انتشر منذ يوم أمس الأول الأحد، فيديو على موقع فيسبوك، يُظهر مفاجأة برنامج تلفزيون ألماني لطالب يمني في جامعة الطب ماينز الألمانية، باستقدام والديه اللذين لم يلتقِ بهما منذ 6 أعوام.
وأثار المقطع ومشهد تفاجئه بوالديه في القاعة ليركض ويحتضنهما ويقبلون بعضهم البعض إعجاب الكثيرين، حيث شوهد أكثر من 3 ملايين مرة، وتمت مشاركته 67 ألف مرة، وأسال دموع المشاهدين، حسب تعليقاتهم.
وأشاد الكثير من المعلقين على الفيديو بإنسانية القائمين على المبادرة، وعقدوا مقارنة بين التعامل في الغرب والشرق، لكن لم يعلم الكثيرون تفاصيل "المقلب"، وما سبق المشاهد التي رأوها من أحداث.
طالب طب يمني يدرس في جامعة ماينز الألمانية 🇩🇪حالته الماديّة معدومةله ست سنوات لم يرى والديه بسبب ظروف الحرب.فقررت جامعته مفاجئته ..
Geplaatst door Safwan Alrifai op Zondag 23 september 2018
الحلقة صُوّرت قبل أعوام
عُرضت هذه الحلقة من برنامج "المفاجأة الكبيرة- THE BIG SURPRISE" على قناة "برو زيبن" الخاصة، في يناير/كانون الثاني من العام 2015، أي قبل 3 أعوام ونصف العام تقريباً.
وتقوم فكرته التي لا يجدها الكثيرون جيدة أو مسلية على وضع مقدمة البرنامج بالينا روجنسكي وفريق عملها، أحد الأشخاص في كابوس وكوارث على الصعيد الشخصي، لم يكن يتخيل حدوثها، وإجباره على الانفعال، وحتى البكاء، وذلك بالتعاون مع المحيطين به، قبل أن "يكافئوه" بأكثر الأشياء التي كان يتمنّاها في حياته.
وهكذا اتفقت مقدمة البرنامج بالينا مع يوليا، حبيبة طالب الطب اليمني ماجد في جامعة يوهانس غوتنبرغ في مدينة ماينز حينذاك، وصديقه المقرب نيكو على تحضير المقلب له، ثم مفاجأته بأكثر ما كان يتمنّاه حينذاك، وهو لقاء والديه، الذي لم يكن يستطيع رؤيتهم منذ 6 سنوات؛ لأنه طالب ولا يستطيع تدبر تكاليف السفر.
ويبدأ المقلب بالاتفاق مع البروفيسور مانغ الذي يدرس لماجد، وبإتلاف قائمة بأسماء وتوقيع المشاركين في حضور محاضرات أحد المواد، ثم استقبال البروفيسور لماجد، ومفاتحته بتخريب أحدهم القائمة، وأنه و6 طلاب آخرون متضررون من تمزيق الورقة، وبالتالي غياب الدليل الذي يخوّلهم المشاركة في الامتحان، وسؤاله بطريقة صادمة فيما إذا كان قد شارك فعلاً في المحاضرات، أم أن شخصاً آخر وقع عوضاً عنه، مهوّلاً من جسامة الغش في الحضور.
يشرح صديقه المقرب نيكو أن الغياب مرتين عن المحاضرات والجلسات الخاصة بمادة معينة قد يعني الحرمان من المشاركة في الامتحان، وفي حال الغش قد يعني فصله من الدراسة في الفرع تماماً.
ثم يقوم البروفيسور بالاتفاق مع البرنامج التلفزيوني، بالمزيد من الضغط عليه، بالقول له إنه باعتباره طالباً يدرس عبر منحة دراسية ستجري لجنة من مكتب المنح مقابلة معه، داعياً إياه إلى أخذ الأمور بجدية.
ضغوطات واختبارات متتالية
وعندها يستقبل في البداية أحد أعضاء لجنة مفترضة من مكتب المنح ماجد، في قاعة، ويؤكد أنه من بين المشتبهين بتمزيق ورقة الحضور، طالباً منه بطاقته الجامعية لتصويرها. إلا أن البطاقة لم تكن معه، إذ كان صديقه المقرب نيكو قد أخرجها من محفظته في الليلة السابقة تحضيراً للمقلب ووضع بطاقته محلها.
وهكذا قال عضو اللجنة لماجد، إنه لا يجوز حمل البطاقة الجامعية لطالب آخر، وإن عليه الاتصال مع "نيكو" صاحب البطاقة، الذي يتباطأ في البداية في الموافقة للقدوم، قبل أن يُحذر بأن الموقف جدي.
ثم يزيد الأمر سوءاً بالنسبة لماجد، حيث يطلب منه العضو المفترض في لجنة المنح أن يقوم بلعب دور مساعد البروفيسور مانغ في محاضرة في المدرج وسيُشاهد أداءه هناك.
وهنا تؤكد مقدمة البرنامج بالينا، أنه مهما بذل ماجد من جهد لن تمضي الأمور على ما يرام؛ لأنها تكفلت بالأمر، وذلك عبر نقل أسئلة من أحد المراجع الطبية الضخمة التي أحضرتها، التي تضم معلومات غزيرة لا يعرف بعضها حتى الأطباء، إلى البروفيسور، عبر سماعة وضعها في أذنه ليطرحها على ماجد أمام جميع زملائه، وعضو لجنة مكتب المنح في وقت يتم التصوير بكاميرا خفية.
ويعجز ماجد عن الرد على الأسئلة الغريبة والصعبة، مثل سؤاله عن ماهية الـ "فينوسترافوبي"، الذي يعني الخوف من النساء الجميلات، فيسأله البروفيسور هل لديك هذه الفوبيا، فيرد ماجد بكلا، وسط ضحك الحضور، وهنا ينهض عضو لجنة المنح ويقول إن هذا يكفي.
ثم يزيد مقدار قساوة المقلب والكابوس الذي حضره البرنامج التلفزيوني على ماجد، عندما تحضر لجنة مكونة من 4 أشخاص لاستجوابه، وتبدأ عضوة فيه بالقول إنها تأسف لأن هذا الموعد أصبح ضرورياً، وأنه بات موضع اشتباه بالتلاعب بقائمة الحضور أو تمزيقها، الأمر الذي ينفيه الطالب اليمني.
ثم تقول له إنه بفحصهم عبر الكمبيوتر لإجابات الفحوصات السابقة، اكتشفوا أن طالباً آخر قدم إجابات مطابقة تماماً لما كتبه هو، من حيث الإجابات الصحيحة وأيضاً الخاطئة.
وتؤكد أن هذا ليس مصادفة؛ بل حدث التطابق خلال عامين، ثم يضيف عضو آخر من اللجنة بأنهم يعتقدون أن أحدهم قد قدَّم الفحص عنه؛ لأن إجاباته إما أن تكون صحيحة كلها أو خاطئة كلها.
الكل يتآمرون عليه
ويحاول ماجد أن يدافع عن نفسه مستغرباً من الاتهام، ويقول كما تعلمون أنه يتم فحص البطاقة الجامعية عند تقديم الامتحانات، فيرد عليه عضو اللجنة بأنه قد رأى كيف قام بتبديل بطاقته مع زميله.
ثم يُسأل فيما إذا كان قد أعطى كلمة سره على حاسب الجامعة لأحد، فيرد بالنفي. فتقول له عضوة اللجنة إنهم وجدوا أنه قد سجل دخوله لحاسب الجامعة من جهازين في نفس الوقت. وعندما يخمن ماجد بأنه قد سجل دخوله من هاتفه المحمول، ومن الكمبيوتر في المكتبة، ترد عضوة اللجنة بأنهم حصلوا على صور من الأمن، تظهر أن شخصاً آخر يجلس على الكمبيوتر في المكتبة، في الوقت الذي تم تسجيل دخوله من حسابه. ويتم سؤاله فيما إذا كان يعرف من هو الظاهر في الصور أو فيما إذا كان هو، فيرد بأنه ليس هو ولا يعرف هوية الشخص. وهنا تؤكد اللجنة أنه هنا أيضاً حصل الأمر ليس مرة واحدة، بل عدة مرات.
وعندما ظنَّ ماجد أن الفرج آتٍ بوصول صديقه المقرب نيكو الذي من المفترض أنه يحمل بطاقته الجامعية، يقوم صديقه بوضع محفظة أوراق ماجد بأكملها أمام اللجنة، وهنا يعثر أعضاؤها على نصف ورقة إثبات المشاركة في المحاضرات الممزق بين أوراقه، ويتم سؤال ماجد عن سبب تواجد محفظة أوراقه لدى زميله، وما الذي تفعله نصف الورقة الممزقة موضع الاشتباه لديه.
وهنا تقول لجنة المنح إن مجموع الأدلة أصبح لديهم واضحاً، وستجتمع في غرفة مجاورة للتشاور، في وقت بدا ماجد في حديثه مع صديقه نيكو منهاراً لا يكاد يصدق ما يجري، سائلاً إياه إن كان هو من وضع نصف الورقة الممزق في محفظة أوراقه.
وتتظاهر مقدمة البرنامج بالينا الجالسة مع حبيبة ماجد يوليا، بأنها متعاطفة معها قائلة: "يا للمسكين"، مشيرة إلى أن أعصابه تبدو منهارة تماماً.
وتُبلغ اللجنة المزعومة المشارِكة في المقلب ماجد بأنه بالنظر لامتلاكهم 3 أدلة، قرَّروا سحب المنحة الدراسية منهم، وسيبلغون الجامعة بذلك، وأن الدراسة الجامعية انتهت بالنسبة له، والمنحة بكل تأكيد، ولن يتحقق حلمه بأن يصبح طبيباً، فيما يبدو ماجد مصدوماً بشدة وغاضباً، يقول: "ما الذي يجري هنا الآن؟"
"أجمل كابوس سبق أن حصل معه"
وبعد أن تم إرهاق ماجد معنوياً، وكان تحت وقع الصدمة، دعته زميلته للمدرج الجامعي، حيث تفاجأ هناك بتصفيق الجميع له، وبوجود المذيعة بالينا ، فبدأ يسألها عما تفعله.
قالت له بالينا إنه كان يشعر بالتأكيد بأنه في الموقف الخاطئ ولا يدري ما يجري، فبدأ ماجد بالصراخ متنفساً الصعداء، لعلمه أن ما جرى لم يكن حقيقياً، وتساءل لماذا هذا كله؟ فأخبرته بأمر البرنامج، وأن عليه ألا يقلق، وأن ما حصل معه ليس أسوأ كابوس حصل معه في حياته، بل أجملها، ثم شرحت لها كيف أن صديقه "نيكو" والبروفيسور مانغ تعاونا معه، وأن الشخص الذي يدين له بهذا الكابوس هي حبيبته يوليا، التي حضرت إلى المدرج أيضاً.
ثم سألته عما يحلم بتحقيقه، ولا يمكن شراؤه بالمال، فأجاب بأنه يريد زيارة والديه في اليمن، وعندما سألته وهي تذرف الدموع عن المرات التي يتواصل معهما عبر الهاتف، غالبت ماجد دموعه أيضاً، وقال 3 أو 4 مرات في الشهر، إنه يحاول كثيراً، لكنه غالباً ما تكون الاتصالات مقطوعة بسبب الحرب.
وهنا قالت له إنها لا تريد أن يعاني أكثر، كاشفة عن جلب جزء صغير من الوطن له، فدخل السفير اليمني في برلين وفي يديه جهاز لوحي عليه رسالة فيديو من والديه، يقولان له إنهما مشتاقان له، ويريدان أن يزوراه لكنهما لا يستطيعان، ويتمنّيان أن يزورهما هو قريباً، فبدأ ماجد في البكاء.
ثم قالت بالينا له، إنه كما رأى والديه أيضاً يرغبان في رؤيته مجدداً، وإنه ما كان اسم برنامجهم "المفاجأة الكبيرة" إن لم يستطيعوا تحقيق ذلك، ثم قدَّمت له ما بدا أنها بطاقة طائرة يستطيع السفر بها إلى بلاده.
وأوضحت له أنهم حاولوا كثيراً إحضارهما إلى ألمانيا، وتحدثوا مع الخارجية الألمانية والقنصل والسفارة في برلين، إلا أن والديه ليس لديهما جوازا سفر، وأمه ليس لديها حتى بطاقة هوية، لكن مع ذلك نجحوا في النهاية وها هما والداه، فدخل الاثنان المدرج وسط تصفيق زملائه، وصدمة ماجد الذي بدأ بالصراخ غير مصدق ما يحدث، قبل أن يركض ويعانق والده ويقبلان بعضهما بعضاً، فيما انخرط الكثيرون في البكاء.
وحظي البرنامج حين عرضه في العام 2015 بانتقادات أكثر من الإشادات في وسائل الإعلام الألمانية، وهكذا سمى موقع "ماي هايمات" الظاهرين في حلقات البرنامج "ضحايا" المقالب، وانتقدت كاتبة مقالات رأي في موقع فوكوس مقالب البرنامج، منها ما حصل مع ماجد، معتبرة أن هذا الأسلوب ليس جديداً وليس طريفاً، مستنكرة كيفية فرح البعض بإلحاق الضرر بالآخرين، ثم مكافأتهم، في إشارة إلى وضع ماجد في البداية في أحد أسوأ كوابيس حياته، ثم "مكافأته"، معتبرة أن مقدمة البرنامج تظاهرت بالبكاء لأجل العرض فحسب.
وهذا ما بدا واضحاً أيضاً في كلمات ماجد الأخيرة في الحلقة، إذ قال إنه سعيد بأن والديه أصبحا عنده، وإنه تمت مفاجأته بأسوأ طريقة، وإنه ما زال في حالة صدمة.