في السنوات الأخيرة كثُر القيل والقال حول أزمة "المط والتطويل" التي أضحت تطارد المسلسلات العربية، وظلَّ النقاد يرددونها مع كل تقييم وحصاد؛ لتتجه أصابع الاتهام للجهة المسؤولة عن هذه "العاهة" التي تصيب أعمالاً بأفكار جيدة في مقتل.
كما أن هناك آخرين يرون أن شركات الإنتاج والفضائيات، المحكومة بدورها بآلة إعلانية، تفرض شروطها كما تريد على الساحة، وهنا يُطرح السؤال: هل من الضروري أن تُستنزف الأفكار في ثلاثين حلقة تحديداً؟
هذا العام يبدو أن تغيّراً كبيراً قد طرأ على "المزاج العام"، بعد مؤشرات "خجولة" الموسم الماضي، وأيضاً في غمرة تجارب مهمة جاءت عن طريق المنصات التي حرّكت المياه الراكدة، وبسبب نجاح أعمالها القصيرة طوال العام أعادت عقارب التفكير لدى القنوات التلفزيونية، بضرورة "التنازل" قليلاً، وبالتالي مجاراة العصر ومتغيراته الجديدة، والنتيجة أننا أمام أكثر من 16 مسلسلاً بـ15 حلقة.
فنذكر من هذه المسلسلات العربية صاحبة الـ15 حلقة مسلسلات "تحت الوصاية، وعلاقة مشروعة، وجت سليمة، ورمضان كريم 2، والصفارة، ومذكرات زوج، وعودة البارون، ورشيد، وتلت الثلاثة، والهرشة السابعة، وبطن الحوت، وكامل العدد، وتغيير جو، بالإضافة إلى "مسلسل الكتيبة 101″، المكون من 20 حلقة، و"مسلسل حرب"، صاحب الـ10 حلقات فقط.
هذا الكمّ الهائل من المسلسلات العربية يمكن اعتباره "ثورة جديدة" هزت أركان الدراما العربية عامة، ما يُنبئ بأن مسلسلات الثلاثين حلقة تلفظ أنفاسها الأخيرة.
قد يكون الموسم الحالي بمثابة المسمار الأخير الذي يُدق في نعشها؛ لكن قبل أن نكمل سرد المعطيات الحالية دعونا نعُد لنقطة مهمة، تكمن في كون "العراب الأول" لدراما الثلاثين حلقة هو الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، صاحب الروائع الخالدة الراسخة في الأذهان، واللافت أن أعماله كانت تتسم بخطوط درامية متماسكة وبعيدة عن الملل والمط والتطويل، ولعلّه رفع السقف عالياً وورط القادمين بعده.
هناك ملاحظة ملحة أخرى في هذا الصدد، مفادها أن أغلب كلاسيكيات الدراما المصرية على سبيل المثال لم تصل للثلاثين حلقة أساساً، على سبيل المثال نستحضر مسلسل "رأفت الهجان" في أجزائه الثلاثة، وأيضاً "ليالي الحلمية"، الذي لم يتجاوز جزؤه الأول 18 حلقة، ووصل الثاني لـ25 حلقة، الأمر نفسه ينطبق على مسلسل "الشهد والدموع"، والجزء الأول من مسلسل "المال والبنون"، وكلها أعمال حُفرت في وجدان وذاكرة المشاهد العربي من المحيط إلى الخليج.
المؤكد إذن أن عصر المسلسلات العربية صاحبة الـ30 حلقة سينتهي، وأشكال الفراغ الذي تشتكي منه بعض المحطات في النصف الثاني من رمضان مثلاً لم يعد قائماً على الإطلاق، والدليل أننا هذا الموسم لاحظنا كيف استفادت القنوات من وجود هذا الرقم الكبير من مسلسلات الـ15 حلقة.
حيث احتفظت بأوراق مهمة كي تكمل بها النصف الثاني من السباق الرمضاني على غرار مسلسل "تحت الوصاية" لمنى زكي، ومسلسل "تغيير جو" لمنة شلبي، ومسلسل "كشف مستعجل" لمصطفى خاطر، ومحمد عبد الرحمن، ومسلسل "جت سليمة" لدنيا سمير غانم، وكلها أسماء لامعة غطت على نهاية مشوار مسلسلات ناجحة أخرى، مثل "الصفارة" لأحمد أمين، و"الهرشة السابعة" لأمينة خليل وغيرها.
السؤال المطروح هنا: كم سيكون عدد المسلسلات العربية صاحبة الـ15 حلقة المتاحة للموسم الرمضاني القادم يا ترى، لاسيما بعد الأصداء الإيجابية الكبيرة حالياً؟ وهل استسلمت القنوات التلفزيونية ورفعت الراية البيضاء كلياً، بناء على المعطيات الآنية، معترفةً بسلطة المنصات في عرض مسلسلات الـ15، وعصرها القادم لاكتساح الأخضر واليابس؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.