نجحت الدّراما السّورية في مسيرتها خلال السّنوات في تقديم قضايا وأفكار تعكس ما يحدث داخل المجتمع السّوري، ولكن في الأغلب بما يتوافق مع توجهات نظام الأسد.
فغطّت مثلا قضايا الدّين، والسّياسة، والحبّ، والفقر وغيرها في حبكات قصصيّة جميلة ومن خلال عدسة إخراجية متمكّنة من عملها. ولكن مرّت سنوات عديدة في مسيرتها خلت من أي تطرّق لقضايا بعض مكوّنّات المجتمع أو الأقليّات الموجودة في سوريا.
وتنتج هذه الدّراما أعدادا كبيرة من المسلسلات سنويّاً، لا تقلّ عن 12 مسلسلاً ويمكن أن تصل إلى 30 أو أكثر. واستثمرت مبالغ كبيرة من المال على إنتاج المسلسلات السّورية وصلت إلى 50 مليون دولار تقريبا سنة 2010.
ورغم تعبير الدّراما في سوريا عما يحدث في المجتمع فقد غاب ولفترة ليست بقليلة، الأكراد الذين يمثّلون حوالي 10-15% من عدد سكان سوريا.
نجوم أكراد
هذا الغياب كان من ناحية القصّة وليسَ التّمثيل، لأنّ عدداً كبيراً من أبرز النّجوم السّوريين من أصل كرديّ عبد الرّحمن آل رشي، ومنى واصف، وكاريس بشّار وغيرهم.
ولكن بدأت تظهرُ ملامح مغايرة، وبدأت الشّخصيات الكرديّة تظهر بشكل تدريجيّ خلال الأعوام الماضية خاصة منذ اندلاع الثورة وتحسن العلاقة بينهم وبين النظام. ولكن تبقى المشكلة في كيفيّة تمثيل الأكراد في بعض المسلسلات، وفي الغرض من إدخالهم في نص مسلسلات أخرى.
هذا التّغير في اتجاه ظهور الشّخصيّة الكرديّة في الدّراما السّوريّة كان خجولاً جدّاً، فمن الصّعب إيجاد شخصيّة كرديّة أساسيّة في المسلسلات، وكانت الأدوار الكرديّة أدواراً ثانوية في أغلب الأعمال الّتي تطرّقت إلى مسألة الأكراد أو إلى تقديمهم في المسلسل كجزء من المجتمع.
ولكن هناك عدداً لا بأس به من المسلسلات، في السّنوات الأربع الماضية، الّتي ظهر فيها شخصيّات كرديّة معيّنة، سيتمّ رصد اثنين بارزين منها، وهما المسلسلان "بانتظار الياسمين" و"قلم حمرة".
بانتظار الياسمين
مسلسل "بانتظار الياسمين" يتناول المسألة الكرديّة من نظرة النّظام السّوريّ. وهذا يظهرُ من خلال الدّور الذّي يطرحُ تلك المسألة، والّذي تمّ تمثيله في شخصيّة كرديّة واحدة –لعب دورها آري جان سرحان- وهو شابّ يعزفُ على آلة البزق المنتشرة جدّاً في ثقافة الأكراد الفنيّة.
دورُ هذا الشّاب في المسلسل الذي امتدّ لأكثر من ثلاثين حلقة، هو الغناء والعزف على البزق، وكأّنّ هذا هو دور الأكراد في سوريا.
وحين فسح المجال لأن يتكلّم، لم يكن ذلك لأكثر من دقيقة واحدة في هذا المسلسل الطّويل، ما يثير الاستغراب .
أما مضمون ما تكلّمه ذلك الشّاب، فشدّد جدّاً على أنّه "سوريّ كرديّ" معلناً عن انتمائه إلى الشّام، ولكنّه يحبّ أن يشارك في الاحتفال القوميّ الكرديّ، عيد النّوروز، ليأتي هذا وكأنّه انعكاس لما حاول الرئيس السّوري بشّار الأسد إظهاره خلال الأعوام الخالية من أنّ لا مسألة كرديّة وأنّ الأكراد ينتمون إلى الوطن السّوري مع حصولهم على كافّة حقوقهم.
ينتهي المسلسل متجاهلاً كلّ ما عانى منه الأكراد في سوريا منذ عام 1962 حين تمّ إصدار مرسوم 92 الّذي صنّف حوالي 120 ألف كردي كأجانب، تسري عليهم القوانين الخاصة بغير السوريين فيما يتعلق بأمور الجنسية والتّعلّم والسّكن وغيرها، و75000 "كمكتومين" أي أنّهم غير مسجّلين في الدّوائر الحكوميّة السّورية.
وما يثير الانتباه أيضاً هو أنّ الشّاب في المسلسل كان يغنّي للفنّان الكرديّ محمّد شيخو المعروف بأغانيه الّتي لم تلق رضى وقبولاً من الأسد.
قلم حمرة
أمّا "قلم حمرة"، ومع أنّه طرح مسألة الأكراد من خلال دورين غير أساسيّين، إلّا أنّه حاول عرض مسألة معاناتهم.
ويروي "قلم حمرة" قصّة كاتبة سورية نزلت إلى الشّارع سنة 2013 مطالبة بالحرّية ليكون مصيرها الاعتقال في السجون السّورية، بالإضافة إلى قصص شباب آخرين في الجامعة.
ويظهر في هذا المسلسل شابٌّ كردي قُدّم على أنّه "مكتوم القيد"، ومن خلال متابعة قصيرة لمجريات حياته، يتطرق العمل إلى معاناة الأكراد الممنوعين من ممارسة طقوس أعيادهم، كما يظهر مشهد يتم فيه اعتقال عدد كبير منهم وهم يحتفلون بعيد الربيع "النّوروز".
ويلقي المسلسل الضوء على قضية حرمان المكتومين من التعلم والزواج والتملك نظراً لعدم حملهم لأوراق تثبت هوياتهم.
ولكن رغم كلّ هذا، لم يثبت مسلسل قلم حمرة في هذه النّاحية قدرته على التميز عن باقي المسلسلات وتمثيل الأقليّة الكرديّة بشكل صحيح.
فنجدُ أنّ الشّاب الكرديّ يتعلّمُ في المعهد رغم أنّه مكتوم! رغم أن وضعه القانونيّ لا يسمح له أن يدخل إلى الجامعة.
هذا العرض المختصر يشكّل صورة مصغّرة لوضع الأكراد في المسلسلات السّورية والّتي لا تعكسُ حالتهم في المجتمع وفي الحياة اليوميّة.
ورغم محاولة بعض الأشخاص لتمثيلهم في الدّراما، فإنّ عملهم لم يكتمل وذلك يعود في أغلب الأحيان إلى عدم معرفة المجتمع السّوري بشكل عام عن حياة الأكراد في سوريا.
ولكن السؤال الآن بعد تطور الأحداث الأخيرة فيما يخصّ موضوع الأكراد في سوريا وبدء الحديث عن فدراليّة كرديّة بعيدة عن الارتباط بالحكومة السّورية، والمناوشات التي حدثت بين الجيش السوري والمقاتلين الأكراد التي أنهت شهر عسل قام بين الجانبين خلال سنوات الثورة؛ كيف سيكون الانعكاس في الدّراما السّورية الّتي تنقلُ؟ وكيف سيصبح دور الأكراد في المسلسلات، وهل سيعود إلى الاختفاء مجدّدا؟