الفن السينمائي الأكثر خصوصية

لقد سجل التاريخ عام 1896م للأخوين "أوجست ولويس لوميير" أنهما أول من فكَّ أسرَ الصورة من قيد الجمود إلى فضاء الحركة، وكانا أول مَن أبهر العالم بأفلامهما القصيرة في عفويتها وسيولتها دون قطع أو مونتاج، كان أمام الأخوين "لوميير" هدف واحد هو عرض الصور المتحركة على شاشة كبيرة، ومع مرور الوقت بدأت الجماهير تفقد اهتمامها بالسينما شيئاً فشيئاً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/20 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/20 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش

"كان يا ما كان، في قديم الزمان، يحكى أن الأفلام كانت لا تعرف القطع ولا المونتاج".

اختراع الحركة
لقد سجل التاريخ عام 1896م للأخوين "أوجست ولويس لوميير" أنهما أول من فكَّ أسرَ الصورة من قيد الجمود إلى فضاء الحركة، وكانا أول مَن أبهر العالم بأفلامهما القصيرة في عفويتها وسيولتها دون قطع أو مونتاج، كان أمام الأخوين "لوميير" هدف واحد هو عرض الصور المتحركة على شاشة كبيرة، ومع مرور الوقت بدأت الجماهير تفقد اهتمامها بالسينما شيئاً فشيئاً.

العصر الذهبي لفن المونتاج
أسلوب السرد
قام المخرج المسرحي الساحر جورج ميليه بصناعة فيلمه "سندريلا"1899م مستخدماً أسلوباً سردياً قصصياً في شرح القصة وربط الأحداث، والذي اعتبر حينها بمثابة خطوة ثورية فنية أضفت على السينما تحولاً تاريخياً جعلها تلتقط أنفاسها من جديد بعد أن كادت تموت.

البناء اللغوي للسينما
اكتشف "بورتر" أحد المصورين الأوائل الذين عملوا مع المخترع "أديسون" أن الطريقة السينمائية في رواية القصة لا تقوم على أساس المشاهد، بل على أساس ترتيب اللقطات، وبذلك اكتشف فن تركيب الفيلم "Editing" كبناء لغوي للسينما، ناقلاً فن المونتاج من فضاء المسرح الذي أسسه "جورج ميليه" إلى فضاء سينمائي حقيقي جديد.

مونتاج العلاقات
جاء "جريفث" من بعد "بورتر"؛ ليقدم اكتشافات هامة في فن المونتاج ويتفوق على كل من "ميليه" و"بورتر"، في نظرته إلى السينما؛ حيث وسَّع الشقة أكثر بين تكنيك الفيلم وأساليب المسرح، وأخذ يحرك ممثليه قريباً من الكاميرا، وبعيداً عنها، كما لم يفعل أحد من قبله، ونتج عن ذلك كله أن أعطى "جريفث" للمونتاج شكلاً جديداً تمثل في "التناوب بين اللقطات العامة والكبيرة"، كما رأى أيضاً أن القصة تتطلب عرضاً للعلاقات، وبهذا وضع جريفث القواعد الأساسية لفن المونتاج السينمائي، وهي القطع لأسباب مادية أو درامية، وفقاً للموضوع.

المونتاج البنائي
تقوم نظريته "بدوفكين" على أن كل مشهد يشتمل على مجموعة من التفاصيل لا يمكن للمتفرج أن يتبينها، إذا عرضت عليه ضمن منظر عام، والفيلم يملك الوسائل المحددة الفعَّالة التي يمكن بواسطتها توجيه اهتمام المتفرج إلى كافة التفاصيل من خلال فن المونتاج، وتتمثل تلك الوسائل في خمسة أشكال: "التناقض، التوازي، التماثل، الترابط، الفكرة المرددة".

الصراع المونتاجي
رأى "أيزنشتين" أنه إذا تم لصق قطعتين من الفيلم جنباً إلى جنب فإنهما تتحدان حتماً وينتج عن اتحادهما خلق تصور جديد، وهكذا توصل إلى فكرة الصراع المونتاجي "جرافيكياً بين محتوى اللقطات، الحجم، المكان، القيم الضوئية.. إلخ".

مرحلة تهميش المونتاج
الصوت
قام الأخوان "وارنر" عام 1926م بشراء حق أول وسيلة ناجحة للتزامن بين الصورة وبين الصوت المسجل على أسطوانات "Vita phone" وهو النظام الذي سجل بداية عصر السينما الناطقة، لقد كان لدخول عنصر الصوت أثر كبير في الفن السينمائي؛ حيث تسيد الموقف وانتزع السيادة من المونتاج، منهياً بذلك حقبة السينما الصامتة التي استمرت قرابة ثلاثين عاماً تربع خلالها المونتاج العرش الفني.

نظرية "عمق المجال"

تقوم نظرية "بازان" على السماح للحركة أن تتطور في وقت طويل، وعلى مستويات مكانية متعددة، وهنا تمكن من الوصول إلى الإحساس بتغير الأحجام والتكوينات، وبالتالي الوصول إلى ما يوازي المؤثر المونتاجي الرئيسي دون استخدام فعلي له.

الشاشات العريضة
مع بداية ظهور الشاشة العريضة "السينما سكوب" أدى ذلك من الناحية العملية إلى الإقلال من عملية استخدام المونتاج كأداة تعبيرية رئيسية، وذلك عبر توظيف عنصر الإيهام بالعمق واتساع الرؤية الذي توفره الشاشات العريضة على حساب المونتاج.

عودة المونتاج
حركة الموجة الجديدة
إذا كان مقدم الشاشات العريضة قد قلص من مدى حرية السينمائي في توظيف المونتاج بدرجة أو بأخرى، فإن مخرجي حركة "الموجة الجديدة" قد برهنوا على أن فن المونتاج ما زال يمثل وسيلة تعبيرية مثلى وأصيلة.

تقوم فلسفة هذه الحركة على الجمع بين الاختزال والإيجاز والتعامل الجريء مع الوحدة الزمانية والمكانية، عن طريق نسف فكرة الخط الروائي؛ ليكون الفيلم مليئاً بالصدمات بكافة أنواعها وبأشكال جديدة؛ ليحث دائماً عن عكس ما يتوقعه المتفرج، وذلك بتوظيفهم الإبداعي لفن المونتاج.

المونتاج في السينما المعاصرة
تبنى "لي بوكر" في كتابه "صنع الأفلام من السيناريو إلى الشاشة" أن المونتاج قد عاد ليلعب دوراً مرموقاً في السينما المعاصرة، معللاً أن جمهور السينما المعاصرة أصبح يتطلع إلى الصورة النهائية التي تشوقه إلى ما هو قادم، وتفاجئه عبر أسلوب ينطلق من قاعدة مونتاجية، يتبناه في الوقت الحاضر المخرج الأميركي الظاهرة "ستيفن سبيلبرغ".

كما أن فيلم "اثنا عشر رجلاً غاضباً" للمخرج "سيدني لوميت" شكَّل بين النقاد والجماهير علاقة سينمائية مثيرة؛ ذلك لأن هذا الفيلم لا يقبل الجدل والشك أن نجاحه ارتكز بالدرجة الأولى على براعة المخرج في توظيفه للمونتاج على مدار الخمس والثمانين دقيقة مع الاحتفاظ بعنصر التشويق سائداً طوال الفيلم كله في مكان واحد!

فن المونتاج -من وجهة نظري- لا زال يعد الركيزة الأساسية في اللغة السينمائية، فهو خلاق للحركة، والإيقاع، والأفكار، والمعاني، والعواطف أكثر من أي فن آخر، في نفس الوقت هذا لا يعني التقليل من أهمية القيم الجمالية للفنون الأخرى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد