قد يكون خطر وقوع الحرب النووية الشاملة بقرار إحدى الدول التي تمتلك الأسلحة النووية، أحد أكبر المخاوف والتهديدات التي تواجه البشرية، لكنه ليس الخطر الوحيد. فمع وجود تلك الأسلحة واحتمال وقوع أخطاء بشرية أو حوادث نووية عسكرية، فهناك سيناريوهات أخرى لا تقل خطورة.
مثل الاستيلاء على سلاح نووي أو سرقته أو فقدانه، أو الإطلاق العرضي أو غير المصرح به، أو إطلاق غير مصرح به لنظام أسلحة ذي قدرة نووية.
هذه هي الأحداث التي يسميها الجيش الأمريكي "السهم المكسور"، وبحسب وثائق سرية للجيش الأمريكي تم الكشف عنها، فإن حوادث القنابل النووية الأمريكية تكررت عشرات المرات. منها 6 رؤوس نووية لا تزال مفقودة ليومنا هذا، ويُعتقد أن واحداً منها على الأقل له القدرة على التفجير. وإليك أشهر تلك الحوادث:
1- "السهم المكسور الأول" وفقدان إحدى أكبر القنابل النووية الأمريكية في ذلك الزمن
عام 1950 وبعد 5 سنوات من إلقاء أمريكا قنابلها الذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانية، وقعت أول حادثة مسجلة من "السهم المكسور".
كان طاقم قاذفة تابعة لسلاح الجو الأمريكي يتدرب على سيناريو ضربة نووية وهمية، ولكن مع وجود إحدى القنابل النووية الأمريكية على متن الطائرة، قوة تلك القنبلة كانت 30 كيلوطن، وهو ضعف قوة القنبلة التي أسقطت على هيروشيما.
توجهت الطائرة في طريقها من قاعدة "إيلسون" الجوية بألاسكا، متوجهة إلى ولاية "سان فرانسيسكو" باعتبارها الهدف الذي يجب قصفه، ومن المخطط التوجه إلى قاعدة عسكرية في تكساس، لكن الأمور لم تسر حسب الخطة.
فبعد الإقلاع وبسبب الظروف الجوية بدأ الجليد يتراكم على جسم القاذفة واشتعال النار بالمحركات، وبدأت الطائرة تفقد ارتفاعها، وحرصاً على عدم تحطم الرأس الحربي النووي فوق مدينة أمريكية، أُمر الطاقم بإسقاط القنبلة في المحيط الهادئ، وقفز طاقم الطائرة بالمظلات بينما اصطدمت الطائرة بقمة جبل.
وبحسب التقرير "الرسمي"، لم تحتوي القنبلة على نواة البلوتونيوم اللازمة لحدوث تفجير نووي، لكنها ما زالت تحتوي على كمية كبيرة من اليورانيوم. ولم يتم العثور على القنبلة لغاية اليوم.
2- "السهم المكسور" قبل الوصول إلى دولة المغرب عام 1956
بعد 6 سنوات من فقدان القنبلة الأولى، تكررت حادثة أخرى لفقدان إحدى القنابل النووية الأمريكية، وهذه المرة فُقد قلبان نوويان، وليس واحد فقط، عندما انطلقت قاذفة B-47 من ولاية فلوريدا في طريقها لقاعدة "بن جرير" الجوية بالمغرب، ولكنها تحطمت فوق البحر الأبيض المتوسط.
بعد التزود بالوقود في الجو فُقد الاتصال، ولم تصل الطائرة قط إلى ثاني جدول زمني للتزود بالوقود. ولم يتم الكشف عن السلاح الدقيق الذي كانت تحمله، لكن الطائرات من طراز B-47 تحمل عادةً قنبلة "مارك 15" النووية التي يبلغ وزنها 3400 كيلوغرام. ولغاية اليوم لم يتم العثور على الطائرة ولا أي قلب نووي من الحادث.
3- اصطدام طائرتين عام 1958
خلال التدريب على مهمة قتالية بالقرب من ولاية جورجيا، عام 1958 اصطدمت قاذفة تابعة لسلاح الجو من طراز B-47 تحمل سلاحاً نووياً بطائرة F-86.
ولتجنب انفجارها وبعد عدة محاولات للهبوط، حصل طاقم القاذفة على الإذن للتخلص من القنبلة النووية لتقليل الوزن، وضمان عدم انفجارها أثناء الهبوط الاضطراري. لكن بعد سقوطها في مصب نهر "سافانا" لم يتم العثور على السلاح مطلقاً.
وانضم هذا السلاح النووي إلى قائمة الحوادث النووية وحالات فقدان القنابل النووية الأمريكية المسجلة والتي لم يتم العثور عليها.
4- غرق غواصة هجوم نووية وطاقمها 1968
عام 1968، غرقت غواصة الهجوم النووي الأمريكية "يو إس إس سكوربيون"، في مكان ما جنوب غربي الأرخبيل البرتغالي. ومع أن السبب الحقيقي الذي أدى لغرقها أو سلسلة الأحداث التي سبقت ذلك لا تزال غير معروفة، لكن من المؤكد أنه لم ينج أي من أفراد الغواصة البالغ عددهم 99 شخصاً.
كانت الغواصة تحمل زوجاً من الأسلحة ذات الرؤوس النووية، والتي كانت تصل قوتها إلى 250 كيلوطناً.
5- "السهم المكسور" في إسبانيا عام 1966 وآثار التلوث لا تزال موجودة لغاية اليوم
يروي مانولو غونزاليس، وهو قروي محلي إسباني في قرية "بالوماريس"، ما حدث عام 1966 ويقول: "نظرت لأعلى رأيت كرة النار الضخمة تتساقط في السماء، الطائرتان كانتا تتفتتان إلى أشلاء".
ومع أن بعض الحطام سقط على بالوماريس، لكن لم يتسبب بمقتل أحد في المدينة. لكن الآثار الإشعاعية والتلوث البيئي بمادة اليورانيوم امتدت لعقود لاحقة.
كان سبب هذه الكارثة اصطدام قاذفة أمريكية من طراز B-52، حلقت في مهمة روتينية بالقرب من بالوماريس بإسبانيا وعلى متنها 4 قنابل هيدروجينية، لكن في أثناء تزودها بالوقود من طائرة أخرى حدث اصطدام، تسبب في انفجار طائرة الوقود.
تسبب الانفجار في مقتل 4 أشخاص هم أفراد طاقم طائرة الوقود، أما طاقم القاذفة البالغ عددهم 7 أشخاص، فانطلق 4 منهم بالمظلات إلى بر الأمان، بينما لقي 3 آخرون حتفهم.
وقبل تحطم القاذفة، تم إطلاق القنابل مع نظام حمايتها من انفجار القلب النووي، وسقطت 3 قنابل منها على الأرض، بينما سقطت الرابعة في البحر الأبيض المتوسط. ولكن حدث انفجار بسبب المتفجرات التقليدية في قنبلتين من تلك الـ3، مما أدى إلى تلويث المزارع المحيطة.
بعد 24 ساعة من وقوع الحادث قام الجيش الأمريكي بتحديد مكان القنابل الـ3 التي سقطت على الأرض، واسترداد الرؤوس النووية، أما القنبلة الرابعة فتم العثور عليها، بعد بحث استمر لـ3 أشهر، شارك فيه أكثر من 12 ألف شخص وعدة سفن وغواصات، وعرضها للصحفيين، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يعرض بها الجيش الأمريكي سلاحاً نووياً للعامة.
قام الجيش الأمريكي بعملية "تنظيف" لمكان سقوط القنابل الثلاث الأخرى، بعد اكتشاف تسرب إشعاعي لإزالة التربة الملوثة من إطلاق قنابل البلوتونيوم. تضمن ذلك إزالة التربة السطحية من المناطق المعرضة للإشعاع وشحنها إلى مرافق التخزين في الولايات المتحدة.
شمل التلوث 650 فداناً من الأرض، وأنشأ الجيش الأمريكي مراكز علاج طبي لمراقبة السكان الذين تعرضوا للبلوتونيوم. في أعقاب الحادث مباشرة، قامت الولايات المتحدة بدفع تعويضات مالية لسكان بالوماريس قيمتها 600 ألف دولار.
وفي السنوات اللاحقة، زعم عدد من الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في عملية "التنظيف" أن تعرضهم للبلوتونيوم سبب لهم مشاكل صحية مدى الحياة.
ولا يزال لغاية اليوم جزء من تلك المنطقة مسيجاً. وأنفقت الولايات المتحدة حوالي 12 مليون دولار، أو ما يقرب من 300 ألف دولار سنوياً، لمساعدة إسبانيا في مراقبة المنطقة الملوثة. وكشفت برقية وزارة الخارجية لعام 2006، أن الحكومة الإسبانية تعتقد أن التلوث المتبقي قد يكون أكثر خطورة مما كان يعتقد حتى الآن.
وفي عام 2015، وقع وزير الخارجية جون كيري "بيان نوايا" مع وزير الخارجية الإسباني، لمساعدة إسبانيا في إكمال تنظيف "بالوماريس".
وفي حين يجب أن تكون هذه الحوادث مخيفة كما هي، إلا أن الخبر السار هو أنه في الأعوام الخمسين الماضية، لم يتم فقد أي أسلحة نووية أخرى، أو على الأقل هذا ما تعلنه الحكومة الأمريكية.