– جميعنا يتناول قصص جحا وحماره ونأخذها على محمل الدعابة والأهازيج، لكن في الحقيقة فإن أغلب تلك القصص ما هي إلا تأليفٌ وبهتان، والحقيقة أن جحا كان فطناً ويَقظاً لكل ما يفعله، فكيف لا وكان حماره نصفه الثاني يشاركه الأفكار والمشاريع ويرسمان خطتهم معاً ويتطلعون دوماً للنجاح والتفوّق، حتى إنهم كانا يُحذران بعضهما من الوقوع في الأخطاء..
– وفي أحد الأيام سمع جحا بأنه ستتم إقامة مبارزة شعرية في القرية، وبالفعل ركب جحا على حماره وذهب وعندما وصل كان الجميع يربط دابّته في الخارج إلا أن جحا أراد أن يدخلها معه فكيف له أن يترك رفيق دربه!!
– رفض الحرّاس إدخال الحمار فكان لجحا أن لا يدخل لكن حماره أبى أن لا يحضر جحا هذه المبارزة التي كان يقتله الفضول لحضورها..
– ودخل جحا تاركاً شريكه في الخارج، وأثناء المبارزة من الشعراء المحترفين تحمّس جحا وقرر أن يكون مثل هؤلاء الشعراء ظنّاً منه أنها مهارة صفّ كلام لا أكثر!!
– خرج جحا وكلّه حماس ليخبر حماره عن مشروعه الجديد لكن الحمار قد اختفى وليس له أيّ أثر، وقضى جحا شهراً كاملاً من الحزن والقهر كأي شخصٍ يفقد شريكه.
– هنا قرر جحا أن لا يستسلم وأن لا يعيقه فقدان شريكه عن إقامة مشروعه، جاء جحا بالألواح التي يكتب عليها وبدأ بصف كلمات أوّل قصيدة له والتي كانت بعنوان (قليل الحظ)..
– في الحقيقة جحا نظم كلاماً لا معنى له وكرر القوافي وباستطاعة أيّ طفل أن ينظم محتوى أفضل من محتواه، ودعا جميع الشعراء لسماع قصيدته (قليل الحظ) وأحضر منظمين لحفله ليظهر بأرقى مستوى، وما إن بدأ جحا بسرده إلا وكانت حبّات الطماطم تُزيّن وجهه، وهذا من البديهي لشعراءٍ مكثوا سنوات وسنوات في التدريب والتأليف والإلقاء..
– هنا ظنّ جحا أنهم قد غاروا من نجاحه ونظّم حفلاً آخر ودعا كلّ القرى واهتم بالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين العشر والاثني عشر عاماً ووعد منظمي الحفل بمبلغ باهظ لم يسبق آن دُفعَ لهم من الشعراء المحترفين مثله..
– وبالفعل امتلأت الساحة بالأطفال وبدأ جحا بسرد القصيدة بطريقة غريبة في الإلقاء وأحبها جميع الأطفال وأصبحوا يغنونها ويغنون جميع القصائد التي أطلقها جحا فيما بعد وأصبحوا ينظرون لجحا على أنّه قدوة!!
– واستمر جحا على هذا الحال حتى ذاع سيطه عند الكبير والصغير وظنّوا أنه فنان وأصبح يحضره معظم القرية، وأصبح المنظمون يتهافتون على جحا بتقديم عروضهم ومجاناً!! فقط ليظهرو أنهم يعملون معه، وهنا كانت الصدمة للشعراء وغيرهم من الموهوبين فأصبح جحا الأشهر، حتى إنّه أصبح يمارس أكثر من فن، فيوم هو شاعر ويوم مغنٍّ ويوم رسّام وتعددت المواهب حتى ألمَّ بجميع مواهب ذاك الزمان وفي الحقيقة لم يتقن شيئاً منها.
– وحرصاً من جحا على قاعدته الجماهيرية التزم الحياد في آرائه عن رؤساء القبائل ويوم يتقرب من قبائل الظالم ويوماً من قبائل المظلوم، وكان لا بد من بعض الفنانين الموهوبين أن يساندوا جحا في مسيرته الفنيّة لكي يلحق بهم ولو جزءً بسيط من شهرته كما فعل المنظمون.
– وهبط المستوى الفنيّ شيئاً فشيئاً وأصبح من النادر وجود متذوقي الفن الصحيح وممن يدركون أن الذي يقدمه جحا ما هو إلا هراء واستخفافٌ بعقول الناس.
– وأنجب جحا أطفالاً وأحفاداً من غير أن يتزوج أو يمس امرأة، ووصل أحفاده إلى زماننا هذا وأخذ كل منهم دوره الفنّي ولا يزال المنتجون وغيرهم يتهافتون على العمل معهم.
– وهنا أوجّه رسالة لكلّ قارئ: احذر واحذر من أن يكون فنانك المفضّل من أحفاد جحا وساهم بالعثور على حمار جحا؛ لكي يعود هو وأحفاده لصوابهم، وإذا كنت تسعى إلى أن تحتل مربعاً في الرقعة الفنيّة فلا تيأس من وجودهم ولا تحاول تغيير مسيرك؛ لكي تكسب، فعندما تكون ذات مبادئ وفنٍ حقيقي ستصل حتماً بتوفيق من الله وجهدٍ وإصرار منك، وإذا كنت متابعاً لهذه اللعبة، فاحرص على أن تشجع اللاعب الحقيقي والماهر، ولا تشجع أحداً من أحفاد جحا فيسخدعونك بأن كلّ جنودهم وزراء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.