ارتبطت دورات كأس العالم في أحيانٍ كثيرةٍ بالسياسة، فإذا كان إقصاء المنتخب الروسي من المشاركة في مونديال قطر 2022 بسبب غزوه لأوكرانيا، أحدث مثالٍ على هذا الترابط بين السياسة وكأس العالم، فإن تاريخ هذه الأخيرة يحمل قصصاً كثيراً عن ذلك.
ففي نسخة سنة 1938 التي جرت بفرنسا، والتي تزامنت مع التحضير للحرب العالمية الثانية، كان قادة كلٍّ من ألمانيا وإيطاليا حريصين على وضع بصمتهم على النتيجة النهائية للمونديال.
قامت ألمانيا بغزو النمسا، التي كان منتخبها أحد أقوى المنتخبات المرشحة للفوز بكأس العالم بفرنسا سنة 1938، وذلك قبل 3 أشهر من بداية ذلك المونديال، والقيام بضمّها إلى أراضيها، ما أدى بالنمسا إلى الانسحاب من المونديال، ولم يتوقف الألمان عند ذلك الأمر، بل قاموا بتجنيد لاعبي المنتخب النمساوي المنسحب في صفوف المنتخب الألماني المشارك في كأس العالم، على أمل أن يزيد ذلك من حظوظ المانشافت في البطولة.
هتلر يغزو النمسا ويضيّع على النمساويين لقب كأس العالم
بحسب these football times، كان المنتخب النمساوي في عقد الثلاثينيات واحداً من أقوى منتخبات العالم، لدرجة أن أُطلق عليه اسم "فريق العجائب"، وذلك بعد أن نجح في الانتصار على كبار المنتخبات الأوروبية بين أعوام 1930 و1933، تحديداً بعد دكه الشباك الألمانية بسداسية نظيفة في برلين عام 1931، وخماسية نظيفة في فيينا بعدها، ما دعا الصحف الألمانية إلى كتابة اسمه "فريق العجائب" بالخط العريض. كما استطاع منتخب النمسا الوصول إلى 12 مباراة متتالية دون هزيمة.
في مونديال 1934، نجح منتخب النمسا في أداء بطولة تاريخية، بعد أن نجح في بلوغ الدور نصف النهائي والخروج أمام البلد المضيف إيطاليا في مباراة شابها التحكيم المنحاز والتلاعب المباشر في نتائج المباريات من طرف رئيس الوزراء الإيطالي بينيتو موسوليني.
رغم ذلك، وبحلول عام 1938، كان الكثير من لاعبي المنتخب النمساوي في وضعية جيدة، كانت النمسا لا تزال تمثل قوة لا يستهان بها في كرة القدم، فقد نجحت النمسا بسهولة في ضمان مقعدها في كأس العالم القادمة بعد اجتيازها التصفيات بكلّ قوة.
وقبل بداية كأس العالم عام 1938 بفرنسا، كانت النمسا مرة أخرى أحد المرشحين البارزين لخلافة التاج الإيطالي.
كل ذلك تغيّر في 12 مارس/آذار 1938، وقبل 3 أشهر من انطلاق المونديال، عندما شرع هتلر في عملية ضم النمسا إلى الرايخ الألماني من خلال عملية أنشلوس.
أثر الغزو الألماني للنمسا بشكل كبيرٍ على حاضر ومستقبل كرة القدم بالنمسا، فقد تم حلّ الاتحاد النمساوي لكرة القدم كمنظمة مستقلة بعد بضعة أسابيع، وأُعيد تشكيله كجزء من سلطات كرة القدم الألمانية، كما تمّ حل المنتخب النمساوي، واستدعاء لاعبيه للمشاركة مع المنتخب الألماني.
مونديال فرنسا 1938.. هتلر يستعين بلاعبي النمسا من أجل الفوز
كان الزعيم النازي، أدولف هتلر، ينتظر في مونديال فرنسا 1938 للانتقام بعد خسارة المعركة الدعائية في أولمبياد برلين عام 1936، فقد كان من المفترض أن تكون تلك الألعاب عرضاً للنظام النازي والتفوق الرياضي للجنس الآري، لكن العداء الأمريكي الأسود جيسي أوينز خطف الأنظار من الجميع حين فاز بـ4 ميداليات ذهبية، كما خسر فريق كرة القدم الأولمبي الألماني أمام النرويج، وذلك حسب history.
انتقام هتلر لن يكون سوى بالفوز بكأس العالم 1938 على الأراضي الفرنسية، ومن أجل ذلك قام الفريق الألماني بضمّ خيرة لاعبي المنتخب النمساوي إلى صفوفه.
اختار مهاجم النمسا، وأعظم لاعب في البلاد والعالم حينها، ماتياس سيندلار، رفض الانضمام إلى الألمان، مدعياً أنه كبير في السن، فقد كان يبلغ من العمر سن 35 سنة، وهو سنٌ كانت كبيرة في تلك الفترة، أدى ذلك إلى غضب ألماني كبير على اللاعب سيدفع ثمنه لاحقاً.
بينما قبل لاعبون نمساويون آخرون اللعب في صفوف المنتخب الألماني خلال تلك البطولة، وارتداء الرمز النازي على زيهم الرسمي.
رغم ذلك ألمانيا خرجت من كأس العالم من أوّل مباراة!
دخل الفريق الألماني النمساوي إلى ملعب بارك دي برينس في باريس في 8 يونيو/حزيران 1938، وسط صيحات استهجان كبيرة من قبل المشجعين الفرنسيين، فقد كان النظام النازي يهدد جيرانه الفرنسيين، وكانت الحرب العالمية الثانية على بُعد أقل من 18 شهراً.
كانت ألمانيا تواجه سويسرا للمرة الثانية خلال أسبوعين، انتهت المباراة الأولى بالتعادل 1-1، لذا بموجب القواعد في ذلك الوقت، كان للفريقين فرصة "إعادة" المباراة لمعرفة من سينتقل إلى الدور الثاني.
أحرزت ألمانيا الهدف الأول في الدقيقة الثامنة بهدف للمهاجم النمساوي الشاب ويليام هانمان، وبدا أن الألمان سيحققون النصر بعد هدف ثانٍ سجله لاعب سويري في مرماه في الدقيقة 22، لكن المباراة انقلب في الشوط الثاني رأساً على عقب، بعد أن سجلت سويسرا 4 أهداف، وحققت الفوز بنتيجة 4-2.
كان المدرب الألماني سيب هيربيرغر، الذي انضم إلى الحزب النازي عام 1933، غاضباً وألقى باللوم في الهزيمة على للاعبيه النمساويين، وكان ذلك أول خروج للمنتخب الألماني من نهائيات كأس العالم منذ بدايتها عام 1930، قبل أن يخرج مرة ثانية في كأس العالم 2018 بروسيا بعد خسارته أمام المنتخب الكوري الجنوبي.
أمّا بالنسبة إلى ماتياس سيندلار، النجم النمساوي المعروف باسم "The Pape rman" بسبب بنيته الرقيقة، فإن قراره بعدم اللعب للمنتخب الألماني في كأس العالم ربما كان سبباً في فقدان حياته.
ففي يناير/كانون الثاني 1939، تم العثور على ماتياس سيندلار وصديقته ميتين في شقته في فيينا، بعد تعرّضه للتسمم بأول أكسيد الكربون.