عند قدوم ضيوف غير مدعوّين إلى منزلهم، تُقلب حياة زوجين رأساً على عقب وتُصبح علاقتهما على المحك؛ مما سيؤدي إلى زعزعة أمان حياتهما.
فيلم آخر أكثر غرابة من يدي المخرج المحنَّك، ولكن المثير للجدل،دارين أرنوفسكي والذي قدم لنا أعمالاً سينمائية، بعضها يعتبر تحفاً فنية وأخرى مثيرة للجدل، مثل: Requiem for a Dream, The Fountain, Black Swan, Pi, Noah…، ليأتي مرة أخرى ويفاجئنا بواحد من أكثر الأفلام جدلاً هذه السنة والأكثر جنوناً وغرابة كما وصفه مجموعة من النقاد.
الفيلم هو من بطولة جينيفر لورانس، وخافيير باردم وإد هاريس.
CinemaScore سلبياً، حيث حصل على العلامة F، التي تعتبر أسوأ تقييم يمكن لأي فيلم الحصول عليه، وهذا الموقع يعتبر منصة يعبِّر بها الجمهور عن رأيه في الأفلام من خلال نظام استقصاء واستعراض للآراء بشكل حصري، لمجموعة محددة من الجمهور، قبل صدور الأفلام بشكل رسمي.
كما يبدو، فالجمهور لم يعجبه الفيلم؛ لأنه عمل سينمائي فريد من نوعه لدرجة الغرابة، كما أنه فيلم غير موجَّه للجمهور العام، هذا ما أكده أغلب النقاد الذين قالوا إن ذلك هو السبب في حصوله على التقييم السيئ من الموقع، فالنقاد كان لهم رأي آخر مخالف للجمهور، حيث أشاد أغلبهم بروعة الفيلم.
هذا التقييم السيئ دفع شركة إنتاج الفيلم Paramount Pictures لتدخل على الخط والدفاع عن الفيلم؛ لأن ما قام به هذا الموقع والذي له شهرة كبيرة من طرف الجمهور سيسبب خسارة هائلة للفيلم في البوكس أوفيس بعد أن يصدر بشكل رسمي وواسع في الولايات المتحدة الأميركية والعالم.
لكن، لماذا الجمهور لم يعجبه الفيلم؟ ولماذا كل هذا الجدل؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال آراء مجموعة من النقاد.
يقول الناقد Jeremy Jahns، من قناته على اليوتيوب، إن الفيلم ليس ما تراه في الفيديوهات الإعلانية (تريلرز)، فما ستراه في هذه الأخيرة يعتبر مضللاً تماماً لما هو في الفيلم، فمثلاً بعد مشاهدتها قد تظن أنه فيلم رعب… لكنه ليس كذلك على الإطلاق. الفيلم عبارة عن استعارة أو تعبير مجازي بالكامل، فما ستشاهده في الفيلم هو شيء، لكن المعاني وراءه شيء آخر، حيث يحكي عن قصة شيء غريب بالكامل باستعمال مشاهد وصور مألوفة لنا.
يضيف Jeremy أنه إذا أردت مشاهدة الفيلم فيجب أن تعرف أولاً ما الذي تحب أنت أن تشاهده، فإذا كنت تكره أفلام المخرج دارين أرنوفسكي أو كنت تحب فقط الأفلام ذات القصة البسيطة وغير المعقدة، فهذا الفيلم ليس لك، سوف يخيب أملك وستكرهه فوراً.
في وصفه للفيلم، يقول الناقد Chris Stuckmann على قناته باليوتيوب: زوجان يعيشان في منزل معزول وحده، الزوج اسمه "هيم Him" من بطولة خافيير باردم، وهو شاعر مشهور يحاول أن يكتب قصيدة، لكنه يواجه صعوبة في استخراج أفكاره وكتابتها. الزوجة اسمها "mother أو أم" من بطولة جينيفر لورانس، وهي تحاول جاهدة أن تحافظ على منزلهما والعيش بهدوء وسلام والابتعاد عن العالم.
فجأة يأتي عندهم زائر، بعد ذلك تأتي زوجة هذا الزائر. بعد مدة قصيرة، تشعر هذه الأم (جنيفر لورانس) بأن منزلها أصبح مليئاً بالغرباء وأن هناك حفرة في الأرضية تنزف دماءً! وأن المنزل له قلب ينبض!
يضيف Chris: "الفيلم عبارة عن لغز أحاول أن أجد له حلاً، لكني أعرف أني لن أستطيع؛ لأن هناك العديد والعديد من التأويلات التي يمكن للفيلم تفسيره بها. الفيلم يحوي معاني وتعابير مجازية كثيرة، بالإضافة إلى مشاهد بصرية هدفها جعل المشاهد يُخمن فيها مدةً. هناك تلميحات تشير إلى التوراة كقصة هابيل وقابيل، أشياء تشير إلى الله والأرض… هناك الكثير من الأمور الجنونية، لكن رغم ذلك أحببت الفيلم".
من موقع common sense media، يقول الناقد Michael Ordona إن الفيلم عنيف جداً ويجعل المشاهد شديد الانفعال، مما يجعله بنحو معين مرعب ومؤثر. استطاع المخرج دارين أرنوفسكي أن يجعل الفيلم تتصاعد أحداثه بشكل مخيف، حيث هناك بعض المشاهد والأفكار التي قد تؤثر على المشاهد الصغير في السن وغير المُهيأ فكرياً والتي قد تخلق له كوابيس دائمة.
أما من موقع IndieWire، فيحدثنا الناقد Ben Croll عن الجانب الديني، حيث يربط الفيلم شخصية الأم بجنة عدن، كما يلمح أو يشير، بطريقة أو بأخرى، للأوبئة العشرة التي كانت في عهد فرعون والمذكورة في الإنجيل، بالإضافة إلى محاولة تصوير قصة الأخوين هابيل وقابيل. أما في بعض اللحظات، فنرى مشاهد تشير إلى الوحشية وآكلي لحم البشر، مما يدفع المشاهد لاستنتاج أفكار لها علاقة بالعقائد الدينية.
أما من موقع pluggedin، فيحذرنا Adam R. Holz من الأفكار الضمنية للفيلم، حيث يقول إن الدقائق العشرين الأخيرة من الفيلم تبدو كأنها مكتوبة بشكل متعمَّد لإيصال انطباع ومنظور سيئ وسلبي عن الرب وعن كل من يعبدونه، أظن أن هذا الفيلم هو أكثر الأفلام حقداً وازدراءً والتي رأيتها في حياتي عن المسيحية والدين بصفة عامة.
رغم أن أغلب النقاد أشادوا بالفيلم، فالجانب المادي الذي يتحكم فيه الجمهور لا يبدو مبشراً على الإطلاق، حيث حصد منذ 10 أيام على إصداره في أميركا نحو 13 مليون دولار فقط و12 مليون دولار في باقي أنحاء العالم لحد الوقت الذي كُتبت فيه هذه السطور، أما ميزانيته فقد وصلت إلى 30 مليون دولار. ولكي يعتبر الفيلم ناجحاً مادياً يجب أن يحصد على الأقل ضعفين إلى 3 أضعاف ميزانيته في مدة لا تتعدى 10 إلى 15 يوماً وهو في القاعات السينمائية. هذا الأمر دفع Paramount Pictures لتدخل على الخط والدفاع عن الفيلم لعل وعسى أن يثيروا انتباه الجمهور للذهاب لمشاهدته.
لحد الآن، كل من شاهد الفيلم يخرج برأي مثير للجدل ويخلق نقاشات ونظريات مختلفة حوله، نادراً ما نرى مثلها في عصر السينما الحالي. لكن، كيف دافعت شركة Paramount Pictures عن فيلمها هذا؟
الفيلم "جريء"، هذا ما قالته ميغان كوليغن رئيسة قسم التسويق والتوزيع على الصعيد الدولي للشركة، في مقابلة مع موقع The Hollywood Reporter، وتضيف: "نحن نتكلم عن واحد من أفضل المخرجين المحنكين (دارين أرنوفسكي) في عصرنا الحالي، وواحدة من أمهر الممثلات (جينيفر لورانس) في هوليوود. لقد عمدا إلى أن يُنجزا فيلماً عميقاً وجريئاً في محتواه. حالياً، الجميع يريد أفلاماً بأفكار ومواضيع أصلية، انظر -على سبيل المثال- عندما تقوم شركة نتفليكس بإنجاز فيلم لم تُرد أي شركة أخرى من قِبل أن تجازف فيه، وفي الأخير تجد الجمهور يشيدون به. هذا ما أردنا أن نقوم به. نحن لا نريد أن ننجز فيلماً عادياً يمر مرار الكرام ثم يُنسى من بعد ذلك. وإن لم يعجب الفيلم البعض، فهذا عادي ولا مشكلة في الأمر".
أما مخرج الفيلم دارين أرنوفسكي، فلم يبدِ أي فجأة أو خيبة أمل حول التقييم السيئ من قِبل CinemaScor، حيث قال إن فيلمه هذا يعكس ما يحدث في عالمنا حالياً. ويضيف قائلاً: "أردتُ أن أنجز فيلماً سيثير الجدل وأرى كيف سيكون رد فعل الجمهور. والسبب الذي دفعني لأهتم لرأيهم هو أنني كنت حزيناً وقلبي مليء بالكرب، وأردت أن أعبر عن هذه الأحاسيس. إن الصناعة السينمائية رحلة صعبة جداً. دائما ما يقول لك الناس (لا). وأن تستفيق كل صباح من فراشك وتواجه كل أولئك الذين يقولون لك (لا)، يجب أن تكون مستعداً لأن تؤمن بشيء ما".
"الاسم الأول للفيلم، كان هو (6 أيام) ولم يتغير لـ!Motherإلى أن انتهينا من التصوير. الفيلم ممكن أن يكون حول خلق الكون أول مرة وحول نهايته. هناك أيضاً موضوع خلق الذكر والأنثى، ثم هناك فساد الذكر والأنثى، ثم هناك الاكتظاظ السكاني وخلق الدين وهكذا دواليك".
وأردفت: "ما يحاول أرنوفسكي فعله في هذا الفيلم هو تجريد الجميع من قوميتهم، فمثلاً إذا حدث شيء سيئ في الجانب الآخر من العالم، فأنت لن تهتم، ولكن إذا حدث هذا الشيء لمنزل جارك، فستهتم عندها. إذا قام مثلاً شخص ما بإطفاء سيجارة فوق سجادتك، فسيُغضبك الأمر. إذن، ما يحاول قوله هو أن هذا هو العالم بأكمله، هذه هي أرضنا الوحيدة، هنا مستقرنا جميعاً، لذا توقف عن العبث فيها".
في الأخير، يبدو أن هذا الفيلم ليس بالعمل السينمائي العادي، فكما رأينا يبدو أنه يحتوي على أفكار ضمنية تخاطب اللاوعي وتهاجم الدين، وهذا ليس بالغريب عن المخرج دارين أرنوفسكي، حيث نتذكر جيداً فيلمه عن النبي نوح Noa، والذي كان قد خلق جدلاً واسعاً عند صدوره سنة 2014 وتم منع عرضه في العديد من الدول بالعالم.
– تم نشر هذه التدوينة في موقع Aflam Talk
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.