الاقباط في السينما المصرية.. الحظر ليس على البابا وحده

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/06 الساعة 07:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/06 الساعة 07:36 بتوقيت غرينتش

أعاد الجدل الثائر حالياً حول تقديم شخصية الأنبا شنودة بطريرك الأقباط الأرثوذكس الراحل في عمل درامي، النقاش مجدداً حول حجم الحرج والخطوط الحمراء التي تتعلق بتقديم شخصية المسيحي المصري في الأعمال التلفزيونية والسينمائية، وهو الحرج الذي ترعاه الكنيسة ولا يبدو أنه يتجه للتناقص رغم الأصوات القبطية المعارضة والمتمردة عليه.

الكنيسة المصرية أصدرت بياناً غاضباً يصادر مبدئياً حق أي فنان في تقديم عمل مصور يستلهم حياة البابا شنودة، معتبرةً أن الراهب الراحل الذي شغل منصب بطريرك الإسكندرية لنحو 4 عقود هو جزء من تراثها الذي لا ينبغي أن يمس دون موافقتها وإشرافها.

البيان جاء بعد تسريبات إعلامية عن مشروع لتقديم عمل عن البابا -الذي لم يكن مجرد رمز ديني للأقباط بل كان لاعباً سياسياً مهماً في القضايا المصرية والعربية – بطولة الممثل حسن يوسف، لكن الفنان سرعان ما تبرأ من الفكرة تحت حملة الهجوم الشديد معتبراً أنها كانت مجرد إبداء نوايا، ولكنه لن يقدم على الخطوة دون موافقة الكنيسة وبتمويلها وتحت إشرافها.

انفتاح في الغرب.. حساسية في مصر




والواقع أنه فيما تبدو السينما الغربية أكثر انفتاحاً على تقديم شخصيات مسيحية كبرى على الشاشة – بما في ذلك السيد المسيح والعذراء مريم – وبمعالجة غير خاضعة للرقابة، تبدو الكنيسة المصرية أكثر تحفظاً في التعامل مع تلك الأفلام، ولكن التحفظ قد ينتقل إلى ثورة غضب حال تقديم شخصيات مسيحية قبطية في السينما المصرية. 

قبل أكثر من 10 سنوات من الآن استطاع فيلم "آلام المسيح" لميل غيبسون أن يجد طريقه إلى دور السينما العربية رغم الاعتراضات الإسلامية والمسيحية، وبعدها بقليل نجح فيلم "شفرة دافنشي" في الوصول دور السينما رغم الأصوات الناقدة في الكنائس المصرية والعربية والتي اكتفت بحملات توعية ضد المعلومات التي يتضمنها الفيلم دون أن تواصل المعركة لمنعه.

الأمر يختلف في كل مرة تقدم فيها شخصية مسيحية مصرية على الشاشة، والبابا شنودة ليس استثناءاً في ذلك، بل إن معركته لو تواصلت قد تكون الأكبر.

موقف متشدد من فيلم البابا شنودة



ما هو رأي الكنيسة الأرثوذكسية تحديداً حيال إنتاج فيلم عن البابا شنودة؟

يقول البيان الصادر عن المجلس الملي العام والذي نشرته الصفحة الرسمية للكنيسة المصرية إنه "وفقا لقوانين الكنيسة، فإن البابا شنودة الذي وهب حياته للكنيسة راهباً ثم أسقفاً ثم بطريركاً صار تاريخ قداسته ملكاً لها".

وقال البيان، الذي بدأ بالثناء على دور الفن، إن: "التريث في إنتاج عمل فني عن قداسته لن يحرم محبيه من شيء لأن حياته ما زالت حية في نفوس وعقول المصريين جميعاً" على حد قول البيان، مشيراً إلى أن "المجلس لن يتردد في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمنع هذا الأمر".

المستشار منصف نجيب سليمان عضو المجلس الملي العام، وهو الجهة التي أصدرت البيان، أكد كذلك في تصريحات على حق الكنيسة في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد "كل من تسول له نفسه" إنتاج فيلم أو مسلسل تلفزيوني عن حياة البطريرك الراحل.

وبالطبع لا ترضي هذه الرؤية كل الأقباط في مصر، فالكاتب والمفكر كمال زاخر، اعتبر في حديثه مع "عربي بوست" أن موقف المجلس المليّ عليه علامة استفهام لأنه ليس جهة رقابة على الإبداع والفن، مضيفاً أن شخصية البابا شنودة تجاوزت البعد الديني وأصبحت شخصيةً عامةً وطنيةً عاصرت تغيرات كبيرة في المشهد الوطني، ويجري عليها ما يجري على غيرها من إمكانية الاختلاف أو الاتفاق معها وعليها.

أزمة فيلم "متى المسكين"




عموماً ليس هذا هو الانزعاج الأول للكنيسة القبطية وقد لا يكون الأخير؛ ففي العام 2010، تحت رئاسة الأنبا شنودة نفسه، اعترضت الكنيسة بشدة على فيلم أنتجه مخرج لبناني عن حياة الراهب القبطي "متى المسكين" دون الحصول على موافقتها، وعرض الفيلم على قناة "الجزيرة الوثائقية" تحت عنوان "متى المسكين اللاهوت قبل السياسة".

وقتها قال المخرج إن القيادات الكنسية رفضت الحديث معه، رغم تأكيدهم جميعا أن الراهب شخصية مهمة ولها مواقف وأفكار جديرة بالتوثيق والتحقيق مثل موقفه من الفتنة الطائفية.

ورصد ذلك العمل التعتيم الذي مارسته الكنيسة على سيرة "متى المسكين"، الذي كان يدعو دوماً إلى فصل الكنيسة عن الدولة، معتبراً أنّ الخلافات تكون دائماً بين الشعب والحكومات لا بين المسلمين والمسيحيّين. 

وتطرق الفيلم إلى واقعة رفض "متى المسكين" تولي الباباوية حين عزل الرئيس أنور السادات البابا شنودة في العام 1981، كما تضمن الكثير من مقاطع الفيديو النادرة وشهادات 14 شخصية إسلامية ومسيحية حول العلاقة الشائكة بين البابا شنودة ومتى المسكين. 

مثالية غير واقعية للشخصية المسيحية



وبخلاف القصة السابقة، فإن تاريخ تدخل الكنيسة في الأعمال الفنية المصرية التي تتناول الشخصية المسيحية حافل بالاعتراضات التي على تناول الشخصية سواء كانت دينية أو عادية.

حتى أن البابا شنودة نفسه قال مرة ساخراً "في كل رمضان يقدم لنا التليفزيون المصري هدية تثير غضبنا"، في إشارة إلى المسلسلات التي تقدم شخصية قبطي مصري ولكنه يرتكب تصرفات غير سوية.

وكتب الناقد الفني المصري طارق الشناوي مقالاً ينتقد هذه الظاهرة قائلاً، "تعودنا في الدراما أن نضع أوراق (السوليفان) على الشخصية المسيحية وكأننا نرفع راية كتب عليها ممنوع اللمس أو الاقتراب الإحساس العام الذي يسيطر غالباً على صناع العمل الفني وأن المتفرج لا يريد أن يرى شخصية من لحم ودم وأنه فقط يقرأ عنوانها لكنه لا يتعمق في تفاصيلها. كان يبدو وكأن هناك اتفاقاً ضمنياً على ذلك بين صناع العمل الفني والجمهور، الجميع ارتاح إلى استبعاد الشخصية القبطية".

ومصداقا لرؤية الشناوي، ففي العام 2011 تم منع العرض التجاري لفيلم "الخروج" بسبب الغضب القبطي من الفيلم الذي يقدم عائلة مسيحية تتحول ابنتها الكبرى إلى فتاة ليل لكسب العيش وإعالة أسرتها، بينما تدخل الشقيقة الصغرى في علاقة غير شرعية مع شاب مسلم، بينما زوج الأم مدمن على القمار ويستولي على أموال العائلة.

قبلها بـ 10 سنوات، تكرر الأمر في العام 2001 إذ أثار مسلسل "أوان الورد" انتقادات حادة وغضباً من الكنيسة بسبب لعب الممثلة سميحة أيوب دور سيدة مسيحية تزوجت وأنجبت ابنة من مسلم، وربتها تربية إسلامية رغم بقائها شخصياً على عقيدتها المسيحية، ولم يخفف من حدة الغضب كون مخرج العمل مسيحي هو الفنان سمير سيف.

"بحب السيما" والترويج للبروتستانتية




وفي العام 2004، كان الفيلم الذي أثار أكبر موجة غضب هو "بحب السيما" من بطولة ليلى علوي محمود حميدة، وكان وراءه منتج ومخرج مسيحيان، ويعتبر أول عمل مصري يتناول حياة عائلة مسيحية، ويحاول أن ينزع عنها "ورقة السوليفان" التي تحدث عنها الناقد طارق الشناوي.

والغريب أن الحساسية التي صاحبت الفيلم لم تكن فقط مرتبطة بالمشهد الذي خانت فيه الزوجة زوجها ثم ذهبت إلى الكنيسة للصلاة وطلب المغفرة، كما لم تكن بسبب شخصية حميدة الذي لعب دور الأب المغالي في التدين، بل كانت بسبب اتهام الفيلم بالترويج للمذهب البروتستانتي بين المسيحيين الأرثوذكس، وطالت الانتقادات رجل الدين في الكنيسة البروتستانتية د.إكرام لمعي لسماحه بتبادل قبلة في الكنيسة بين الممثلين منة شلبي وادوارد.

تحميل المزيد