بقدر ما سرتني بعض التعليقات الإيجابية التي تعبر عن الانفتاح والحب والرقي والتعايش.. بقدر ما أرعبني ذلك الكم الهائل من التعليقات الهدامة السلبية التي لم تتناول العمل فحسب، بل تجازوته إلى شخص الفنان نفسه.
نعم إنه فيديو كليب #سيدنا_المسيح الذي قدمه الفنان يحيى حوى خلال الأيام الماضية، فانهالت عليه سيول جارفة من الانتقادات والاعتراضات من شرائح مختلفة من الشعب العربي على امتداده، ورغم أني لا أنكر وجود بعض العبارات اللطيفة والمشجعة، إلا أن صفحته على الفيسبوك غصت بتعليقات مناقضة تماماً.
إنني أعتقد أن هؤلاء الأشخاص لديهم مشكلة في التواصل أولا، وفي تقبل الآخر ثانيا، وفي فهم الدين والنصوص الشرعية ثالثا. إننا جميعا كمسلمين بحاجة لأن نعيد النظر من جديد، ونفتح عقولنا وقلوبنا وعيوننا لتحسين مستوى تلقي نصوصنا الدينية، أن نفهم منها عالميتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان..
وبدل أن يستقبل "حوى" بفرح ردود الأفعال الطيبة من المسيحيين أنفسهم على اختلاف لغاتهم كان عليه أن يعد قائمة بالحجج والتبريرات والأدلة على أن هذا العمل لا يمس الدين الإسلامي ولا الأخلاق الإسلامية بأي أذى، ليواجه بها المسلمين أنفسهم الذين اعترضوا على هذا العمل، والسؤال هو لماذا؟
لربما هالهم أن الفنان يحيى حوى فنان ملتزم دينيا ولا يصح أن تصدر عنه مثل هذه الأغنية أو الفيديو كليب، وإنني أقول: إذا كان حوى ملتزما دينيا فأحرى به أن يقدم عملا كهذا ينم عن سماحة الإسلام وعالميته، ويقدم رسالة مهمة في وقت مهم جدا. إن العمل بذاته عمل عبقري وعظيم، ولكن اختيار وقت الطرح أكثر عبقرية وعظمة بعد أن مد المسيحيون أيديهم للاجئين حين تقاعس الجميع، وحلوا ضيوفا في بلادهم حين تنكرت لهم دول أخرى، لذلك فإن سوريا يحيى حوى لعبت دورا مهما في عمله وكانت نقطة في صالحه.
فيما يلي أدون بعض ملاحظاتي على العمل الذي أراه "نقطة تحول"، في مسيرة يحيى الفنية
– لم يتضمن العمل كلمات بذيئة أو مسيئة لأي دين أو ملة أو نبي أو إنسان، بل كان عملا إنسانيا اجتماعيا خلاقا غايته نشر الحب والسلام.
– لم يرتدِ الفنان يحيى الصليب ولم يؤدِّ الصلاة على الهيئة المسيحية.
– مجَّد يحيى المسيح كنبي وصاحب رسالة إنسانية عالمية، المسيح الذي بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم.
– كلمات الأغنية وإن كانت لا تعبر عن براعة كاتبها لأنها كلمات مقتبسة من القرآن والسنة، إلا أن هذا الأمر يعد حسنة؛ فكاتب الكلمات لم يتجاوز في وصف المسيح ما جاء في الشرع الإسلامي، وبساطة الكلمات برأيي ستمنح الأغنية شهرة واسعة وقدرة على الوصول إلى لغات أخرى عبر الترجمة.
– لقد وفق فريق العمل في اختيار المكان -كما وفق في اختيار الزمان- والأزياء وبرزت عبقريته في طريقة التصوير والإخراج فكان العمل متكاملا من كل الاتجاهات.
– لقد استطاع يحيى ببراعة أن يقول "شكرا" بطريقة غير تقليدية باعتباره فنانا يقدم عملا اجتماعيا بناءً، أما باعتباره سوريا فإنني أعتقد أنه باسم السوريين جميعا قدم بطاقة شكر لمن مدوا لنا يد العون.
إننا نقول لهم في كل يوم: "شكرا جزيلا".. "هذا كثير بالفعل".. "إنك لا تعرف كم يعني هذا لي".. ثم… ثم تنتهي الكلمات، أما يحيى فقدم رسالة لا تنتهي و"شكرا" لا تموت.
– ربما أزعج كثيرين من الإسلاميين وقتُ طرح الفيديو باعتباره تهنئة للمسيحيين في عيد الميلاد، فاستدلوا بآراء بعض العلماء بأن هذا حرام.
وهنا أقول: لا يوجد نص شرعي -من القرآن والسنة- يحرِّم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، قال الله تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة:8) ولعل أبسط أشكال البر أن نقابلهم ابتسامة بابتسامة، وتحية بتحية، وتهنئة بتهنئة، إن التهنئة كلمة طيبة، والكلمة الطيبة صدقة.
ثم إن كان يحيى وكل فريقه وكل من أخذ برأيهم قبل البدء في العمل.. كل هؤلاء مخطئين، فليتسع العالم كله لخطأ كهذا أراد أن يقدم رسالة سامية، ولتقدموا أيها المنتقدون رسالة أسمى في تقبل الآخر وفهمه واحترامه حتى في حال الاختلاف معه.
في النهاية لا بد أن أقول: لقد تم تقديم العمل بشكل استثنائي ومميز جدا، وأعتقد أن حوى وفريق العمل كاملا أقدموا على خطوة شجاعة، ولا ريب أنهم كانوا يعلمون أن عملهم هذا سيثير جدلاً، ولكن ليمضوا في طريقهم وليفتحوا آفاقاً جديدة للفن ولرسالته السامية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.