ثعالب “مشعة” لإثارة الرعب في نفوس اليابانيين.. “مشروع فانتازيا” الأمريكي الذي استبدلته بالقنبلة الذرية

تم النشر: 2022/10/26 الساعة 13:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/26 الساعة 13:31 بتوقيت غرينتش
خططت أمريكا إلى ترويع اليابانيين بالثعالب من خلال مشروع فانتازيا/shutterstock.

في أعقاب الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربور الأمريكي، والذي بموجبه دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب رسمياً، انخرط الأمريكيون واليابانيون في حملة طويلة من الدعاية والهجمات النفسية طوال الحرب العالمية الثانية.

في اليابان، كانت إذاعة طوكيو روز المختصة في نشر الإشاعات تبثّ في جميع أنحاء جنوب المحيط الهادئ، في محاولة لتخويف الجنود الأمريكيين، بما بدا وكأنه تهديدات ووعود مستبدة من اليابانيين لخصومهم الأمريكيين.

كان ردُّ الأمريكيون على ذلك من خلال إلقاء آلاف المنشورات على الجزر اليابانية، منذرين اليابانيين بقرب هلاكهم الوشيك.

كما تمَّ استخدام المئات من التكتيكات الأخرى من قبل كل جانب، من أجل تحقيق مكاسب معنوية على الأرض، لكن واحدة من أغرب الطرق التي خطط بها الأمريكيون لمهاجمة الروح المعنوية لليابانيين كانت من خلال الثعالب! وذلك في إطار ما يُعرف بمشروع فانتازيا.

جنود يابانيين في الحرب العالمية الثانية shutterstock

مشروع فانتازيا.. الدعاية النفسية الأمريكية ضد اليابانيين

عندما بدأت الحرب العالمية الثانية، لم تكن هناك وكالة استخبارات واحدة تعمل داخل الولايات المتحدة. بدلاً من ذلك، قامت عدة فروع استخباراتية بإجراء عملياتها الخاصة، وبالنظر إلى حجم الصراع الذي رافق تلك العمليات، كانت هذه الطريقة غير المنظمة لجمع المعلومات الاستخبارية غير فعالة وغير كافية؛ لذلك بدأ التفكير في توحيد الفروع الاستخباراتية الأمريكية في قسم واحد.

في يونيو/حزيران 1942، وقّع الرئيس فرانكلين روزفلت مرسوماً تنفيذياً، أنشأ من خلاله رسمياً مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS) باعتبارها الوحدة التي تجمع في ظلّها جميع الفروع الاستخباراتية الأمريكية، وأسندت قيادة هذه الوحدة إلى الجنرال ويليام دونوفان.

 كانت الوكالة المشكلة حديثاً مسؤولة عن جمع المعلومات وابتكار العمليات النفسية، كما كانت هذه الوحدة النواة الرئيسية في تأسيس وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) لاحقاً، بحسب ما ورد في تقرير لـ war history online.

ويليام دونوفان قائد مكتب الخدمات الاستراتيجية المسؤول عن مشروع فانتازيا/ wikimedia

 طلب دونوفان رئيس مكتب الخدمات الاستراتيجية، من مستشاريه إيجاد طريقة للتغلب على اليابانيين، وبالفعل قام عددٌ منهم باقتراح وتفعيل عددٍ من الحيّل ضد اليابانيين، من ذلك مزيج الفطائر المتفجرة، والقنابل الحارقة المربوطة بالخفافيش الحية، وعقاقير لاستنباط المعلومات من أسرى الحرب، ورذاذ كريه الرائحة يسبب الصرع.

رغم ذلك، كان على مكتب الخدمات الاستراتيجية أن يعمل بجد من أجل الوصول إلى فكرة أكثر فعالية للتفوق على اليابانيين.

في عام 1943، توصل إدغار سالينجر، وهو أحد الاستراتيجيين في الحرب النفسية في مكتب الخدمات الاستراتيجية، إلى خطّة غريبة لبثّ الرعب في نفوس اليابانيين، أطلق عليها اسم مشروع فانتازيا.

 قبل الحرب، كان سالينجر يعمل رجل أعمالٍ من خلال شركة للاستيراد والتصدير في طوكيو، أعطته تعاملاته التجارية مقدمة سريعة للثقافة اليابانية، حيث إنه كان قد تعلّم اللغة اليابانية ودرس الخرافات والفن الياباني، وهذا ما جعله على دراية كافية بالثقافة والأساطير اليابانية.

مشروع فانتازيا يحوّل الثعالب المقدسة إلى أشباح مخيفة

بحسب موقع ripleys، كانت فكرة سالينجر تعتمد على استخدام الثعالب الحيّة أو صورها، من أجل غرس الشعور بالسوء وسوء الحظ في عموم سكان اليابان.

لماذا اختار سالينجر الثعالب؟ تكمن الإجابة في الديانة اليابانية المعروفة باسم الشنتو، ويعود تاريخ هذه الديانة التقليدية لليابانيين إلى القرن الثامن الميلادي، حيث إنه مع عدم وجود آلهة مركزية للعبادة عند اليابانيين، يكرّس الشنتويون أنفسهم لأرواح غير مرئية تسمى كامي، يُعرف أحد هذه الكامي باسم إيناري، وهو أحد ارواح الثعالب.

بينما في الفولكلور الياباني التقليدي، كان يُنظر إلى الثعالب على أنها حراس مخلصون، وكان يُعتقد أنهم "حيوانات ساحرة" أيضاً، وعندما شوهد إيناري مضاءة أو متوهجة، كان الحظ السيئ يلوح في الأفق.

ابتكر سالينجر مشروع فانتازيا بناءً على هذا الخوف المنتشر من اليابانيين تجاه الثعالب، فقد أراد تخويف اليابانيين بالثعالب المتوهجة والمضاءة.

بحسب موقع smithsonianmag، كتب سالينجر في مذكرة يوجز فيها فكرته أن "أساس الاقتراح يعتمد على حقيقة أن اليابانيين المعاصرين يخضعون للخرافات والمعتقدات في الأرواح الشريرة والمظاهر غير الطبيعية التي يمكن استفزازها وتحفيزها".

الثعالب عند اليابانيين مقدسة، ومن هذا المنطلق جاء مشروع فانتازيا لاستخدامها في ترويع اليابانيين /shutterstock.

وفقاً لكتاب "Psychological Operations American Style"، لمؤلفه الدكتور روبرت كودوسكي، رئيس قسم التاريخ في جامعة ويست تشيستر الأمريكية، كانت الفكرة في الأصل هي أن تطير البالونات المضيئة على شكل ثعلب فوق مناطق مأهولة بالسكان، بينما يقوم العملاء الأمريكيون النائمون في اليابان بتهييج الشارع الياباني باستخدام صفارة صنعتها شركة استأجرها مكتب الخدمات الاستراتيجية خصيصاً لتُصدر صوتاً يشبه صرخة الثعلب.

في هذا الصدد كتب سالينجر،"يمكن استخدام هذه الصفارات في القتال، ويجب أن يخلق عدد كافٍ منها صوتاً غريباً من النوع المحسوب لمقابلة الخرافات اليابانية" بحسب ما نقله smithsonianmag.

بالإضافة إلى ذلك، قام مكتب الخدمات الاستراتيجية، باستئجار شركة أخرى لإعادة إنشاء رائحة اصطناعية تشبه روائح الثعلب. لسبب ما، أعتقد أن اليابانيين سيتعرفون على الرائحة.

ثعالب مشعة لتخويف اليابانيين 

سرعان ما تم التخلي عن هذه الأفكار لصالح استخدام الثعالب الحقيقية والحيّة، وذلك بجمعها من الصين وأستراليا، ورشها بطلاء يتوهج في الظلام.

واجهت هذه الفكرة عدداً من العقبات، مثل ما هو نوع الطلاء الذي يجب استخدامه؟ سرعان ما قدمت شركة Radium Corporation الأمريكية إجابة على هذه العقبة في شكل طلاء يتوهج في الظلام، والذي يحتوي على الراديوم.

مع ذلك كان على مكتب الخدمات الاستراتيجية أن يواجه عقبة أخرى، تتمثل في طريقة جعل الطلاء المشع يلتصق بفراء الثعالب. في تلك اللحظة، لجأ مكتب الخدمات الاستراتيجية إلى الطبيب البيطري في حديقة حيوان سنترال بارك هاري نيمفيوس الذي نجح في إبقاء الطلاء على فرو الثعالب.

تم اختبار مشروع فانتازيا على الأمريكيين أولاً

من أجل معرفة ما إذا كانت الثعالب ستثبت نجاحها، أجرى مكتب الخدمات الاستراتيجية اختبارات أولية في سنترال بارك في نيويورك، قامت الوكالة بإطلاق 30 ثعلباً متوهجاً في حديقة الحيوانات بنيويورك، كان منطق مكتب الخدمات الاستراتيجية، إذا أخافت الثعالب الأمريكيين، فمن المؤكد أنها ستخيف اليابانيين أكثر.

كان الاختبار الأولي ناجحاً جداً، فقد نجحت العملية في إرهاب سكان نيويورك الذين ذعروا من رؤية الثعالب الأشباح المتوهجة.

في تقريرهم، شرح الضباط الشرطة كيف أن "المواطنين المذعورين، الذين صُدموا من المشهد المفاجئ لحيوانات شبيهة بالأشباح تقفز،وكيف هربوا من فترات الاستراحة المظلمة في الحديقة مع الصراخ الكبير".

كانت إحدى المشكلات المتعلقة بمشروع فانتازيا تتمثل في كيفية قيام مكتب الخدمات الاستراتيجية بنقل الثعالب المتوهجة إلى اليابان. حاولت الوكالة إسقاط البعض في خليج تشيسابيك، لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم السباحة إلى الشاطئ بمفردهم.

تم تجريب الثعالب المشعة على الأمريكيين قبل نقل التجربة إلى اليابان /shutterstock.

نجحت الثعالب في السباحة إلى الشاطئ، ولكن جرفت ألوانها. 

على هذا النحو، قرر مكتب الخدمات الاستراتيجية أنه يتعين عليه إنزالها على الساحل الياباني.

كانت هناك مشكلة أخرى، وهي التأكد من أن الثعالب كانت تنتقل عبر القرى وأن تكون مرئية. نظراً لأنهم لم يتم تدريبهم مطلقاً على القيام بذلك، فقد استند حل سالينجر إلى الأرقام. كان يعتقد أنه إذا أطلقوا عدداً كبيراً بما يكفي، فسيصل البعض إلى القرى ويتمّ رصدها من السكان اليابانيين.

كان أحد أغرب أجزاء خطة سالينجر هو استخدام الثعلب المحنط لترويع اليابانيين، وذلك من خلال تثبيت جمجمة بشرية على رأس إحدى الثعالب، وتجهيزها بجهاز ميكانيكي بسيط لرفع وخفض الفك لمحاكاة فتح وإغلاق فم الجمجمة.

كما أراد سالينجر أن يرفع الثعلب إلى السماء بالبالونات، ليجعله يبدو كما لو كان يحلق في الهواء.

علاوة على ذلك أراد سالينجر أيضاً أن يجذب المواطنين اليابانيين الذين كانوا متعاطفين مع الحلفاء وأن يجعلهم "يحاكون أشخاصاً يمتلكون روح الثعلب، الذين ينطقون بهتافات غريبة تنبعث من روح الثعلب".

 في النهاية تم التخلي عن مشروع فانتازيا لصالح السلاح النووي

كان هناك منتقدون لمشروع فانتازيا منذ البداية، فقد كان ستانلي لوفيل، وهو رئيس فرع البحث والتطوير في مكتب الخدمات الاستراتيجية، أبرز المعارضين للخطة.

 في 24 سبتمبر/أيلول 1943، أوصى ستانلي لوفيل في اجتماع بالتخلي عن مشروع فانتازيا، بالنسبة لستانلي، لم يكن لمشروع فانتازيا منطق أو عقلانية، وكان أمراً عبثياً، وبالفعل تمّ إلغاء المشروع.

تم التخلي عن مشروع فانتازيا لصالح القنبلة الذرية /shutterstock.

تزامن التخلي عن مشروع فانتازيا مع نجاح مشروع مانهاتن في إنتاج السلاح النووي، فحسب مكتب الخدمات الاستراتيجية، سيقدم الاستخدام المروع للأسلحة النووية كل الصدمة والرهبة التي تحتاجها الأمريكيون لإنهاء الحرب.

في 6 أغسطس/آب 1945، أسقطت الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية، ثمّ أتبعتها بقنبلة ذرية ثانية على مدينة ناكازاكي اليابانية، وبذلك أنهت الحرب العالمية الثانية وأجبرت اليابانيين على الاستسلام، دون الحاجة إلى استخدام الثعالب المتوهجة.

تحميل المزيد