البطل الخيّر ينتصر في النهاية ويطيح بجميع الأشرار، ولكن الشرير هو من يعلق في ذهن المشاهد بعد نهاية العمل، كلماته، حركاته، نظراته، كل شيء.. هذا هو حال الأعمال الفنية التي يشاهدها الجمهور.
فالمشاهد يركز مع الشرير أكثر، لأنه الأكثر إبداعاً والأكثر بذلاً للمجهود الذهني والحركي والعصبي، والأكثر إبهاراً.
حتى أن الجمهور مازال يتذكر أشرار السينما المصرية أكثر من أي أحد آخر، بل ويعتبرهم في بعض الأحيان قدوة.
فلا أحد ينسى الشرير محمود المليجي صاحب المواقف الطريفة، والشرير توفيق الدقن الذي أصبحت كلماته بمثابة حكم وأقوال مأثورة فيما بعد، وخليفته عادل أدهم شرير العصر الحديث، وكذلك الشرير الظريف ستيفان روستي، فجميعهم ظلوا عالقين في ذاكرة المشاهد أكثر من الفنانين الذين أدوا أدوار الخير.
وفي دراما رمضان 2017، ظهر مجموعة من الفنانين الذين أدوا أدوار الشر في أعمالهم الدرامية، فكيف ظهر كلٌّ من هؤلاء؟.
هادي الجيار.. شيخ غفر الأشرار
الفنان الكبير هادي الجيار صاحب التاريخ الفني الكبير، أكثر من 170 عملاً فنياً متنوعاً، واقترب من إكمال النصف قرن في مجال الفن، ولكن بالرغم من ذلك مازال لديه الكثير ليقدمه، مازال لديه وجوه جديدة لم تظهر من قبل، وهو ما كشف عنه في مسلسل "كفر دلهاب".
في المسلسل الذي تدور فكرته في إطار فاتنازي في العصور الوسطى، داخل كفر دلهاب الذي حلت عليه لعنة بسبب قتل فتاة بريئة على يد 5 أشخاص وعدم القبض عليهم، وذلك لأنهم أولاد كبار الكفر، أحدهم ابن أغنى أغنياء الكفر، والآخر ابن القاضي وبينهم أيضاً ابن شيخ الغفر نفسه.
ومع توالي الأحداث يكشف لنا هادي الجيار عن وجه جديد لم يقدمه من قبل، وهو الحاكم الفعلي للكفر، حيث أنه يعلم القضية بالكامل من البداية وحاول التكتم عليها ولكنه لم يستطع بعد فضح الطبيب "يوسف الشريف" للأمر، وهنا يضطر شيخ الغفر الذي يضمر الشر بداخله إلى الاستسلام مؤقتاً للطبيب ومهادنته والإيحاء له بأنه في صفه حتى يتم إلصاق إحدى التهم به والتخلص منه، حيث فشلت محاولة إلصاق تهمة القتل به في المرة الأولى وشنقه.
هادي الجيار أبدع في تقديم شخصية شيخ الغفر، ولم يقدمها بالشكل المعتاد في الأعمال المصرية، والتي كانت تتسم شخصياتها بالعنف والاندفاع والاستبداد والتسلط المعلن، ولكن هادي الجيار جمع بين كل ذلك ولكنه احتفظ بهدوئه وحكمته، ففي العلن هو رجل الحق وحامي حمى الكفر، ولكن في الحقيقة هو شخص آخر، رجل يمسك جميع أطراف الخيوط في يده، يوزع رجاله للقيام بمهام خبيثة دون علم أحد ويخطط وهو يجلس في مكتبه لكل شئ، ويرسم البسمة على وجهه في وجه أعدائه، ويبرم الصفقات ويستغل نقاط ضعف أعدائه للحصول على ما يريد ومساومتهم، ولديه القدرة على استغلال جميع المواقف لصالحه، سواء كان كما هو مخطط لها أم عكس ما كان مخططاً لها.. الشرير كما تم رسمه في كتب الأساطير والحكايات.
دياب.. سبب مصائب الشرطة المصرية
"يجب إنهاء منظومة أمناء الشرطة".. هذه هي الجملة التي يكررها جميع الخبراء والمحللين الذين تتم استضافتهم في برامج التوك شو للتحدث عن الجرائم التي تقع للمواطنين على يد بعض رجال الشرطة المصرية، والتي يكون أغلبها على يد أمناء الشرطة وأقلها على يد ضباط، وهذا ما أوضحه مسلسل "كلبش".
في هذا المسلسل تم تلفيق عدد من التهم لبطل المسلسل أمير كرارة الذي يقدم دور ضابط في وزارة الداخلية، بعد تضافر عدد من الجهات ضده، ولكن كان المنفذ والسبب الأول لكل هذه المصائب التي وقع فيها أمير كرارة هو أمين الشرطة الذي يجسد دوره المطرب دياب، حيث كان سبباً في اتهام أمير كرارة بارتكاب جريمتي قتل.
دياب جسد دور أمين الشرطة الشرير كما يراه المواطنون المصريون في الشارع، ونجح في إتقان الدور لدرجة جعلت الجمهور يطالبه بالتركيز في التمثيل أكثر من الغناء، حيث أتقن طريقة تعامل أمناء الشرطة داخل الأقسام وسيطرتهم على كل ما يحدث بداخله أكثر من الضباط أنفسهم، وكذلك طريقة تعامله مع المجرمين في المنطقة التي يخدم بها، وسيطرته عليهم لتسيهل بعض الأمور لهم والحصول منهم على مزايا وخدمات.
وقد أتقن دياب الشخصية بشدة من حيث ملابسها وطريقة حديثه وتعامله مع من حوله، وحتى نظراته الخبيثة كان متحكماً فيها، وشخصيته الدنيئة التي تساوم على كل شيء للحصول على أي منافع.
محمد ثروت.. الشرير الكوميدي
الشرير الكوميدي الظريف، هو أكثر أنواع الأشرار التي يحبها المشاهد بل ويكون أكثر تعاطفاً معها، ذلك الشرير الذي لا تمل من شره ولا مقالبه المضحكة ولا من نكاته و"إفيهاته" الظريفة، وهذا هو نوع الشرير الذي يقدمه الفنان الشاب محمد ثروت في مسلسل "الـ لالا لاند".
محمد ثروت يقدم شخصية أحد الأشخاص المصابين بانفصام، وهو يعيش مع من حوله بشخصيتين، الأولى شخصية "فرج" الطيب الذي يتمنى الخير لمن حوله ويساعد الجميع ويتعاطف مع الضعفاء، والآخر "سي فرج" الشرير الذي يفرض سيطرته على الجميع ويفعل فيهم ما يريده.
التنقل ما بين شخصية الطيب "فرج" وشخصية الشرير "سي فرج" في نفس المشهد كان أحد أبرز الأحداث الكوميدية التي يشهدها مسلسل "الـ لالا لاند"، ولعل أبرزها ما فعله محمد ثروت عندما قدم مشهداً يتعارك فيه مع نفسه بصفته "فرج" و"سي فرج" في نفس اللحظة.
وتفنن محمد ثروت في تقديم شخصية الشرير الكوميدي، تلك النوعية المفتقدة في الدراما المصرية منذ سنوات، ونال إشادة الجمهور على أدائه من خلال مواقع السوشيال ميديا المختلفة، حيث يعتبر الوحيد الذي يقدم شخصية الشرير الكوميدي خلال موسم رمضان 2017، وساعده على التألق في تقديم الشخصية طبيعتها المختلفة، والملابس الكوميدية التي يرتديها بشكل دائم، ومصطلحاتها الكوميدية بشكل تلقائي.
أحمد فتحي .. الشر كما اخترعه السينمائيون الأوائل
وشهد المسلسل الكوميدي "لمعي القط" وجود شرير آخر كان مفاجأة للجميع، وهو الفنان الكوميدي أحمد فتحي، الذي يقدم أدوار الشر الجادة للمرة الأولى، حيث يظهر هذه المرة في دور زعيم عصابة تخطف أتوبيساً خاصاً بأحد المدارس وبداخله مجموعة من الأطفال، وذلك ليطلب فدية من أهلهم.
شخصية الشرير التي يقدمها أحمد فتحي على الرغم من أن بها لمحات كوميدية بشكل عام، ولكنها في الأساس شخصية شرير جادة، لا تعبث ولا تسخر كثيراً، ملامحها جامدة شرسة، والكوميديا الوحيدة التي تخرج من أحمد فتحي في هذه الشخصية هو في حالة سخريته من ابن عمه وذراعه الأيمن في العصابة محمود حافظ الذي يقدم شخصية "سرور"، المساعد الغبي الذي يتسبب دائماً في غضب زعيم العصابة.
أحمد فتحي قدم شخصية الشرير كما ظهرت في الأفلام العربية القديمة، ذلك الذي لا يتمتع بمميزات أو مهارات ولكنه يملك الرجال والسلاح فقط، وهو صاحب ملامح حادة مخيفة وليس لديه أي جوانب إنسانية، ولكن نهايته دائماً متوقعة، يظل مسيطراً على الوضع فترة ولكنه يقع في النهاية بسبب غياب الحلول.
محمد فراج.. المخادع
النماذج السابقة كلها كانت نماذج لأشرار واضحين ومباشرين، شخصيات كان يعلم المشاهد من البداية أنهم أشرار، فهم الطرف الآخر في صراع الخير والشر الدائم، وهم المبرر الدرامي الحتمي لوجود البطل، لذلك أعلنوا عن أنفسهم من البداية، وهذا على عكس محمد فراج.
فطبيعة مسلسل "الحصان الأسود" سمحت لأبطالها أن يظلوا غامضين لفترات طويلة، وجعلت المشاهد يتوه بينهم ولا يعلم من على حق ومن على باطل بسبب الغموض الكثير في القصة، ولكن الحلقة السادسة عشرة من المسلسل كشفت عن أحد أهم أشرار المسلسل، وهو محمد فراج الذي يجسد دور ضابط الشرطة الذي يقوم بالتحقيق في جريمة القتل التي يقوم عليها المسلسل، ليكشف عن نفسه في نهاية الحلقة لأحمد السقا، مؤكداً أنه هو ما قام بالجريمة لحساب آخرين وقام بإلصاقها بأحمد السقا حتى يكون كبش الفداء للتمويه على جريمة أكبر متهم فيها مجموعة من كبار رجال المال والنفوذ في الدولة.
محمد فراج أبدع في تقديم شخصيته التي تطورت على مراحل، ففي البداية أوهم الجميع بأنه مجرد ضابط شرطة غريب الأطوار وسيكوباتي إلى حد كبير، والسبب في ذلك والده الذي أجبره على دخول كلية الشرطة رغماً عنه، ثم تحول فجأة ليكشف عن وجهه الآخر "الشرير"، ويوضح كيف قام بتنفيذ جريمة القتل وإلصاق التهمة بأحمد السقا، وهو ما يفسر وصوله إلى الجثة سريعاً ووضع أدلة تدين أحمد السقا بجانبها.
قدم فراج واحدة من أفضل شخصياته خلال مشواره الفني القصير، ولكنها ستكون علامة مميزة جداً بالنسبة لأدائه الذي أشاد به مشاهدو المسلسل على مواقع التواصل الاجتماعي .. وهذا ليس كل شيء، فقد تسفر الأحداث القادمة عن اختلافات جديدة في الشخصية.
باسل خياط .. شرير من هوليود
في مكان آخر من الدراما يوجد باسل خياط، في درجة تمثيل أعلى وأكثر احترافية، في مكان مختلف عن الدائرة التي يدور فيها الآخرون، في كوكب آخر كما قال محبوه ومتابعوه في مسلسل "30 يوماً" الذي شهد ميلاده من أول وجديد في الدراما المصرية والعربية بصفة عامة.
باسل خياط قبل هذا المسلسل شيء وبعده شيء آخر، فهو بشهادة الجميع أفضل من لعب دور الشرير في السنوات الأخيرة على الشاشة، سواء في الدراما أو السينما على حد سواء، وذلك بعد أدائه الرائع في تقديم شخصية "توفيق" في المسلسل، وهو الشرير الشخص المجنون السيكوباتي الذي قرر إجراء تجربة نفسية على طبيب أمراض نفسية لمدة شهر، ليحقق مقولته التي قالها له "إزاي تقتل إنسان ويفضل عايش".
الفنان السوري نجح في تقديم شخصية "توفيق" ربما أفضل مما كان يحلم مؤلف العمل، هذا مقارنة بالإشادات التي انهالت عليه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي شبهه البعض خلالها بالنجم العالمي هيث ليدجر أثناء تقديمه لشخصية "الجوكر" في فيلم The dark knight ضمن سلسلة أفلام باتمان الشهيرة، حتى أن البعض رشحه ليكون أفضل ممثل في شهر رمضان.