منذ أن ترك الخيال العلمي الروايات الأدبية وانتقل إلى شاشات السينما في هوليوود؛ كان العنصر الأساسي فيه هو الترفيه، واستغلال الأفكار الجامحة المستقبلية التي راودت كُتاب هذا الفرع من الكتابات، ولكنها بدأت محدودة القدرات، واعتمدت على شطحات خيالية كبيرة، وعلى الرغم من ذلك كانت لا تزال أفكار الخيال آنذلك تتمحور حول إنجازات "علمية" متقدمة كان منها ما لا يزال خيالاً بحتاً بالنسبة للمجال النظري العلمي.
ولكن مع تطور العلوم والأبحاث العلمية في مختلف المجالات حاولت بعض الأعمال الترفيهية تقديم منتج خيالي يحاول الاقتراب بأقصى درجة من أحدث ما وصلت إليه النظريات، والأطروحات العلمية الحديثة والابتعاد عن جرعات "الخيال" العالية في أفلام الخيال العلمي، وفي تقريرنا سوف نتناول أبرز هذه الأعمال السينمائية التي اقتربت من الدقة العلمية في النظريات الحديثة في أكثر من مجال.
2001: A Space Odyssey أبو الخيال العلمي!
البعض يطلقون على هذا الفيلم الأيقوني الكلاسيكي "أبو الخيال العلمي" في السينما الأمريكية، فقبل هذا الفيلم كانت سينما الخيال العلمي مليئة بالروبوتات وسُفن الفضاء طفولية الشكل، وملابس مستقبلية قد تبدو مضحكة اليوم إذا ما قورنت بعصر السفر عبر الفضاء؛ لكن 2001: A Space Odyssey الذي أخرجه المخرج الأمريكي الشهير "ستانلي كوبريك" عام 1968 أراد أن يوّظف الميزانية الكبيرة لصالح الدقة العلمية بأكبر شكل ممكن.
فبخلاف التقنيات التي تنبأ الفيلم بظهورها، مثل الأجهزة اللوحية التي تعمل باللمس، والذكاء الاصطناعي وغيرها، كان كوبريك دقيقاً علمياً في كُل من تصوير طفو الأجسام والأشخاص في انعدام الجاذبية في الفضاء والمعروفة باسم حالة Zero Gravity، ولكن السر الذي جعل الفيلم مبهراً علمياً كان استخدامه لكل الحقائق للسفر عبر الفضاء، مثل زمن السفر وظروف الحياة على مركبات خارج مجال الأرض، بعد أن استعان بملفات مشروع أمريكي حقيقي لوكالة ناسا للسفر إلى المريخ عُرف باسم مشروع EMPIRE لنقل 8 رواد فضاء إلى المريخ، وباستخدام كل الأبحاث العلمية عن وجود الإنسان في الفضاء ظهر الفيلم وكأنه وثائقي أكثر منه روائياً؛ نظراً لتطابق كل قوانين وحقائق السفر للفضاء مع ما جاء في الفيلم.
Contact حياة خارج النظام الشمسي
واحد من الأفلام المشوقة من فئة الخيال العلمي، ولكنه أيضاً اتسم بالدقة العلمية الكبيرة. فيلم Contact الذي أنتج عام 1997 من بطولة "ماثيو ماكونهي" و"جودي فوستر" تمحور حول عالمة وباحثة في مجال التقاط الإشارات الآتية من الفضاء الخارجي وتحليلها، والتي تصل إلى كشف علمي مهم يثبت وجود أشكال عاقلة للحياة في نظام شمسي آخر، ولكنها تصادف عقبات كبيرة بعد أن يحاول البعض إخفاء اكتشافها.
وصف موقع صحيفة نيويورك تايمز هذا الفيلم بأنه واحد من أكثر الأفلام دقة علمياً؛ إذ استخدم الحقائق من المناهج العلمية والحقائق نفسها التي يعتمد عليها علم المعهد الأمريكي العلمي SETI Institute، والمعنيّ بالأساس بالبحث والتواصل مع أي أشكال عاقلة للحياة خارج المجرة، وخاصة كل الأجزاء الواردة في الفيلم حول موجات الراديو طويلة المدى وزمن ارتدادها إلى الأرض.
The Martian أكثر الأفلام الدقيقة علمياً
هذا الفيلم الذي لم يتناول أية مغامرات قتالية خيالية أو صراع من حضارات فضائية متقدمة، أو أي أسلحة ليزرية مثلما هي الصورة النمطية لأفلام الخيال العلمي، لكن على العكس جاء فيلم The Martian واقعياً بشدة، وأقرب إلى حادث أو معضلة قد تقابل البشر عند السفر إلى المريخ.
الفيلم الذي عُرض عام 2015 من بطولة مات ديمون، تمحور حول سفر رائد فضاء إلى المريخ، وتعرضه لعاصفة قوية تجعله حبيس المريخ دون أي فرصة للعودة إلى الأرض، وكل ما كان عليه فعله فقط هو البقاء حياً والنجاة على كوكب المريخ.
أشاد الكثير من العلماء بالفيلم بوصفه استخدم كل الظروف الحقيقية للحياة على كوكب المريخ، والتي يعرفها البشر حالياً عبر الدراسات العلمية والفلكية، بداية من زمن السفر والوصول والمقدّر بـ21 شهراً لكامل الرحلة؛ إلى ظروف الزراعة في تربة المريخ، وصولاً إلى التصوير الدقيق علمياً لتضاريس ومناخ كوكب المريخ.
Arrival كيف سنفهم الفضائيين؟
قد يعتقد البعض ممن شاهدوا فيلم Arrival أنه خيال علمي بحت؛ وأن هبوط مركبات فضائية غامضة بها كائنات فضائية عملاقة ما هو إلا درب من الخيال البحت؛ وهم محقون في هذا تماماً، وهذا لأن هذا الفيلم المبهر لم يتسم بالدقة في تصوير الكائنات الفضائية؛ بل اتسم بالدقة والواقعية في شيء آخر تماماً؛ ألا وهو سيناريو حدوث غزو فضائي بالأساس، وتمحور حول أحد أهم العقبات التي تشغل علماء البحث عن أشكال الحياة خارج الأرض، وهي: التواصل.
ففي أحد أبرز فصول الفيلم الذي عرض عام 2016، يقابل البشر معضلة كبيرة في فهم لغة الفضائيين، والتي كانت تكتب على شكل رموز عشوائية لا يمكن حلّها، فتلجأ السلطات إلى عالمي لغويات وتشفير للتعامل مع الغزو، وهو الجزء الذي استخدم تقنيات علمية حقيقية في علم اللغويات Linguistics وطرق تتبع وفك تشفير اللغات الغامضة أو الميتة، حتى وإن كان الإطار العام بعيداً عن حقيقة أطروحة التواصل مع كائنات أخرى، وأحد الجوانب العلمية القائمة في عالمنا اليوم.
Blade Runner 2049 سيناريو المناخ المرعب
الأفلام التي تتسم بطابع ما بعد الخراب أو Dystopian عادة ما تتمحور حول أسوأ سيناريوهات قد تتعرض لها البشرية، مثل الحروب النووية والغزو الفضائي أو حتى الفيروسات القاتلة، وبينما قد تكون السيناريوهات السابقة بعيدة عن التوقعات الحقيقية؛ إلا أن فيلم Blade Runner 2049، والذي قام ببطولته هاريسون فورد، وُصف بأنه تخيل الأسوأ في المستقبل بسيناريو المتوقع اليوم والدقيق علمياً: التغير المناخي.
ففي أحداث الفيلم المستقبلية يكون السبب الأول للدمار وخراب أشكال الحياة هو التغير المناخي، والذي يغير طبيعة الكوكب من خلال ظواهر مثل التصحر، والجفاف، وموجات تسونامي البحرية التي قد تقضي على مدن بعينها، مثلما اختفت ولاية كاليفورنيا في الفيلم تماماً بعد أن غمرتها الفيضانات، وهو ما يتطابق بالفعل مع أغلب أبحاث توقعات تغير المناخ في عالمنا اليوم بشأن ذوبان جليد القطبين والتصحر في إفريقيا، وحتى ارتفاع درجة حرارة الكوكب عن معدله الطبيعي.
Interstellar: أفضل تصوير لثقب أسود حتى اليوم
المخرج الشهير "كريستوفر نولان" عادة ما يقدم لعالم الترفيه أفلاماً ثقيلة العيار وتتسم بالإثارة في الوقت نفسه، ما يجعل المشاهد عادة ينشغل بالعمل والتفكير فيه لفترة طويلة، وأحد أبرز أعماله فيلم Interstellar الذي عرض عام 2014 لم يكن استثناءً إلا فيما يتعلق بالدقة قبل الإبهار.
الفيلم الذي يتمحور حول رائد فضاء يرتحل خارج المجرة في محاولة للبحث عن كوكب آخر صالح لحياة البشر عبر الدخول فيما يعرف في علوم الفضاء باسم "الثقب الأسود"، والذي، وبحسب أطروحات الفيزياء النظرية وفيزياء الفضاء اليوم، قد يكون وسيلة حقيقية للسفر عبر "الزمكان" والارتحال إلى أعماق بعيدة عن مجرتنا، كما أن "نولان" قدم على الشاشة واحداً من أكثر الأشكال دقة علمية في تخيل الثقب الأسود، وقد استعان نولان بالفعل بالعديد من علماء الفيزياء بالفعل للخروج بأكثر شكل دقيق علمياً حتى اليوم مقارنة بالصور التي تصل إلى عالمنا عبر التلسكوبات الفضائية.