ربما لا يكاد يُصادف أحدُنا مشهداً من مشاهد الأوبرا إلا ويَنصرف عنه سريعاً، ربما للُّغة التي تُصاغ بها الأوبرا، والتي تُعتبر غير مفهومة للكثيرين، أو ربما لأن البعض لا يُحبّذ رتابة الألحان أو ما يُعتقد أنه "صُراخ" غير مبررٍ لمغنيها.
كارمن وبيزيه
كارمن في الأصل هي رواية للروائي والمؤرخ الفرنسي "بروسبر مريميه"، أنهاها عام 1845، وبعد ثلاثين عاماً قدّمها للأوبرا الموسيقار الفرنسي "جورج بيزيه"، رائد الأوبرا الواقعية الفرنسية.
لم تُقابَل "أوبرا كارمن" بالاحتفاء، كونها كانت نوعاً جديداً من الأوبرا، يهتم أكثر بالحوار والتعبير والواقعية، ولا يغفل استعراض السيمفونيات والجمل اللحنية.
ونبذت دوائر النُقّاد أعمال بيزيه بصفتها بعيدة عن روح الأوبرا، كما أنها تُقدم تصويراً مُخلّاً ومُبتذلاً لهذا النوع من الفن؛ ففي القرن الـ18 لم يكن مسموحاً للنساء بتدخين السجائر والاشتباك بالأيدي وإظهار الغواية في المسارح والأماكن العامة، وهو ما يتنافى مع السَّرد البنائي لأوبرا كارمن.
تُوُفّي "بيزيه" في الـ37 من عمره، بعد سنة واحدة من إنهاء "كارمن" وعدم السماح لها بالعرض.
كانت موسيقى بيزيه في هذه الأوبرا غاية في الروعة، اتسمت بالحركة والتحرر من قوالب الموسيقى الكلاسيكية السائدة في ذلك الوقت، وهذا ما ظهر واضحاً في الافتتاحية المميزة لهذه الأوبرا التي ربما تَألَفُها أُذنك.
في السطور التالية سنحاول تلخيص "كارمن" بشكل مُبسّط في أربعة مشاهد (Actes):
المشهد الأول: "الهابانيرا"
بعد افتتاحية أوبرا كارمن المميزة، وفي مدينة إشبيلية الإسبانية المُزدحمة، تُطِلُّ علينا "ميكاييلا" شاقّةً طريقها في الزحام، تبحث عن الضابط "دون خوسيه"، حاملةً له خطاباً من والدته. لا تجد ميكاييلا الضابط خوسيه، فتسلم الخطاب للضابط الأعلى. يصل خوسيه لحظة رحيلها، ويتسلم الخطاب ويجلس ليقرأه.
هذه الأحداث يرويها بيزيه بشكل يجمع بين العذوبة والواقعية، بخاصة مشهد لعب أطفال الشوارع ومحاكاتهم لمعركةٍ تخيّليّة. وكان هذا جديداً كلياً على فنّ الأوبرا.
بعدها يتجمع الرجال أمام مصنع السجائر، ينتظرون الجرس ليشاهدوا العاملات الغجريات يخرجْن في وقت الاستراحة ويدخنّ السجائر، متشوقين لظهور "كارمن"، أكثرهنّ جمالاً وسحراً وجرأة.
وبينما يجلس "خوسيه" يقرأ رسالة والدته، تباغت كارمن الجميع في مشهد الـ"Habanera"، ذي اللحن الخالد، الكل يُمنّي نفسه بنظرة منها، لكنّها تقصد ذلك الذي لا يعيرها ما تستحق من الاهتمام.
تتقرب منه بأكثر الحركات إغواءً، وهي تشدو: "الحب عصفور ثائر/ حُر، لا يُروّض، نناديه دون جدوى.. إن لم تحبّني سأحبك، وإن أحببتك فستندم"، وكأن "الهابانيرا" هي تحذير كارمن لدون خوسيه لما هو مقدم عليه، تستلُّ كارمن الوردة من صدرها وترميها بوجه خوسيه لتثير انتباهه، يحتفظ خوسيه بالوردة ويتبعها بنظراته وهي تعود إلى المصنع.
لاحقاً تتشاجر كارمن مع إحدى العاملات، فيأمر الضابط الأعلى بتكبيلها وإرسالها إلى السجن في حراسة خوسيه، يستسلم خوسيه لغوايات كارمن ويسمح لها بالهرب، فيتم الزجُّ بخوسيه في السجن وتجريده من رتبته العسكرية.
المشهد الثاني: "مُصارع الثيران"
يدخل الضابط الأعلى، الحانة، مرافقاً صديقَتي كارمن. وتعرف كارمن قصة حبس خوسيه بسببها، وتعرف أنّه قد أُطلق سراحه، ثم يبدأ مشهد استعراض مصارع الثيران "إسكاميللو" لمهارته في الرقص.
وإسكاميللو، هو راقص بارع وجذّاب، يحاول استمالة كارمن التي تجاري براعته في الرقص، ولكنها ترفض رفقته، متعللة بوجود شخص آخر في حياتها.
يكمل المصارع رقصته، وينصرف مع الباقين، وتجتمع كارمن ورفيقتيها مع اثنين من المهربين، ليعرضا عليها الخطة في عملية التهريب القادمة.
تعتذر كارمن وتتعلل بأنها واقعة في الحب، فيظهر دون خوسيه حاملاً الوردة، ترحّب كارمن بعودته، وتدعوه لمرافقتها في عملية التهريب، فيعتذر خوسيه بعد أن أبدى حماسةً لمرافقتها، ما يغضب كارمن، فيشرع خوسيه في الغناء عن أن "عطر وردتها هو ما أبقى فيه الأمل طوال فترة سجنه".
لا تكترث كارمن لغنائه وتشرع في إثارة غيرته بالرقص لضابطه الأعلى. وتخبر كارمن خوسيه أن تركه الخدمة العسكرية والالتحاق بها هو إثباتٌ على صدق حبه لها -مدفوعاً بالغيرة- ينشب العراك بين خوسيه وقائده الأعلى، فيستغل المهربون الأمر ويجردون القائد من سلاحه، فلا يبقى لخوسيه سوى الانضمام لهم وترك خدمته العسكرية.
المشهد الثالث: "في الجبال"
في الجبال المظلمة والباردة، تُخبر كارمن خوسيه أن حبها له يَذبُل، وأنها تنصحه أن يعود لأمه، ينشب بينهما خلاف.
تبحث صديقتا كارمن في أوراق الحظ، ليكشف الطالع لهما الثروة والحب، بينما يكشف الموت لكارمن. يسمع خوسيه أحدهم يتسلل، فيطلع عليه بالنار محذراً؛ ليتضح أنّ هذا المتسلل هو "إسكاميللو"، الذي يعلن أنه جاء من أجل كارمن، وأنه يدعوها لتقف بجانبه في الحلبة في مهرجان مصارعة الثيران المُرتقب.
ينشب شجارٌ بين خوسيه وإسكاميللو، يقطعه نداء "ميكاييلا"، التي تُخبره أن يعود معها إلى القرية لأن أمه مريضة. يرحل معها خوسيه وهو يتوعّد كارمن بالعودة وإسكاميللو بالثأر.
المشهد الرابع: "أهذا أنت؟ نعم أنا"
بمقدمة لحنية بديعة، نعود إلى إشبيلية، في مهرجان مصارعة الثيران، حيث تستعرض كل مدينة من إسبانيا أزياءها وراياتها وأبطالها. ويدخل أخيراً إسكاميللو وكارمن متأبطة ذراعه، فتخبرها صديقتها أن خوسيه بالجوار، فتعلن في يأسٍ أنها لا تخشى مواجهته.
يدخل خوسيه الحلبة، ويرجوها أن تعود معه، فترفض، وتخبره أنها وُلدت حرّة وستموت كذلك. تعلو أصوات الجماهير باسم "إسكاميللو"، فيعاود خوسيه تكرار طلبه من كارمن، فتعاود الرفض، فيطعنها خوسيه، وُيسدل الستار.
بالطبع، كل شخصٍ له قنواته الثقافية الخاصة؛ فتذوُّق الفن لا شروط له، الأمر يعود إلى جاهزيتك النفسية، ومدى صَقل حواسِّك، حتى إن أكملت هذا التقرير ولم تجد نفسك معجباً بهذا الفن، ستجد أن البعض قد سبقك في التعبير عن ذلك.