بالقرب من الحرم القدسي الشريف، وأسوار البلدة القديمة، وملاصقاً حائط البراق، هناك كان يعيش كل من جاء من بلاد المغرب إلى القدس، لتحرير المدينة من يد الصليبيين أولاً إلى جانب صلاح الدين الأيوبي، ثم لطلب العلم بعد ذلك، ليصبح اسم هذا المكان "حارة المغاربة".
تميزت حارة المغاربة، التي استوطن أراضيها المغاربة ابتداءً من سنة 1187 م، بطريقة بناء منازلها الفريدة، على شكل منازل ملتصقة ذات جدران سميكة، تعلوها قناطر وقباب، وغرف صغيرة، وتتخللها أزقة ضيقة ومعوجة، وآبار ومداخل صغيرة.
عُرف هذا الحي التاريخي القديم العديد من التغيرات، منذ فترة حكم الدولة الأيوبية، والحكم العثماني، وصولاً إلى سنة 19967، عندما أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على اقتحام الحارة وتدميرها كاملة، وتشريد كل من كان يعيش بها، وقد استشهد عدد كبير منهم، فيما بقي عدد آخر في عداد المفقودين.
تحولت حارة المغاربة بعد هذا التاريخ، الذي عقب حرب يونيو، إلى حارة خاصة لليهود، تقام فيها صلواتهم عند حائط البراق، وقد تم مسح جميع معالمها القديمة وآثارها التاريخية التي كانت تميزها.
حارة المغاربة التي أسسها صلاح الدين الأيوبي
بدأ توافد المغاربة على مدينة القدس، للمشاركة في المعركة الفاصلة بين الصليبيين والمسلمين، بقيادة صلاح الدين الأيوبي، مؤسسة الدولة الأيوبية، والتي سُميت معركة حطين، وذلك سنة 1187.
بعد انتصار المسلمين في هذه المعركة الحاسمة، التي تم فيها تحرير معظم الأراضي التي احتلها الصليبيون، تمسك الأيوبي بالمغاربة الذين حاربوا إلى جانبه، وكانت نسبتهم تقارب 25% من إجمالي الجيش الذي قاده.
وجاء ذلك بسبب دورهم البارز في الانتصار على الصليبيين، خصوصاً أنهم كانوا حاضرين في كل المواقع، سواء البرية منها أو البحرية.
استقر المغاربة في الجزء الجنوبي الغربي من حائط البراق، والتي كانت تعتبر منطقة يسهل وصول الأعداء إليها، إلا أن صلاح الدين الأيوبي قال: "أسكنت هناك من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، من أستأمنهم على هذا المسجد العظيم وهذه المدينة".
في عهد الملك الأفضل نور الدين الحكم، تم بناء العديد من المرافق الأخرى داخل حارة المغاربة، من بينها مدرسة، وجامع، وفي سنة 1300 تحول إلى مكان يعج بالسكان القادمين من بلاد المغرب، بهدف العلم والحج.
هكذا ازدهرت حارة المغاربة
استمرت حارة المغاربة بشكلها المتعارف عليه خلال فترة الحكم العثماني، بعد دخولهم مدينة القدس سنة 1517، بالرغم من أنها كانت جزءاً من دولتهم حينها.
كما أن حارة المغاربة في هذه الفترة ازدهرت بشكل أكبر فكرياً وعلمياً ودينياً، بعد استقطاب علماء ومفكرين ورجال دين، من شيوخ متصوفين، وحجاج وتجار وغيرهم.
وبسبب التوافد الكبير عليها، عمل العثمانيون على بعض التغييرات في مظهر وحجم الحارة، إذ تم إلغاء بابها الرئيسي، وبناء واحد أكبر بكثير، وهو الذي يقود إلى الحرم المقدسي بشكل مباشر، مع توسيع الساحة، لساحة خارجية، أصبحت تحمل اسم "حارة المغاربة البرانية".
استمر التوافد على مدينة القدس، واستقرار كل من هم من تونس وليبيا والمغرب والجزائر في حي المغارب، على مر السنين.
وقبل سنوات من إسدال الستار على قصة تاريخ حارة المغاربة بشكل كامل، وبالضبط سنة 1955، أصدر الملك محمد الخامس ملك المغرب آنذاك قراراً بإنشاء مستشفى هناك، بهدف تقديم خدمات صحية ذات جودة عالية للسكان.
تم افتتاح المستشفى رسمياً في 14 يوليو 1956، بحضور وزير خارجية المغرب المعين حينها عبد الخالق توراس، وسُمي "المستشفى المغربي".
وكان يوفر العديد من الخدمات الصحية المجانية لسكان الحارة والأحياء الأخرى المجاورة، تشمل أقساماً للطوارئ والجراحة والأمراض الباطنية والنساء والولادة والأطفال.
كما كان المستشفى مجهزاً بأحدث الأجهزة والأدوات الطبية التي يمكن توفيرها، مع طاقم طبي وتمريضي وصيدلي وفني معظمه من المغرب.
سنة 1967 تغير كل شيء.. تدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي للحارة
في شهر يونيو من سنة 1967، وعقب حرب الأيام الستة، هجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على سكان حارة المغاربة، وقاموا بتدمير كل مبانيها ومرافقها الأساسية، وإخلائها من السكان قصراً، فتم تشريد العائلات، واستشهاد أعداد كبيرة من المواطنين، واختفاء آخرين.
وقد وصل عدد المباني الأثرية التي تم تدميرها من طرف قوات الاحتلال إلى ما يزيد على 135 بناءً، من بينها جزء من مسجد البراق الشريف، الملتصق بحائط البراق في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى.
وكان الهدف الإسرائيلي وراء تدمير حارة المغاربة، وعدة حارات أخرى مجاورة، هو توسيع المكان المحاذي لحائط البراق لإظهار الأجزاء المخفية من حائط المبكى، والذي في ساحته الصلاة عند اليهود.
وحسب ما ذكرته سعدية رزق الخطيب، وهي إحدى النساء اللواتي كن يعشن في حارة المغاربة لوكالة الأنباء "الأناضول"، وهي تتذكر تاريخاً تم مسحه بالكامل من طرف قوات الاحتلال، قالت إن ذلك الهجوم لم يترك فرصة كافية للسكان من أجل الهروب أو حتى أخذ أغراضهم المهمة معهم.
وأضافت: "كان هذا المكان بمثابة مدينة تخدم كل أهل القدس، فكان فيها مؤسسات وروضات أطفال ومدارس وعيادات، ومخفر للشرطة الأردنية، وكان فيها سكان".
كان الرصاص كالمطر فوق رؤوس المدنيين، هكذا وصفت الخطيب تلك الليلة، قائلة إنها كانت خارج المنزل عندما عادت لتجد كل شيء تم تدميره، فقد اختبأ جميع من نجا في منزل أسفل جدار المسجد الأقصى طوال فترة الحرب.
اليوم حارة المغاربة أصبحت مجرد ذكرى مكتوبة بعضها في الكتب التاريخية، وأخرى في مقالات صحفية، فيما حفرت ذكراها في ذاكرة كل من عاش بها، وحرم منها بسبب الاحتلال.