وسط المغرب واحدة من بين أجمل الأماكن التاريخية البرتغالية، التي صنفتها اليونيسكو ضمن قائمة التراث العالمي سنة 2004، يعود هذا المعْلم إلى بداية القرن السادس عشر، تبعد عن مدينة الدار البيضاء، القلب النابض للمغرب، بقرابة 90 كلم.
تشمل المباني البرتغالية في هذه المنطقة بقايا صهريج وكنيسة العذراء والمسقاة البرتغالية ، المبنية على طراز المعمارية القوطية القديمة، تعتبر مدينة مازاغان "الجديدة الآن" إحدى المستوطنات المبكرة للمستكشفين البرتغاليين في غرب إفريقيا على طريق الهند.
كما تعتبر مثالاً بارزاً على التبادل الثقافي الأوروبي والمغربي، إذ ينعكس ذلك في عمارة وتخطيط المدينة.
تاريخ مدينة مازاغان المغربية
تعتبر مدينة مازاغان، التي تسمى حالياً مدينة "الجديدة"، إحدى أولى المدن التي أُنشئت على يد المستكشفين البرتغاليين في إفريقيا، وخاصة على طريق الهند، إذ تشهد هذه الأخيرة على التبادل الثقافي بين كل من المغرب وأوروبا.
بُنيت القلعة في المدينة من قبل الإخوين "فرانسيسكو وديوغو" سنة 1514، فيما قام جواو ريبيرو وخوان كايتيلو بتوسيع القلعة وتحويلها إلى حصن بشكل نجمة.
حسب ما جاء في الموقع الرسمي "لليونيسكو" تعتبر قلعة مازاغان مع أسوارها المائلة، واحدة من الشهادات الأولى في الفترة Lusitanian لتطبيق التكنولوجيا البرتغالية لمفاهيم معمارية جديدة لعصر النهضة، تم تكييفها مع ظهور السلاح الناري.
بعد رحيل البرتغاليين عام 1769، وما نتج عن ذلك من هجر للمدينة، أُعيد تأهيل القلعة في منتصف القرن الـ19، وأطلق عليها اسم "الجديدة"، فيما أصبحت مركزاً تجارياً، بالإضافة إلى احتوائها على العديد من الثقافات والديانات، إذ ضمت كلاً من المسلمين واليهود والمسيحيين.
المعالم الأثرية الموجودة في الفترة البرتغالية هي: الأسوار وحصونها، الخزان، مثال بارز على هذا النوع من الهياكل، وكنيسة العذراء الكاثوليكية، ذات الطراز القوطي المتأخر، أسلوب مانويلين في بداية القرن الـ16.
المسقاة البرتغالية في مدينة الجديدة
تم بناء المسقاة البرتغالية، أو الصهريج، داخل أسوار مدينة الجديدة، إذ تعتبر مزاراً سياحياً مهماً بالمدينة، سمي الحي القديم بمازاغان أو الحي البرتغالي، وتعود أصل التسمية إلى الكلمة الأمازيغية "إيمازيغن" التي تم بناؤها عام 1514 للإنسانية من قبل منظمة اليونيسكو لحماية التراث العالمي.
فُتح هذا المعْلم التاريخي للزيارة في وجه العموم انطلاقاً من شهر مايو/أيار 1918، كما صُنّفت المدينة تراثاً وطنياً بظهير 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1919م، ثم بظهير 15 أبريل/ نيسان 1924م. وتم تصنيفها سنة 2004 تراثاً عالمياً.
يعود تاريخها إلى القرن الـ15، إذ كانت عبارة عن مستودع للحبوب وتخزين الأسلحة، قبل أن تتحول إلى خزان للمياه، بعد أشغال التحصين الكبرى التي شهدتها مازكان انطلاقاً من سنة 1541م، وذلك من أجل توفير وضمان الماء باعتباره مادة حيوية أيام الحصار والحرب، سيما أن القلعة كانت معرّضة لهجمات وحصارات عاشتها المدينة.
إذ لم يتوصل الباحثون إلى التعرف بشكل دقيق على تقنية تزويد الخزان بالمياه، وذلك راجع إلى غياب حفريات أثرية، لكن بعض الإشارات التاريخية تدل على وجود بئر خارج أسوار القلعة من الناحية الغربية، كانت تزود الخزان بالمياه عبر قنوات باطنية إلى جانب تجمعات الأمطار.
تصميم فريد عاش لقرون
يشتهر هذا الخزان بالمياه التي تغطي الأرضية، والتي تتيح انعكاس الضوء على السقف، تأخذ المسقاة شكل فناء واسع تحت أرضي، ذي تصميم مربع الشكل تقريباً، مغطى بسقف مشكل من عدة قباب متعاقدة على الطراز الهندسي القوطي، مبنية بالآجور.
حسب موقع الاتحاد يرتفع علو القباب قرابة 5 أمتار عن أرض المسقاة، فيما تستند على 25 عموداً مبنياً بالحجارة المنحوتة، من بينها 12 على شكل دائري و13 أخرى مربعة الشكل، رغم كونه شبه مقبب من الداخل، إلا أنه مسطح من الخارج.
لا يتوفر المخزن على أي فتحة، فيما يصل الماء عن طريق قنوات في باطن الأرض تجلبه من العيون والأمطار، فيما يضم بعض السلالم الجانبية التي تربطه بسجن المسقاة.
كان خزّان الماء البرتغالي قادراً على استيعاب حوالي 5 آلاف متر مربع من المياه، ويمكن لغاية اليوم ملاحظة آثار الحد الأقصى لمستوى الماء المخزن على الجدران والأعمدة، كما يمكن ملاحظة وجود مزاب لتصريف المياه الفائضة إلى خارج المسقاة على مستوى الجدار أرضية المسقاة مغطّاة بوحدات طولية من الآجور الأحمر المطهي المتصلة فيما بينها بمادة الرّصاص لمنع التسرّبات المائية.
صمّمت المسقاة البرتغالية بشكل هندسي دقيق، جعل منها تحفة معمارية متميزة شدّت إليها إعجاب كبار المخرجين السينمائيين العالميين والفنانين التشكيليين، ومنهم المخرج الأمريكي "أورسن ويلز"، الذي صوّر فيها بين عامي 1949 و1952، إحدى أروع تحفه السينمائية الخالدة التي كتبها وليام شكسبير.
كما نال ويلز الجائزة الكبرى لمهرجان كان السينمائي عن هذا الفيلم، وكانت المسقاة حاضرة في أعمال العديد من المؤرخين مثل المؤرخ الشهير بيدرو دياش.