of Thrones، حيث الجميع لديه دوافع لقتل الجميع، الطموح والخوف بدون حدود، الأشرار يتساقطون قتلى، والأخيار تتضح لهم جوانب قاتمة.

ثم نكتشف أن الكثير من جوانب اللعنة كانت مرتبة، الطبيب يمارس السحر انتقاماً لمقتل أمه، بجانب إجادته لإعداد عقاقير الهلوسة. إذا كان جمهورك الأساسي قد تحمس لكونك تعبر بشكل رمزي عن واقعه السياسي، وهو شيء أصبح مستحيلاً في أجواء التحكم بالإعلام، إذاً ماذا تتوقع عندما تقول لهم إن اللعنة كانت مؤامرة؟

في حلقة من برنامج "فيلم جامد"، يكاد الناقد محمود مهدي يتوسل لصناع المسلسل ألا يصبح تفسير كل الأحداث من صنع البشر.

كل هذا بجوار عوامل أخرى مزعجة منذ بداية المسلسل: يوسف الشريف (الطبيب) يمثّل بوجه خشبي كأنه يلقي عباراته على مرآة الحمام، لا يوجد توجيه من أي نوع للممثلين من المخرج، الكل يتصرف حسب قسمته ونصيبه، مبالغات مزعجة في المؤثرات وبعض الممثلين، وبهرجة الديكورات والمكياج، الكثير والكثير من مشاهد استرجاع الماضي (فلاش باك)، ثم لماذا يتحدث الجميع وكأنهم طلبة بالجامعة الأميركية بالقاهرة؟ (تذكر أنهم بالعصور الوسطى).

كل هذا كان يمكن للمتفرج تقبله، لولا أن عامل الجذب الأساسي قد انتهى لديه.

في الحلقات الأخيرة أصبح الأمر هو انتقام الطبيب من قتلة والدته، ربما يكون هذا جيداً في الحقات المتبقية، لا نعرف. لكن المسلسل قد خسر نصف قوته بالفعل.

كلبش.. نجاح المسلسلات الأمنية


لماذا لم يلتفت أحد لصعود "كلبش" قبل أسبوعه الأول؟

بطل المسلسل أمير كرارة لم يكن أبداً من نجوم الصف الأول في رمضان، أعماله في المنطقة الدافئة بدون نجاح ساحق، وهو غالباً رجل الرجال، ولهذا لا توجد أسماء كبيرة بجواره تزيد جاذبية المسلسل. حتى الآن لا يوجد اهتمام به أو بالمسلسل في فيسبوك.

هو أيضاً أحد المسلسلات التي تروّج للجهات الأمنية المصرية، وهي نوعية أصبحت ضيفاً مستمراً في دراما رمضان (وفي السينما أيضاً). لا تقوم وزارة الداخلية مثلاً بإنتاج أعمال تروج لها، وإن كان هذا ليس مستبعداً عبر واجهة من مستثمرين مدنيين، ولكن هناك صوراً عديدة للدعم عبر التصاريح الأمنية، المعدات والأفراد في مشاهد المعارك بالتحديد، يأتي هذا عادة في مقابل تقديم وجهة نظر المؤسسة بالمسلسل.

رسائل يومية في مسلسل كلبش


  • أنتم لا تعرفون ما يواجهه ضباط الشرطة يومياً
  • لا يمكن لمدني أن يتغلب على ضابط أمام الشاشة قطعياً
  • الضابط يضحي بحياته فداء الوطن
  • هناك أخطاء "طفيفة" بسبب حالة البلد
  • نحن لا نتستر على التجاوزات والحال الآن مختلف
  • ضابط الشرطة يمكنه فعل الكثير خارج وداخل إطار القانون
  • الفساد سببه طبقة أمناء الشرطة وليس الضباط
  • الفيسبوك هو سبب الكثير من مشاكلنا
  • باقي المشاكل سببها رجال الأعمال الفاسدون ونواب البرلمان
  • الشرطة والشعب في خدمة القانون

هل هذا النوع من الرسائل يفسد المشاهدة؟ هناك بالفعل جانب معتبر من المتفرجين لا يقيمون الأمور بهذا الشكل، وإذا تركنا جانباً رسائل المؤسسة الداعمة، فإن المسلسل به عناصر جذب فنية أخرى.

الضابط "ابن الناس الكويسين"


بداية من شارب وعضلات أمير كرارة في دور ضابط الشرطة الشرس، أمير هنا عالج مشكلة عدم اللياقة الجسدية عند معظم من قدموا نفس الدور، وعندما يأتي وقت المعارك، فإنك لن تشعر بمشكلة فنية عندما يطحن خصومه حرفياً، مع الوسامة بالطبع، فهو ضابط "ابن ناس".

لا يتجنب المسلسل مشكلته الأساسية؛ أن الجميع يعرفون حال رجال الشرطة في مصر، فيقدم والدة الضابط التي عارضت مهنة ابنها منذ البداية، ليس فقط خوفاً عليه من الخطر، ولكن لأنها أيضاً تعرف تأثير هذه المهنة على شخصيته، والضابط نفسه مدرك لصحة مخاوفها.

الحلقة الأولى هي عبارة عن معركة اقتحام مثيرة وبالغة الفخامة لوكر إرهابي، أحد الضباط حاول أن يقوم بدور الشرطي الطيب فأصابته رصاصة قاتلة من الخلف، فيقوم صديقه البطل بمطاردة الإرهابي القاتل وينتقم منه وينقذ طفلاً صغيراً كان رهينة لديه.

في حلقة واحدة سريعة تعرفنا بإيجاز على جذور العنف لدى شخصية الضابط، هذا العنف سيصبح سبب أزماته المقبلة. في حلقة تالية يصبح هذا العنف مقبولاً، بل مثيراً للحماس، عندما يقوم بسحل أحد البلطجية في الشارع أمام الجميع، في مشهد يبدو مستوحى من "ملحمة الحرافيش" لنجيب محفوظ.

رسائل المؤسسة ليست كلها لطيفة


بعض الرسائل تكون تحذيرية؛ أن ضابط الشرطة (في لحظات الضغط) يمكن أن يقوم بتجاوزات. في مواجهة الضابط مع شاب نموذجي من شباب الثورة والفيسبوك، يتعسف ضده بلا مبرر قانوني لأن الشاب لم يقبل الإهانة، يتم تقديم هذه الجزئية ببساطة وعفوية، وهو ما يؤدي الغرض، وهو أن الكثير من الكلام عن الحقوق قد يؤدي بك لقضاء الليلة محتجزاً.

لكن سريعاً ما يصبح الاثنان صديقين، الشاب شهد جريمة قتل والضابط يساعده، الشرطة والشعب إيد واحدة. يستعين أهل القاتل بأمين شرطة فاسد، فيقوم بقتل الشاب وإلصاق التهمة بالضابط، وترى وزارة الداخلية أن "الوضع الجديد" يحتم محاسبته بصرامة، لكنه يهرب بصحبة رجل فقير تعرض للظلم، يصبح مطارداً من رفاقه، بينما يقوم أصدقاء الشاب القتيل بشن حملات شرسة ضده على فيسبوك.

الأحداث هندسة


كل هذه الأحداث استغرقت أقل من أسبوع مع الكثير من التشويق والمفاجآت، أيضاً هناك جماليات الشخصيات، يقدم الممثل والمغني دياب واحداً من أفضل أدوار أمناء الشرطة الفاسدين، حيث أطنان من الخسة والشر مخفية تحت طبقة رقيقة من الدهون على وجهه، ومحمود البزاوي في دور ضابط التفتيش الذي يطارد زميله، في دور هو الأول الذي يقدم الجانب البيروقراطي لعمل الشرطة المصرية.

المسلسل له بناء هندسي صارم، رحلة هروب الضابط تستغرق 5 حلقات من مأوى لآخر، حيث عليه مع رفيقه التعرف على نماذج متنوعة من المجتمع، كلهم تهددهم شرور الطرف الثالث؛ الأغنياء المتجبرين والفاسدين، ووسط هذا نرى جوانب أخرى من "جدعنة" الضابط رغم أزمته، الناس تحب الجدعنة.

في منتصف المسلسل بالضبط (الحلقة 15)، يبدأ الهارب في تبرئة نفسه، لكن لا يحدث شيء، فقط محطات هروب جديدة وشخصيات إضافية غير مثيرة، ويتباطأ المسلسل ككل الأعمال الرمضانية ذات الثلاثين حلقة، لكنه كان أفضلها حتى منتصفه.

الجمهور يحب الوضوح حتى لو كانت الدراما عن الغموض، ولهذا يجب أن يكون هدف المسلسل واضحاً لصنَّاعه. الفائز كان هدفه واضحاً من البداية، الجوانب الفنية والتقنية غير مهملة به، كما أنه لم يعشّم جمهوره باللعنة ثم تركهم في المؤامرة.

عرفت الآن لماذا تفوق "كلبش" على "كفر دلهاب"؟

علامات: