شهد التاريخ ميلاد العديد من الإمبراطوريات العظمى التي حكمت أجزاءً واسعةً من العالم، مثل الإمبراطورية الرومانية والإغريقية في العصر القديم، والمغولية والإسلامية في العصور الوسطى، والإمبراطورية البريطانية والروسية في التاريخ الحديث، هاتان الإمبراطوريتان شكّلتا أكبر إمبراطورية في التاريخ، وذلك بعد أن حكمت كلٌ من الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الروسية ربع الكرة الأرضية تقريباً، في وقت من الأوقات.
لكي تصير إمبراطورية، يجب أن تكون مساحة واسعة من الأرض يقودها سياسياً إما ملك أو إمبراطور، إذ يقصد بلفظ الإمبراطورية، وفقاً لموقع WorldAtlas الكندي، "مجموعة واسعة من الدول أو البلدان التي يحكمها حاكم واحد أو طبقة أوليغارشية واحدة أو دولة ذات سيادة"، ويعتقد أنّ أوكتافيوس الملقب بأغسطس، والذي كان أوّل أباطرة الرومان، هو أوّل من وضع المصطلح.
أمّا من الناحية العملية، تُعَد الإمبراطورية قصة من الوحشية والقمع المسلط على الشعوب التي تتعرض لغزو في سبيل تشكيل هذه الإمبراطورية، إذ تنافست الإمبراطوريات التي نشأت بالتوالي على من ستكون أكبر إمبراطورية في التاريخ.
1- الإمبراطورية البريطانية، أكبر إمبراطورية في التاريخ
تعدّ الإمبراطورية البريطانية أكبر إمبراطورية في التاريخ، فهي الإمبراطورية التي كانت توصف بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
غطت الإمبراطورية البريطانية مساحةً تقدّر بـ13.01 مليون ميل مربع من الأرض، أي ما نسبته أكثر من 22٪ من مساحة اليابسة على الكرة الأرضية، والأكثر من ذلك كان عدد السكان المنتسبين للإمبراطورية في عام 1938 نحو 458 مليون نسمة، أي أكثر من خُمس البشرية.
شكَّلت هذه الإمبراطورية التاريخ العالمي بصورة عميقة منذ أواخر القرن السادس عشر حتى منتصف القرن العشرين من الميلاد. وأنشأت الإمبرطورية، من خلال ممارسة الاستكشاف البحري والتجارة والاستعمار، نظاماً إمبريالياً معقداً للحكم والسيطرة الاقتصادية على أراضٍ واسعة عبر كل القارات تقريباً.
وعلى الرغم من أنَّ الإمبراطورية جلبت معها التقدم في البنية التحتية والتبادل الثقافي، فإنَّها فرضت أيضاً الهيمنة الثقافية، والاستغلال الاقتصادي، وانتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العبودية والقضاء على مجتمعات السكان الأصليين.
بدأت الإمبراطورية البريطانية رحلتها لتكون أكبر إمبراطورية في التاريخ بمستعمرات ما وراء البحار والمراكز تجارية، وفي النهاية ضمت مناطق سيادة ومحميات وانتداب من كلّ أرجاء قارات العالم الخمس.
كان العبء الاقتصادي الكبير للحرب العالمية الأولى بداية النهاية للإمبراطورية البريطانية، التي بدأت تفقد سيادتها على مستعمراتها تدريجياً.
2- الإمبراطورية المغولية
في أكبر اتساعٍ لها منذ بداية القرن الثالث عشر، وصلت مساحة الإمبراطورية المغولية إلى 9.15 مليون ميل مربع، أي أكثر من 16٪ من مساحة الأرض، كانت تحت حكم المغول، في حين كان عدد سكان تلك الإمبراطورية نحو 110 مليون نسمة بين عامي 1270 و1309، أي أكثر من 25٪ من سكان العالم.
أسس جنكيز خان إمبراطورية المغول عام 1206 من الميلاد، وكانت قوة هائلة في تاريخ العالم. أظهر المغول استراتيجية عسكرية ومهارات تنظيمية استثنائية، وأسسوا أكبر إمبراطورية في التاريخ الوسيط.
امتدت سيطرة المغول من منطقة أوراسيا من الصين إلى أوروبا الشرقية. وسهَّل نظام اتصالاتهم المتقدم، المعروف باسم "يام"، السيطرة على أراضٍ واسعة، كما ساعد التسامح الديني للإمبراطورية والترقيات القائمة على أساس الجدارة في إقناع السكان بالاستسلام دون قتال. مع ذلك، استلزم توسعها أيضاً نتائج وحشية وحالات قتل جماعي، فتركت إرثاً صارخاً من الدمار.
وبسبب التنازع الداخلي، ومشكلات خلافة الحكم، وحالات التمرد، وصلت الإمبراطورية المغولية إلى مرحلة الضعف، وذلك بعد أن تفتتت إلى خانات بحلول أواخر القرن الثالث عشر من الميلاد.
3- الإمبراطورية الروسية
كانت روسيا آخر ملكية مطلقة في أوروبا، وقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانت روسيا واحدة من أقوى خمس قوى عظمى في أوروبا، لكن الأكثر من ذلك، فقد شكلت بمساحتها الشاسعة ثالث أكبر إمبراطورية في التاريخ.
إذ كانت الإمبراطورية الروسية تغطي مساحة 9.15 مليون ميل مربع من الأرض، أي أكثر من 15٪ من مساحة الأرض، مع عدد سكان وصل إلى نحو 176.4 مليون شخص في عام 1913، أي أكثر من 9٪ من سكان العالم.
وتعود بدايات الإمبراطورية الروسية إلى إمارة موسكو، التي بدأت باعتبارها بلدة صغيرة في القرن الثاني عشر، ونما نفوذها تدريجياً بسبب موقعها الاستراتيجي ومناوراتها السياسية البارعة، لاسيما في عهد إيفان الأول.
وبحلول عهد إيفان الثالث الملقّب بـ"إيفان الكبير" في أواخر القرن الخامس عشر، كانت موسكو قد نجحت في ترسيخ سلطتها على المناطق المحيطة، وتخلَّصت من نير المغول، فوضعت الأساسات لدولة روسية موحدة ستتطور لاحقاً لتصبح الإمبراطورية الروسية تحت حكم بطرس الأكبر عام 1721.
اتسمت الإمبراطورية بالحكم الاستبدادي، والتوسع الإقليمي الهائل، فضلاً عن سكان يتميزون بدرجة عالية من التنوع العرقي، ووضعت الثورة البلشفية سنة 1917 حداً لهذه الإمبراطورية ليخلفها الاتحاد السوفييتي.
4- الإمبراطورية الإسبانية
مع سقوط الأندلس سنة 1492، صعدت إسبانيا بصفتها واحدةً من أقوى دول العالم، والتي شرعت في بناء إمبراطوريتها على أنقاض العالم الجديد المكتشف في نهاية القرن الخامس عشر، حتى صارت رابع أكبر إمبراطورية في التاريخ.
إذ غطت الإمبراطورية الإسبانية نحو 7.72 مليون ميل مربع من الأرض، أي أكثر من 13٪ من مساحة الأرض، غالبيتها من مساحة القارة الأمريكية المكتشفة حديثاً حينها.
مع ذلك، بلغ عدد سكان الإمبراطورية الإسبانية نحو 68.2 مليون نسمة بين 1740 و1790، أي حوالي 12٪ من سكان العالم.
5- الخلافة الأموية
غطت الخلافة الأموية نحو 5.02 مليون ميل مربع من الأرض، أي إنّ أكثر من 8٪ من مساحة الأرض كانت تابعةً لدمشق عاصمة الأمويين، وهو ما يجعلها رابع أكبر إمبراطورية في التاريخ.
أما عدد السكان الذين كانوا يتبعون هذه الدولة فقد ناهز 62 مليون شخص بين عامي 720 و750، أي ما يقرب من 30٪ من سكان العالم.
تأسست الخلافة العثمانية على يد الصحابي معاوية بن أبي سفيان، واستمرت عائلته في حكم الدولة لأكثر من 136 سنة، وبلغ امتداد الدولة الأموية القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا، قبل أن تسقط على يد العباسيين في القرن الثامن الميلادي.
6- الإمبراطورية الرومانية
اعتبر المؤرخون تعيين يوليوس قيصر حاكماً لروما بداية الإمبراطورية الرومانية، وذلك للتفرقة بينها وبين الإمبراطورية الرومانية الشرقية المعروفة باسم البيزنطية، وعاصمتها القسطنطينية، إسطنبول الحالية.
وامتدت القصة التاريخية لروما لنحو 5 قرون تقريباً حتى سقوطها عام 476 من الميلاد، ووصل التوسع الإمبراطوري الروماني في ذروته تحت حكم الإمبراطور تراجان إلى ثلاث قارات، ويعود ذلك جزئياً إلى الابتكارات العسكرية، مثل إتقان أسلوب الكتائب القديم.
إذ شملت الإمبراطورية الرومانية أراضي بلغت 5 ملايين كيلومتر مربع، وعدد سكان بلغ في عام 25 قبل الميلاد حوالي 56 مليون نسمة.