فوق أعلى قمة تلة مطلة على نهر أبي رقراق الفاصل بين مدينتي الرباط وسلا نجد أحد أشهر المعالم التاريخية المغربية، هذا المعلم الذي لم يقدر له أن يكتمل في البناء منذ أزيد من 8 قرون يعتبر أحد أهم الأماكن الدينية الرسمية التي يقام بها التجمعات الدينية، بحضور الملك المغربي، سواء صلاة العيدين "الفطر والأضحى"، أو احتفال عيد المولد النبوي.
قصة جامع عظيم لم يكتمل
أصدر الخليفة الموحدي الثالث يعقوب المنصور ما بين سنة 1197 و1198 أمراً بتشييد جامع على قمة تلة مطلة على نهر أبي رقراق بمدينة الرباط، يبلغ طول المسجد 183 متراً مربعاً فيما عرضه 139 متراً.
لعل أشهر معالم المسجد صومعته التي بلغ طولها حوالي 44 متراً، ومساحة كل ركن من أركانها المربعة 16 متراً و20 سنتيمتراً. أما سمك جدرانها فيبلغ المترين ونصف المتر، تتميز المئذنة من الداخل بسلالم داخلية ملتوية تؤدي إلى أعلى الصومعة ويمر على ست غرف تشكل طبقات، فيما يمكن صعودها على ظهر حصان.
زُينت الواجهات الأربع للصومعة بزخارف ونقوش مختلفة على الحجر، وذلك على النمط الأندلسي المغربي للقرن الثاني عشر، كان المسجد في ذلك الوقت أكبر مسجد في العالم الإسلامي بمساحة 26 ألفاً و100 متر مربع.
حسب موقع "historyhit"، من أسباب عدم اكتمال المسجد في البناء هو انشغال الدولة الموحدية بمشاكل الأندلس وإغاثة السلطان الموحدي لهم من الزحف المسيحي حالَ دون إتمام المسجد، وكان يعقوب المنصور قد وضع التصميم الكامل لمدينة الرباط، إذ بنى أبوابها وأسوارها لتكون عاصمة له بدلاً من مدينة مراكش.
فيما تقول رواية أخرى إن سبب عدم إتمام بناء المسجد هو وفاة يعقوب المنصور سنة 1199، فيما لم يُكمل بناءه أيٌّ من السلاطين الذين تعاقبوا على الحكم بعده لسببين؛ أولهما أن أياً من السلاطين لم يتحمس لهذا المشروع.
أما السبب الثاني فهو أن الدولة الموحدية تعرضت لهزات وأزمات سياسية، خاصة بعد وفاة أشهر حكامها يعقوب المنصور، لتبدأ فترة احتضار الدولة الموحدية فيما لم تهتم الدول التي تعاقبت بعدها بالمشروع، بل اهتمت بتشييد معالم جديدة ومساجد خاصة بها.
تعرضت بعض أجزاء من المسجد للاندثار بسبب الزلزال الذي ضرب المدينة سنة 1755 فيما بقي المسجد على هذه الحالة دون أن يكتمل.
أسباب تسمية المسجد بحسان
حسب جريدة "alittihad"، يحيط الغموض سبب تسمية هذا المعلم بـ"حسان"، لكن أرجح الروايات أنه نسبة إلى مهندس أندلسي كان هو من وضع تصميم المسجد والمنار وأشرف على بنائه، فيما كان المسجد يبنى في نفس الفترة التي بني فيها كل من مسجد الطالعة بسلا وجامع القصبة والكتبية بمراكش وجامع الخيرالدا بإشبيلية "إسبانيا".
تعتبر صومعة حسان إحدى الشقيقات الثلاث لصومعة الكتبية بمراكش وصومعة الخيرالدا بإشبيلية، فجميع هذه المآذن مربعة الشكل تقف شامخة؛ حيث يصل علوها إلى 44 متراً، ولها مطلع داخلي ملتوٍ، يؤدي إلى أعلى الصومعة ويمر على ست غرف تشكل طبقات، وقد زُينت واجهاتها الأربع بزخارف ونقوش مختلفة على الحجر المنحوت، وذلك على النمط الأندلسي المغربي من القرن الثاني عشر.
وأهم المميزات المعمارية لمسجد حسان أن بناءه تم من حجر صلد؛ لأنه كان من المعتاد لدى الموحدين وسابقيهم المرابطين الاهتمام بعنصر الضخامة والبساطة أكثر من الاهتمام بعنصر الزخرفة. ورغم ذلك، فإن المسجد لم يخلُ من فن الزخرفة؛ حيث زينت مئذنته بنقوش ورسومات مستمدة من فن الزخرفة في مساجد الأندلس والقيروان والشرق الإسلامي.
يتوفر مسجد حسان على صحن كبير قرب المنار وصحنين جانبيين، ولضمان متانة السقوف اختيرت الأعمدة من الحجر والرخام، ويتفاوت عُلو الأعمدة المستديرة الشكل من 3.25 متر إلى 6.5 متر. ويتوفر مسجد حسان على 16 باباً، ستة منها في الجانب الغربي وأربعة في الجانب الشرقي، واثنان جنوباً، وأربعة في الجانب الشمالي، ونظراً لارتفاع البناء، فإن بعض أبواب المسجد كان يصعد إليها بدرجات لم يبقَ منها الآن إلا السفلية منها.
تختلف المصادر التاريخية فيما إذا كان المسجد قد سقف من قبل، فالبعض يرجح بناءه وسقوطه بعد زلزال 1755، فيما البعض الآخر ينفي أن يكون مسجد حسان قد تم تسقيفه، ويرجح أشهر المؤرخين أنه تم بالفعل تسقيف بعض أجزاء من المسجد قبل أن يتوقف البناء به.
عمل على بناء هذا المسجد 700 أسير من أسرى الإفرنج الذين تم أسرهم في الحروب التي خاضها السلطان يعقوب المنصور الموحدي، ورغم ذلك لم يكتمل بناء المسجد الذي وصفه بعض المؤرخين بأنه من أعظم مساجد الإسلام وأحسنها شكلاً وأفسحها مجالاً وأنزهها منظراً.
مسجد حسان في الوقت الحالي
حسب "وكالة الأناضول" لمسجد حسان، شكل جديد يوازي بين الآثار القديمة للمسجد الموحدي ذي الزخارف الأندلسية والبناء الحديث للمسجد والضريح الملكي المقابل للصومعة، في أوائل سنة 1961 أمر الملك الراحل الحسن الثاني ببناء ضريح لوالده محمد الخامس.
من أسباب اختيار الملك ذلك المكان، هو أن محمد الخامس صلى أول صلاة جمعة به بعد عودته من المنفى سنة 1955، وأصبح بعد ذلك مكان دفن الأسرة الملكية المغربية؛ إذ دفن فيه كل من الملك محمد الخامس والحسن الثاني، بالإضافة إلى الأمير المولى عبد الله "شقيق الحسن الثاني".
عند زيارة المسجد في الوقت الحالي، ستجد قارئ قرآن بجلبابه المغربي والطربوش الأحمر يتلو آيات من القرآن الكريم دون انقطاع طوال اليوم، مع تعطير المسجد بالبخور.
لا يخلو المَعْلَم التاريخي من الزوار؛ إذ يتحلق بعضهم حول شرفته يتلو آيات قرآنية ترحماً، بينما يستسلم البعض الآخر للتحديق في روعة البناء الرخامي الذي يعلو سقفه قبة مهيبة زُينت بالقرميد الأخضر من الخارج، فيما تفنن أكثر من 400 حرفي مغربي في تزيينها بنقوش وفسيفساء مغربية بالغة الدقة من الداخل.
أمام مداخل الضريح الأربعة، كما أمام أبواب مسجد حسان الأثري، يقف حراس بلباس "مخزني" تقليدي (لباس حراس القصر) يعتلون صهوات أحصنتهم حاملين بنادق، ليؤثثوا المكان بطابع تقليدي، تعكس روحانيته وعمقه التاريخي.
ونظراً لما يتمتع به البناء من أهمية تاريخية كبرى فقد قامت منظمة اليونسكو للتراث العالمي بضمه إلى القائمة الأولية في الفئة الثقافية، وذلك كان في 1 يوليو/حزيران لعام 1995، هذا بالإضافة إلى الأهمية السياحية للصومعة، ودورها الكبير في اجتذاب الكثيرين من الزوار والسياح لمشاهدة جمال فن العمارة الإسلامية في تلك الفترة التاريخية المهمة منه.