قبل أن يصيروا أعظم المخرجين، وتقترن أسماؤهم بأعظم التحف الفنية في تاريخ السينما، وقبل أن تتهافت عليهم شركات الإنتاج السينمائي، ويسعى أشهر النجوم لنيل رضاهم؛ حتى يفوزوا بدور، ولو بسيط، في أفلامهم، لم يكن طريقهم ممهداً؛ بل ذاقوا الأمرَّين من أجل أن يصنعوا لأنفسهم اسماً، وسمعة خالدة.
فمع ميزانيات محدودة، وإمكانات ضئيلة، من معدات تصوير، إلى إضاءة رخيصة، لممثلين هواة، غير محترفين، وأدوات غير كافية لإتمام الفيلم على أكمل وجه، كافحوا حتى تخرج أول أفلامهم للنور، ويراها الجمهور. منهم من بدأ مع الأفلام الوثائقية، ومنهم من بدأ مع صناعة الأفلام القصيرة، ولكن عندما قرروا احتراف إخراج الأفلام الطويلة، لم يكن طريقهم مفروشاً بالورود.
بعضهم نجح في أول تجربة لإثبات ذاته، وتمكّن من وضع بصمة مميزة له في السينما، وبعضهم لم يحالفه في المحاولة الأولى في إثبات موهبته، لكن ذلك لم يثبّط عزيمتهم، وكرروا محاولاتهم كثيراً، إلى أن وصلوا للعالمية، وحصد الجوائز.
القائمة القادمة تحتوي على وصف لأولى تجارب أعظم المخرجين في تاريخ السينما العالمية، وكيف كافحوا، وتعبوا من أجل صناعة أول أفلامهم. أفلامهم الأولى ليست دائماً عظيمة، لكنها أعطت الانطباع بعبقرية فذة تحتاج فقط لبعض الوقت؛ حتى تصنع تحف فنية. وإليكم القائمة:
ستيفن سبيلبرغ
نبدأ قائمتنا بواحد من أعظم المخرجين في تاريخ السينما، والحاصل على جائزتي أوسكار في فئة أفضل إخراج، مخرج الروائع مثل: Jaws، وSchindler's List، وSaving Private Ryan، إنه المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ. عمل سبيلبرغ مخرجاً للأفلام القصيرة، بجانب إخراجه بعض حلقات المسلسلات التلفزيونية الشهيرة في أواخر الستينات مثل The Name of The Game، وغيرها، قبل أن يقوم بإخراج أول فيلم طويل له، وهو فيلم Duel عام 1971.
الفيلم يدور حول دافيد مان (دينيس ويفر)، رجل المبيعات الذى يقوم بالسفر في رحلة عمل، وإذ به يجد نفسه مُطارَداً من سائق مقطورة، وكلما حاول دافيد الفرار من ذلك السائق، يفشل في ذلك. فيلم Duel هو فيلم تلفزيوني، وكتب سيناريو الفيلم (ريتشارد ماتيسون)، والسيناريو مأخوذ عن قصة قصيرة، كتبها أيضاً، والفيلم تم إنتاجه لشبكة ABC الأميركية، بميزانية 450 ألف دولار.
ورغم أنه أولى تجارب سبيلبرغ الإخراجية، والفيلم تلفزيوني وليس سينمائياً، ورغم أيضاً ميزانية الفيلم المحدودة، فإن الفيلم حقق نجاحاً مبهراً، فتم عرض الفيلم سينمائياً في أوروبا، والفيلم حاصل على تقييم 87% على موقع Rotten Tomatoes، وحاصل على تقييم 7.7 على موقع IMDB، ويصنفه الكثير من النقاد على أنه واحد من أعظم الأفلام التلفزيونية التى تم إنتاجها، وفاز الفيلم بجائزة غولدن غلوب كأفضل فيلم تلفزيوني، كما حصل على جائزتي إيمى. والفيلم صنع أسطورة سبيلبرغ، وساعده على الحصول على فرصة إخراج أفلام ذات ميزانية أكبر، وإمكانات أعلى، وكانت النتيجة إخراجه الفيلم العظيم Jaws عام 1975.
مارتن سكورسيزي
واحد من عباقرة السينما، ومخرج أفضل الأفلام في تاريخ هوليوود مثل: Taxi Driver، و Casino، و The Departed، إنه المخرج الأميركي العظيم مارتن سكورسيزي. كان أول أفلام سكورسيزي هو فيلم قصير بعنوان "Vesuvius VI"، أخرجه سكورسيزي في أثناء دراسته عام 1959، والفيلم يدور حول محققيْ جرائم في مدينة لوس أنجليس الأميركية، يقعان في حب النساء.
ولكن أول فيلم طويل من إخراج سكورسيزى هو فيلم Who's That Knocking at My Door، يدور الفيلم حول J.R (هارفى كيتل)، الشاب الذى يقع في غرام فتاة، ويرغب في الزواج بها، ولكنه يكتشف أنه تم اغتصابها من قبلُ، فيُحجم عن فكرة زواجه بها. كتب سكورسيزي سيناريو الفيلم أيضاً، والفيلم تم إنتاجه عام 1967، بميزانية لا تتعدى الـ75 ألف دولار.
الفيلم استغرق تصويره عدة سنوات، وتغير اسمه أكثر من مره، وقصته نفسها خضعت للكثير من التعديلات، فالفيلم بدأ تصويره عام 1965، وعُرض لأول مرة في مهرجان شيكاغو السينمائي عام 1967 تحت اسم I Call First، ثم تغير اسم الفيلم إلى Who's That Knocking at My Door عندما عُرض الفيلم بصالات العرض عام 1968.
لاقى الفيلم إشادة، ومديحاً من النقاد، وأثنى عليه الكثيرون، خاصة أن قصة الفيلم التى تعكس حجم الصراع النفسي لدى بطلJ.R. ، والفيلم حاصل على تقييم 71% على موقع Rotten Tommatoes، و 6.8 على موقع IMDB، وكان الناقد السينمائي الشهير (روجر إيبريت) من أهم النقاد الذين أثنوا على الفيلم، وفاز الفيلم بجائزة أفضل فيلم في مهرجان شيكاغو السينمائي الدولي عام 1967.
أحد مشاهد فيلم Who's That Knocking at My Door
ريدلي سكوت
إذا كنت من عشاق السينما، فعلى الأقل واحد من أفلامه في قائمة أفضل الأفلام التى رأيتها في حياتك، إنه المخرج الإنكليزي الكبير ريدلي سكوت، مخرج الأفلام الملحمية التى لا تُنسى مثل Gladiator، و Blade Runner، وBlack Hawk Dawn، و American Gangsterوكانت أولى تجارب سكوت الإخراجية فيلم The Duellists عام 1977.
تدور قصة الفيلم حول ضابطين فرنسيين في الحقبة النابليونية، وهما دي هوبريت (كايتس كارادين)، وفيرود (هارفى كيتل)، حيث تنشأ بينهما عداوة؛ نتيجة لإهانة أحدهما الآخر، وتستمر العداوة بينهم سنوات؛ وتتسبب تلك العداوة في قيام الاثنين بالعديد من مباريات المبارزة بالسيف؛ حتى يثبت كل منهما أنه أفضل من الآخر.
كتب سيناريو الفيلم (جيرالد فوجن هيوز)، والفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة بنفس الاسم للكاتب البولندي (جوزيف كونراد)، وكتب كونراد قصته بناء على قصة حقيقية بنفس التفاصيل مع تغيير أسماء الضباط فقط، وتم إنتاج الفيلم بميزانية 900 ألف دولار.
تلقّى الفيلم إشادة كبيرة من النقاد، ومدحه الكثيرون، وأكثر ما تم الثناء عليه في الفيلم هو الدقة التاريخية في تجسيد القصة، ودقة تصميم الديكورات، والملابس الخاصة بالحقبة النابليونية، بجانب، بالطبع، براعة سكوت الإخراجية، لرغم كونها أولى تجاربه في الإخراجية. والفيلم حاصل على تقييم 91% على موقع Rotten Tommatoes، وعلى تقييم 7.5 على موقعIMDB .
ترشّح الفيلم لجائزتى بافتا، وترشح لجائزة السعفة الذهبية (أفضل فيلم) في مهرجان كان السينمائس عام 1977، كما فاز سكوت بجائزة أفضل تجربة إخراجية أولى لمخرج في مهرجان كان، كما ترشح الفيلم لجوائز أخرى.
كوينتن ترانتينو
إذا شاهدت فيلما كلُّ أبطاله يُقتلون، فاعلم أنه فيلم من إخراج الظاهرة كونتن ترانتينو، صاحب البصمة التى لن تُنسى في تاريخ السينما من خلال تحفه الفنية مثل: Pulp Fiction، و Inglourious Bastards، و Django Unchained ، وكانت أولى تجاربه الإخراجية عام 1992 بفيلمه العبقري Reservoir Dogs.
تدور قصة الفيلم حول عصابة تستعد للقيام بعملية سرقة للماس من أحد محلات الجواهر، وتمت تسمية كل واحد من أفراد العصابة بأسماء مستعارة للتخفّي، وكانت العملية مُحكمة التخطيط، إلى أن جاءت الشرطة وقت تنفيذ العملية، وحدث تبادل لإطلاق النار، وقُتل فردان من العصابة، والباقون ذهبوا لأحد المستودعات، وبدأوا بتبادل الاتهامات حول هوية الخائن بينهم، والذى قام بفضح العملية للشرطة. كتب تارنتينو سيناريو الفيلم، وتم إنتاجه بميزانية مليون و200 ألف دولار.
كانت خطة تارنتينو، في البداية، أن ينتج الفيلم بميزانية 30 ألف دولار فقط، ويستعين بمجموعة من أصدقائه للتمثيل في الفيلم، في الوقت الذى كان فيه تارنتينو ما زال يعمل في أحد محلات تأجير شرائط فيديو للأفلام، ولكن من خلال صديقه المنتج (لورانس بيندر)، نجح تارنتينو في توصيل نص سيناريو الفيلم للممثل الكبير (هارفي كيتل)، والذى أُعجب جداً بالسيناريو، وقرر المشاركة في إنتاج الفيلم، فارتفع سقف ميزانية الفيلم لمليون و200 ألف دولار، وكان هارفي واحداً من أبطال الفيلم.
لم تحظ أول تجربة إخراجية بثناء، ومدح نقدي مثلما حدث مع Reservoir Dogs، فالفيلم يُصنف على أنه واحد من أعظم الأفلام المستقلة في تاريخ السينما، وأكثر ما تم الثناء عليه هو السرد الملتوي لقصة الفيلم، وتفاصيله؛ بل يمكن القول إن طريقة سرد قصة Reservoir Dogs هي التي أطلقت العنان للعديد من الأفلام التي استخدمت هذا الأسلوب الفريد، فيما بعد. وأُشيد أيضاً بالأداء التمثيلي المتميز، وحظي الفيلم بتقييم 90% على موقع Rotten Tommatoes، وتقييم 8.4 على موقعIMDB ، كما ترشح الفيلم للعديد من الجوائز. ونجح الفيلم جماهيرياً وحقق إيرادات hقتربت من 3 ملايين دولار في أميركا.
كريستوفر نولان
أفضل مخرجي هوليوود، وأنجحهم في القرن الـ21، وأفلامه الأكثر شعبيةً، وتحقيقاً للإيرادات، إنه المخرج الإنكليزي كريستوفر نولان، مخرج أفضل أفلام هوليوود في السنوات الأخيرة؛ مثل: Inception، وThe Dark Knight، و Mementoوكانت أولى تجاربه الإخراجية عام 1998 بفيلمه Following.
تدور قصة الفيلم حول شابٍ، أهم هواياته مراقبة الناس، ومتابعة تحركاتهم؛ كل يوم يلتقط وسط الزحام شخصاً، ويقرر أن يراقب كل أفعاله، وتحركاته لنهاية اليوم، وبعد ذلك يتركه، وهكذا يومياً، إلى أن يتورط مع ضابط محتال، وحبيبته، ويجد نفسه في مأزق. بالإضافة للإخراج، قام نولان بكتابة سيناريو الفيلم، وتصويره، وشارك في إنتاجه، والمونتاج. وتكلف إنتاج الفيلم 6 آلاف دولار فقط، وحقق إيرادات في السينما قاربت الربع مليون دولار.
واجه نولان الكثير من الصعوبات حتى يُخرج الفيلم للنور، فمحدودية ميزانية الإنتاج، وعدم وجود كاميرات متطورة، وآلات إضاءة غير كافية، وعدم وجود ممثلين محترفين، حيث استعان نولان بأصدقائه، الذين كانوا يعملون وقتها بدوام كامل، من أجل القيام ببطولة الفيلم، كل ذلك مثّل عقبات كبيرة في طريق نولان لإنتاج الفيلم.
تلقى الفيلم إشادة كبيرة من النقاد، حيث اعتبروه محاولة أولى جيدة بالنسبة لنولان وقتها، ورُشح الفيلم للعديد من الجوائز، وفاز نولان بجائزة أفضل مخرج في أكثر من مهرجان سينمائي عن إخراجه للفيلم. والفيلم حاصل على تقييم 78% على موقعRotten Tomatoes ، و7.6 على موقع IMDB.
ستانلى كوبريك
أعظم مخرجي السينما على الإطلاق، وأغلب المخرجين ينظرون له على أنه مثَلهم الأعلى في الإخراج السينمائي، إنه العظيم ستانلي كوبريك، مخرج الروائع مثل: 2001A Space Odyssey ، و A Clockwork Orange، و Dr. Strangelove، وغيرها من الأعمال العظيمة. وكانت أولى تجارب كوبريك الإخراجية فيلم Fear and Desire عام 1953.
تدور قصة الفيلم في زمان ومكان غير مُحدَّديْن، وهناك حرب خيالية دائرة بين دولتين مجهولتين، حيث تحطمت طائرة عسكرية كانت تنقل 4 جنود، ونجح الجنود في النجاة من تحطم الطائرة، ولكنهم سقطوا خلف خطوط العدو، ووضعوا خطة للهروب، لكن الخطة تفشل، ويتم اكتشافها. كتب سيناريو الفيلم (هاورد ساكلر)، صديق كوبريك بالدراسة. وبجانب الإخراج، قام كوبريك بمهام التصوير، والمونتاج، وإنتاج الفيلم. وتكلفت ميزانية الفيلم 53 ألف دولار.
بعد أن قام كوبريك بإخراج فيلمين قصيرين في عام 1951؛ الفيلمان هما: Flying Padre، و Day of The Fight، قرر كوبريك أنه حان الوقت لإخراج أول أفلامه الطويلة، فطلب من هاورد ساكلر كتابة الفيلم، واستعان كوبريك بمساعدة أقاربه؛ لجمع الأموال اللازمة لتمويل إنتاج الفيلم.
عندما عُرض الفيلم، ورغم عدم تحقيقه نجاحاً جماهيرياً، فإنه تلقّى إشادة إيجابية من النقاد، وأُثني على فكرة الفيلم التى تدور حول أهوال الحرب، وتأثيرها السلبي على الجنود. الفيلم حاصل على تقييم 83% على موقع Rotten Tomatoes، و5.6 على موقعIMDB .
ولكن رغم احتفاء النقاد بالفيلم، فإن كوبريك كره هذا الفيلم بشدة؛ بل ووصفه بأنه "فيلم هواة غير مُصقل"، وهو ما جعل كوبريك يسعى طوال حياته لعدم عرض الفيلم في أي دور عرض، وجمع كل نسخ الفيلم، ومع ذلك، بقيت بعض نسخ الفيلم، التي أفلتت من يد كوبريك.