قد لا يكون له نفس شهرة الأميركي كوينتن تارانتينو أو البريطاني كريستوفر نولان، ولا يمتد مشواره الفني لأكثر من 40 عاماً مثل الأميركي مارتن سكورسيزي، وستيفن سبيلبرغ، لكنه استطاع أن يبرهن على أنه واحد من أفضل مخرجي السينما في القرن الـ21، ويثبت مدى عبقريته من خلال أفلامه، إنه المخرج الكندي الموهوب دينيس فيلنوف.
قد لا تعرفه شكلاً، وقد تكون سمعت اسمه مرة أو مرتين على الأكثر، لكنك بالتأكيد شاهدت بعضاً من أفلامه، وإن لم تكن تلك الأفلام في قوائم أفلامك السينمائية المفضلة، فعلى الأقل علقت تلك الأفلام في ذهنك.
إذ أخرج فدينيس فيلنوف مجموعة من أفضل أفلام هوليوود في السنوات الأخيرة؛ منها: Enemy Prisoners، و Sicario، وأخيراً Arrival الذى حقق نجاحاً جماهيرياً مبهراً، ونقدياً أيضاً.
ومن المحتمل أن تكون 2017 ، سنة الحظ لفيلنوف، وينال شرف الفوز بالأوسكار لأول مرة، وذلك عن فيلم الخيال العلمي Arrival، للنجمة آيمي آدمز، وجيرمي رينر، وفوريست ويتكير، والذى يُعرض حالياً في الولايات المتحدة والعالم.
وفي السطور القادمة، سنستعرض معكم مشوار فيلنوف الفني المليء بالأفلام المميزة والجوائز.
التسعينات: بداية واعدة لمخرج طموح
وُلد فيلنوف بمقاطعة كيبيك بكندا في 3 أكتوبر/تشرين الأول عام 1967، وكان والده محامياً، أما والدته فكانت ربة منزل. ودرس فيلنوف صناعة الأفلام بجامعة كيبيك في مونتريال بكندا، وهو متزوج بالصحفية تانيا لابوينت.
في بداية مشواره الفني، عمل دينيس فيلنوف في إخراج الأفلام القصيرة، واستطاع من خلالها إثبات ذاته، وحصل على جائزة الإذاعة الكندية للأفلام الشبابية عام 1991.
وفي عام 1996، شارك فيلنوف مع مجموعة من المخرجين الشباب في إخراج فيلم يُدعى Cosmos، المكوَّن من 6 أفلام قصيرة، وكل فيلم منها له مخرج خاص به ، والقاسم المشترك بين تلك الأفلام هو مهاجر يوناني لكندا يعمل سائق تاكسي، وتتقاطع حياة هذا السائق بأبطال كل تلك الأفلام.
الفيلم لقي ترحيباً من النقاد، واختير لتمثيل كندا رسمياً في ترشيحات الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لعام 1996، ولكنه لم يستطع الوصول للقائمة النهائية للجائزة. كما ترشح الفيلم لجائزة جيني لأفضل فيلم كندي لعام 1996، ولكنه خسرها.
ويعتبر عام 1998، البداية الحقيقية لفيلنوف، إذ أخرج أول فيلم طويل له بعنوان August 32nd on Earth، وتدور قصة الفيلم حول سايمون التي تتعرض لحادث سيارة مروع، ولكنها تنجو من الحادث دون إصابة، ثم تقرر أن تترك عملها، وتتواصل مع صديق قديم لها؛ كي يتزوجا ويساعدها في تربية ابنها.
وعلى الرغم من وجود بعض النقاط السلبية في سيناريو الفيلم، فإن النقاد أثنوا على إخراج فيلنوف، بجانب التمثيل وموسيقى الفيلم، وقد وقع الاختيار على الفيلم ليمثل كندا في ترشيحات الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 1998، ولكن الفيلم لم يصل للقائمة النهائية للجائزة، كما ترشح الفيلم لعدد من الجوائز؛ أهمها: جائزة Un Certain Regard بمهرجان كان عام 1998.
العقد الأول للألفية: النضوج الفني
بدأ فيلنوف يثبت أنه مخرج غير تقليدي، واستطاع جذب انتباه النقاد والجمهور من خلال فيلمه Maelstrom، من إنتاج عام 2000، والذي تدور قصته حول ببيان (ماري جوزيه كروز)، التي تعاني الاكتئاب، والإحباط، وإدمان المخدرات بعد أن قامت بعملية إجهاض، وكيف تحولت حياتها إلى فوضى لا متناهية، ثم تدخل في علاقة مع أحد الأشخاص، والذي تتصور أنه سينقذها من بؤسها.
ما يجعل Maelstrom مختلفاً، هو تفرّد طريقة سرد قصة الفيلم؛ التي ترويها سمكة، كما ميزته القضايا التي يناقشها من فكرة المظهر الزائف الذي تمتلكه البطلة، الذي يجعل حياتها سهلة ومُيسرة ظاهرياً، ولكن في الحقيقة حياتها منهارة، وغير ذلك من الأمور الفلسفية.
الفيلم حظى بإشادة كبيرة من النقاد، كماترشح للعديد من الجوائز، وفاز بجائزة جيني لأفضل فيلم كندي عام 2000، كما حصل على تقييم 7.2 على موقع Imdb، و80% على موقع Rotten Tomatoes.
وبعد توقف دام 9 سنوات؛ للتعمق أكثر في دراسة الإخراج السينمائي وكتابة السيناريو، عاد فيلنوف عام 2009 بفيلمه المأساوي Polytechnique، والذي يوثق المجزرة التي حدثت عام 1989 بمدينة كيبيك الكندية، عندما قام مارك ليبين بقتل 14 فتاة بمدرسة بولينتيك للهندسة في جامعة مونتريال، والتي عُرفت فيما بعد بـ"مجزرة مونتريال".
أثنى النقاد على الفيلم؛ خاصةً لتوثيقه الحيادي لأحداث المجزرة، وتجسيد تلك الأحداث بمنتهى الواقعية. وفاز الفيلم بجائزة جيني لأفضل فيلم كندي عام 2009، كما حصل على جوائز أخرى، كما حصل الفيلم على تقييم 7.3 على موقع imdb، و85% على موقع Rotten Tomatoes.
العقد الثاني للألفية: صناعة التحف الفنية
العقد الثاني من الألفية شهد تفجّر مواهب دينيس فيلنوف، وإبداعاً لا متناهياً في أفلامه، والبداية كانت مع الفيلم، شديد التميز، Incendies، إنتاج عام 2010، والذي وضع فيلنوف على خريطة أفضل مخرجي السينما العالمية.
تدور أحداث Incendies حول نوال مروان (لبنى أزابال)، الأم المتوفية ذات الأصول العربية، والتي دمرت الحرب الأهلية بلدها، حيث تترك نوال لولديها الاثنين وصية واجبة التنفيذ، وهى البحث عن والدهما وأخيهم، وخلال عملية البحث، يكتشف الأخوان الكثير من الحقائق الصادمة عن ماضي والدتهما. الفيلم مأخوذ عن مسرحية، تحمل الاسم نفسه، للكاتب اللبناني وجدى معوض.
استقبل النقاد الفيلم بالمديح الذي يستحقه الفيلم ؛ وخاصة بسبب تجسيد العمل فظائع الحرب الأهلية، كما حقق شعبية مبهرة، وصنّفته العديد من المجلات والجرائد كواحد من أفضل أفلام عام 2010، كما ترشح الفيلم لأكثر من جائزة كبرى؛ أهمها: أوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام 2010، ولكنه لم يفز بها، كما فاز بـ8 جوائز جيني، من ضمنها جائزة أفضل فيلم كندي لعام 2010، والفيلم حاصل على تقييم 8.2 على موقع Imdb، و92% على موقع Rotten Tomatoes.
وفي عام 2013، قدم فيلنوف تحفتين فنيتين لا يمكن نسيانهما، فأخرج فيلم Prisoners لهيو جاكمان، وجيك جالينهال، ثم فيلم Enemy لجيك جالينهال، أيضاً، واللذين حققا شعبية كبيرة.
فيلم Prisoners تدور قصته حول اختطاف الابنة الصغرى لكيلر دوفر (هيو جاكمان)، وابنة صديقه فرانكلين (تيرنسي هوارد)، ويرصد الفيلم التحقيقات التي قام بها المحقق لوكي (جيك جالينهال)؛ في سبيل البحث عن خاطف الفتاتين. وعندما يقوم لوكي بالقبض على أليكس جونز (بول دانو)، المشتبه به في خطف الفتاتين، ولكنه لا يجد أدلة كافية على تورط أليكس، فيطلق سراحه. لكن كيلر دوفر (جاكمان) يقرر تطبيق العدالة بنفسه، فيقوم بخطف أليكس وتعذيبه؛ حتى يخبره بمكان خطف الفتاتين؛ وذلك لعدم قناعة كيلر ببراءة أليكس.
الفيلم لاقى استحسان النقاد؛ لتسليطه الضوء على واحدة من أعقد القضايا الأخلاقية، حيث تحول كيلر دوفر من شخص يبحث ابنته المختطفة، إلى مجرم شخص يقوم بالخطف والتعذيب، كما أثنى النقاد على أداء جاكمان وجلينهال، وإخراج فيلنوف المتميز للفيلم، وترشح الفيلم لأكثر من جائزة، أهمها أوسكار أفضل تصوير سينمائي، والفيلم حاصل على تقييم 8.1 على موقع Imdb، و81% على موقع Rotten Tomatoes.
أما فيلم Enemy، فتتمحور قصته حول آدم بيل (جيك جالينهال)، مدرس التاريخ ذي الحياة الروتينية المملة، الذي يشاهد فيلماً، وإذ به يجد ممثلاً على درجة كبيرة من الشبه به، وهذا الممثل يُدعى "أنتونى كلير". يقوم آدم بالبحث عن ذلك الممثل، حتى يجده فعلاً، ويتقابلان. وهنا، تنقلب حياة كل منهما رأساً على عقب. الفيلم مأخوذ عن رواية تحمل اسم The Double، للأديب البرتغالي، الحاصل على نوبل للآداب، جوزية سارماجو.
فيما رحب النقاد بالفيلم بشكل إيجابي، وأثنوا على أداء جالينهال، والإخراج الرائع لفيلنوف، الذي استطاع وضع المشاهد في حيرة من أمره، هل فعلاً يوجد شخصيتان نسخة طبق الأصل (آدم وأنتوني)؟ أم أن هذا مجرد هلاوس أو أوهام من لا وعى آدم؟ بجانب الإسقاط الفلسفي وراء قصة الفيلم. والفيلم حاصل على تقييم 6.9 على موقع Imdb، و75% على موقع Rotten Tomatoes.
كما قدم فيلنوف واحداً من أفضل أفلامه وأكثرها إثارة للجدل، عام 2015، وهو فيلم Sicario، لإيميلي بلانت، وبينيثيو ديل تورو، وجوش برولين، الذي ترتكز قصة Sicario حول عميلة الـFBI كيت ميسر (إيميلي بلانت)، التي تؤمن بمثاليات وأخلاقيات لا وجود لها على أرض الواقع، حيث تجد نفسها مشارِكة في إحدى المهام الأمنية العصيبة؛ للقضاء على عصابات تهريب المخدرات بالمكسيك، خاصةً بعد أن تسببت تلك العصابات في قتل زملاء لها في أحد العمليات الأمنية. وفي أثناء تأدية المهمة، تكتشف كيت الكثير من الحقائق التي تجعلها ترى الجانب الأسود والواقعي من عمل قوات الأمن، وأنه لا يوجد خطوط واضحة المعالم بين ما هو صحيح أخلاقياً، وما هو خطأ.
الفيلم تلقى مديحاً منقطع النظير من النقاد والجمهور، وأثنى النقاد على التمثيل الرائع لكل من: بينيثيو ديل تورو، وإيميلي بلانت، بجانب التصوير السينمائي المميز، وموسيقى الفيلم التصويرية، وبالطبع الإخراج الأكثر من رائع لدينيس فيلنوف. ومن أكثر النقاط إشادةً بها، الفلسفة الأخلاقية وراء الفيلم.
ترشح الفيلم لعدد ضخم من الجوائز، منها 3 جوائز أوسكار، ولكن لم يحالفه الحظ في الفوز بها. والفيلم حاصل على تقييم 7.6 على Imdb، و94% على Rotten Tomatoes.
نجاح فيلم Arrival
تدور قصة Arrival حول لويس بانكس (آيمي آدمز)، عالمة اللغويات، والتي يتم الاستعانة بها؛ من أجل التواصل مع مجموعة من الكائنات الفضائية التي تغزو الأرض بمركباتها. وفي سبيل إنقاذ البشرية، تقوم لويس بمهمة معقدة، تهدد حياتها وحياة البشرية جمعاء؛ في سبيل التواصل مع أولئك الفضائيين، وإنقاذ الأرض.
الفيلم لاقى مديحاً عالمياً، فكل من شاهد الفيلم أثنى عليه، على الرغم أن قصة الفيلم تبدو تقليدية من الوهلة الأولى، إلا أن الفيلم تعامل مع فكرة الغزو الفضائي بمنظور مختلف، ونجح فيلنوف في تسليط الضوء على نقاط إنسانية شديدة التعقيد، والجمال في آن واحد، ومن أهم ما أشاد به النقاد، التمثيل الرائع لآيمي آدمز، بجانب الإخراج العبقري لفيلنوف، بالإضافة لتميز موسيقى الفيلم، وتصويره.
الفيلم ترشح لعدد كبير من الجوائز، خاصة في فئات: أفضل تمثيل، وإخراج، وموسيقى، وتصوير سينمائي، وأفضل فيلم. ومن أهم الجوائز التي ترشح لها الفيلم: جائزتا غولدن غلوب، و10 جوائز لاختيار النقاد، وغيرها من الجوائز، وهناك الكثير من التوقعات أن يترشح الفيلم لأكثر من جائزة أوسكار هذا العام. والفيلم حاصل على تقييم 8.3 على Imdb، و94% على Rotten Tomatoes.
دينيس فيلنوف يخلف ريدلي سكوت في Blade Runner 2049
وفي 2017، يقدم فيلنوف الفيلم الذي طال انتظاره لسنوات، إنه فيلم Blade Runner 2049، وهو الجزء الثاني من فيلم الخيال العلمي الشهير Blade Runner، والذي تم إنتاجه عام 1982. والفيلم من بطولة: رايان جوسلنج، وهاريسون فورد، وجاريد ليتو.
تدور أحداث الفيلم بعد 30 سنة من أحداث الجزء الأول، حيث يعثر الضابط بشرطة لوس انجليس الأمريكية K (رايان جوسلنج) على سر خفي لسنوات، وإذا تم كشف هذا السر، فستسود المجتمع حالة من الفوضى. وهذا السر يجعل K يقوم بالبحث عن ريك ديكارد (هاريسون فورد)، والذي كان مختفياً لمدة 30 عاماً، وتحدث مواجهة بين الاثنين.
بعد عدة محاولات فاشلة لكتابة وإنتاج الجزء الثاني من Blade Runner، أخيراً، سيخرج هذا الجزء من الفيلم للنور في أكتوبر 2017، وسيقوم فيلنوف بإخراج الفيلم، أما ريدلي سكوت، مخرج الجزء الأول، فأصبح منتجاً تنفيذياً للفيلم.