تعتبر الموسيقى الأندلسية أو "موسيقى الآلة" من التراث المغربي العريق، إذ أدخلها الموريسكيون بعد هجرتهم من الأندلس إلى المغرب الكبير، تطور مع الزمن لتعطي الموسيقى الحالية التي مازالت تتمتع بمكانة خاصة داخل المجتمع المغاربي. تشتهر هذه الموسيقى في مدينة فاس بالمغرب، كما أنها أصبحت تعرف في المناسبات والأعياد، إذ تقام ضمن طقوس خاصة.
الموسيقى الأندلسية بين الماضي والحاضر
حسب كتاب "الموسيقى الأندلسية المغربية" للكاتب عبد العزيز بن عبد الجليل، تعتبر الموسيقى الأندلسية على شكلها الحالي تمازجاً ما بين الألحان الشرقية والمغاربية، الشيء الذي ساهم في تميزها عن باقي أنواع الموسيقى الأخرى.
وحسب مؤلف الكتاب "تعتبر الموسيقى الأندلسية واحدة من الامتدادات والروافد التي تفرعت عن الموسيقى العربية في مفهومها العام، ويعتبر الحديث عنها بمثابة الحديث عن لون خاص من ألوان الموسيقى العربية، ومن ثم فمن الطبيعي أن ترتبط هذه الموسيقى بالأصول نفسها التي تلتقي عندها أصناف الموسيقى العربية عموماً، وإن كانت قد تفردت بخصائص ومميزات أسهمت عوامل شتى في خلقها".
وكسائر الألوان والنماذج الموسيقية التي أبدعتها العبقرية العربية في ظل الانتشار الواسع للأمة الإسلامية، تعتبر هذه الموسيقى خلاصة امتزاج وتلاقح المعطيات الفنية النابعة من طبيعة موسيقى العناصر البشرية القاطنة في الأندلس، وهي العرب والبربر والقوط والصقالبة.
إن الموسيقى العربية في أشكالها وقوالبها لعهد ما قبل الإسلام وعهد الفتوحات الإسلامية الأولى كانت تشكل خلاصة ما أنجبته الممارسة العملية في مجالات الغناء والتأليف والعزف بعد الانفتاح على المؤثرات الفارسية والهندية.
انتقلت هذه الأشكال والقوالب إلى المغرب الكبير والأندلس مع العرب الفاتحين لتحمل معها ملامح أصيلة لا تزال آثارها واضحة بينة حتى اليوم، وهي ملامح حفظت للموسيقى الأندلسية طابعها العربي على الرغم من استيطانها الجزيرة الإيبيرية قروناً عدة جعلتها على الدوام خاضعة للذوق العربي.
يقول عباس الجيراري "الآلة" أو ما اشتهر بـ"الموسيقى الأندلسية" كما يدل عليها اسمها، تعتمد الأداء الآلي القائم على الوتريات والصدميات، وبصفة خاصة على الرباب والعود والطر "ضابط الإيقاع"، وإن كان هذا الأداء يرتكز على نصوص شعرية لضبط إيقاعاتها، وخصوصاً من الموشحات والأزجال، وهي بناء متكامل محكم ومنظم يقوم على نوبات.
ابتكر عرب الأندلس "فن الموشح" عندما أحسوا بضرورة التحرر من قيود أصول الموسيقى العربية، كاحترام البحور والقافية، فحسب المصدر نفسه فالموشح هو قصيدة شعرية ولكنها لا تخضع لوحدة البيت ولا تخضع كذلك لوحدة القافية، ولكنها مقسمة إلى أقسام أو مقاطع.
بعضها يسمى "أقفالاً"، وبعضها يسمى "أبياتاً"، هذا النظام الذي يسير عليه الموشح يقتضي أن تكون الموشحة قائمة على مجموعة من الأقفال ومجموعة من الأبيات، الأقفال متشابهة في الوزن ومتشابهة في القافية، أما الأبيات فمتشابهة في الوزن فيما بينها ومختلفة من حيث القافية.
أما بخصوص الزجل فهو كالموشح مع فارق واحد، هو أنه باللغة العامية، وهو أيضاً كان خاضعاً للغناء ولمقتضيات هذا الغناء والأداء اللحني، تقوم الموسيقى الأندلسية على مزج العزف الموسيقي وغناء موشحات وفق ترتيب خاص يسمى "النوبة".
الموريسكيون ودورهم في انتشار موسيقى الآلة
بعد سقوط غرناطة آخر معاقل الخلافة الاسلامية بالأندلس عام 1492، قرر الملك فيليب، تحت ضغط الكنيسة، إصدار قرار الطرد النهائي للموريسكيين من الأندلس في سبتمبر/أيلول سنة 1609، في ظل رفضهم كل محاولات التنصير، وتوجه معظمهم الى المغرب، بينما استقر بعضهم في بلدان أهمها الجزائر وتونس.
ونقل هؤلاء المهاجرون إلى المجتمعات التي عاشوا فيها مختلف مناحي حضارتهم العلمية والاجتماعية والفنية، ومنها الموسيقى الأندلسية التي كانت في أوج تطورها، ويقول المؤرخ المغربي محمد بن عزوز: "إن المغرب استقبل أكبر عدد من الموريسكيين المهجرين قسراً، فهو البلد العربي والإسلامي الذي توجد به أكبر نسبة من العائلات الموريسكية، وهناك مدن أندلسية حقيقية مثل تطوان وشفشاون".
كان أول من أدخل الطرب الأندلسي إلى الأندلس أبو الحسن علي بن نافع، المعروف بزرياب في العراق عام 777، وكان تلميذاً لموسيقار بلاط هارون الرشيد إسحاق الموصلي إلى أن أصبح بارعاً في أصول الموسيقى والغناء، طلب الخليفة من الموصلي إتيانه بمغنٍّ جديد، فقدم له زرياب، أُبهر هارون الرشيد ببراعة أبي الحسن في الغناء وبثقافته الفنية الغزيرة، ما أثار حقد معلمه، حتى هدده بالاغتيال إن لم يرحل عن بغداد.
هاجر زرياب الى قرطبة بالأندلس في عام 822 بعد مروره ببعض المدن كالقيروان عاصمة الأغالبة، لكن أميرهم زيادة الله الأول قام بطرده عندما غنى له شعراً لعنترة العبسي اعتبره الخليفة إهانة له، وعند وصوله الى قرطبة لقي زرياب ترحيباً من الخليفة عبد الرحمن الثاني الذي أُعجب بمستواه الفني إلى أن جعله من حاشيته.
عُرف عن زرياب الأناقة واللباقة، وأثر بشكل كبير في حياة الأندلسيين، إذ علمهم الكثير من جوانب فن العيش، وغيّر العديد من عاداتهم في اللباس والنظافة والأكل، حتى قيل إنه أخرجهم من حياة البداوة إلى الحضارة.
مدارس الموسيقى الأندلسية
ظهرت ثلاث مدارس للموسيقى الأندلسية، وهي المدرسة الإشبيلية التي ازدهرت في ليبيا وفي تونس، والتي تعرف باسم "المالوف"، والمدرسة الغرناطية التي انتشرت في الجزائر، بالإضافة إلى المدرسة البلنسية التي ازدهرت في المغرب إلى جانب المدرسة الغرناطية.
من بين أهم آلات الطرب الأندلسي نجد آلة الربابة، فحسب الباحث في التراث الشعبي العربي "عايش حسن" فالآلة تعود إلى ما قبل الميلاد بـ5 آلاف سنة في الحضارة المصرية والهندية، ثم اندثرت لمدة معينة، إلى أن أعاد العرب صناعتها لكن بوترين عوض وتر واحد.
انتشرت الآلة من المشرق العربي إلى المغرب عبر القوافل التجارية، لتصل إلى المغرب التي اعتمد عليها آلة رئيسية في معظم الأغاني التراثية.