عائلة رومانوف آخر سلالة إمبراطورية حكمت روسيا، وصلت العائلة إلى السلطة سنة 1613، واستمرت 3 قرون، حَكَم خلالها 18 قيصراً، من بين أشهرهم بطرس الكبير وكاترين الكبرى، بالإضافة إلى نيكولاس الثاني.
انتهى حكم عائلة رومانوف سنة 1917 بعدما تمكن البلاشفة خلال الثورة الروسية من الإطاحة بنيكولاس الثاني وإعدامه مع عائلته في قبو القصر، لتبدأ بعدها ادعاءات من نساء وصلن إلى المئات يدعين أنهن الأميرة أنستازيا البنت الصغرى للقيصر، والتي بدورها فتحت الباب أمام التحقيقات التي ظلت مستمرة إلى بداية القرن 21.
وقبل سرد قصة الأميرة أنستازيا دعونا نتعرف على عائلة رومانوف أولاً.
نشأت وسط اضطرابات سياسية وكانت السبب في توسع روسيا
كان آل رومانوف من الأرستقراطيين رفيعي المستوى في روسيا خلال القرن السادس عشر والسابع عشر، فبعد اضطرابات سياسية دامت 15 عاماً من سقوط سلالة "روريك" الروسية أصبح ميخائيل رومانوف القيصر الجديد للبلاد سنة 1613، وأطلق عليه اسم "مايكل الأول".
شهدت الفترة استقراراً سياسياً وتوسعاً جغرافياً، خاصة في عهد حفيده بيتر الأول والمعروف باسم بطرس الأكبر، الذي حول روسيا من دولة غير ساحلية إلى واحدة من أكبر الإمبراطوريات في أوروبا، خلال الحروب ضد كل من الإمبراطورية العثمانية والسويدية تمكنت روسيا من توسيع أراضيها، وأصبحت القوة المهيمنة في كل من منطقة بحر البلطيق والبحر الأسود.
ليعلن بطرس الأكبر نفسه إمبراطوراً لروسيا سنة 1721، واستمر في هذا المنصب حتى وفاته سنة 1725، لم تشهد فترة ابنه نمواً جغرافياً كبيراً حتى وفاته سنة 1762، لتستلم ابنته الحكم والتي تعرف بـ"كاترين العظيمة".
عرفت الإمبراطورية خلال حكمها ما بين 1762 و1796 توسعاً جغرافياً مهماً، كما أصبحت أكثر قوة واستقراراً. عرفت فترة حكمها بالعصر الذهبي للإمبراطورية الروسية، كانت كاترين العظيمة راعية متطورة للفنون، حيث تبنت روسيا فلسفات وأزياء وثقافة أوروبا الغربية.
في السنوات اللاحقة شكلت حملة الإمبراطور الروسي ألكسندر الأول نقطة تحول في الحروب النابليونية، حيث غزا الفرنسيون روسيا عام 1812 في ذروة قوة نابليون بونابرت، حين هزم جيش الإسكندر الأول القوات الفرنسية.
حكم دام 3 قرون وانتهى بانقلاب
كان القيصر نيكولاس الثاني آخر إمبراطور لعائلة رومانوف الروسية، حكم من عام 1894 حتى تنازله عن العرش قسرياً في مارس/آذار من عام 1917، شهدت فترة حكمه اضطرابات سياسية واجتماعية، حيث اعتبر أنه امبراطور ضعيف سياسياً.
أدى سوء تعامله مع الحرب الروسية اليابانية ما بين 1904 و1905، وانتفاضة عام 1905 للعمال الروس "الأحد الدامي" وتدخل روسيا في الحرب العالمية الأولى إلى تسريع سقوط الإمبراطورية، كما ساهم أصل زوجته الألمانية التي كانت تتصرف بكراهية تجاه الثقافة الروسية كراهية معظم الشعب، حسب صحيفة "The Guardian".
حسب المصدر نفسه ساهم تفاني زوجة الإمبراطور للراهب الروسي "غريغوري راسبوتين" في عدم شعبيتها، حيث كانت تعتقد أنه يمكن أن يعالج ابنها أليكسي الوريث الوحيد للعرش من مرضه "الهيموفيليا" المزمن، وهو مرض وراثي لا يتجلط فيه الدم بشكل طبيعي، ما يتسبب في نزيف حاد بعد إصابة بسيطة.
أثار تأثير راسبوتين القوي على الأسرة الحاكمة غضب النبلاء وقادة الكنيسة والفلاحين على حد سواء، رآه كثيرون على أنه دجال ديني، ليقدم عدد من النبلاء على إنهاء نفوذ رجل الدين، بقتل راسبوتين في 16 ديسمبر/ كانون الأول 1916.
غادر القيصر نيكولاس الثاني سانت بطرسبرغ في عام 1915 لتولي قيادة جبهة الجيش الروسي الفاشلة في الحرب العالمية الأولى، ولكن بحلول عام 1917 فقد معظم الروس كل الثقة في قدرة القيصر على القيادة.
تفشى الفساد الحكومي وتعرض الاقتصاد الروسي لضربة شديدة بسبب الحرب العالمية الأولى، ليتخلى نيكولاس الثاني عن العرش في 15 مارس/آذار سنة 1917 إبان اندلاع الثورة الروسية، لتنتهي به فترة حكم دامت 300 سنة.
خلال الثورة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 1917 استولى البلاشفة الشيوعيون الراديكاليون بقيادة "فلاديمير لينين" على السلطة في روسيا من حكومة مؤقتة، وأسس أول دولة شيوعية في العالم، كما تم إرسال العائلة الإمبراطورية للعيش تحت الإقامة الجبرية في سيبيريا سنة 1918.
في ليلة 16 يوليو/تموز 1918، أُمرت العائلة بارتداء ملابسها والنزول إلى قبو منزل إيباتيف؛ حيث اصطفوا وكأنهم يقفون لالتقاط صورة عائلية، بعد ذلك تم إعدام عائلة رومانوف رمياً بالرصاص حتى الموت من قبل القوات البلشفية.
عند نقل الجثث من قبو القصر إلى إحدى المزارع في سرية تامة تسرب الخبر عن طريق جنود في حالة سكر، لتقوم قوات البلشفية بحرق الجثث في إحدى الغابات القريبة من المزرعة.
بعد إعدام العائلة شهد العالم العديد من الشائعات التي تتعلق بالبنت الصغرى للإمبراطور والتي تدعى أنستازيا، حيث تقدمت عشرات النساء بزعم أنهن الأميرة أنستازيا رومانوف، القصة التي ألهمت العديد من الكتاب وصانعي الأفلام لما يقارب قرناً من الزمن.
100 ادعاء حول حياة الملكة أنستازيا
حسب مجلة "Town and country" ولدت أنستازيا في 5 يونيو/حزيران سنة 1901، وهي البنت الرابعة للقيصر نيكولاس الثاني، عاشت طفولة عادية، وتلقّت تعليمها داخل القصر الملكي.
في 17 يوليو/تموز 1918، تابعت أنستازيا رومانوف، وهي تحمل كلبها جيمي، العائلة على الدرج إلى القبو الرهيب في يكاترينبورغ، حيث طُلب منهم الانتظار، كان الجيش الموالي للقيصر يقترب من موقعه في محاولة يائسة لتحرير القيصر.
وفجأة دخل البلاشفة على العائلة وخدامها مصطفين على الحائط البعيد، وقتلوهم بالرصاص وفقاً لشهادة لاحقة من فرقة الإعدام البلشفية، لم ينجُ من الحادثة أحد، حتى خدم القصر والكلب الذي كانت تحمله أناستازيا.
عقب وفاة العائلة ظهرت العديد من الشائعات تفيد بعدم وفاة الأميرة أنستازيا، حيث قامت العديد من النساء بالادعاء أنهن الأميرة، في محاولة منهن لكسب إرث عائلة رومانوف، وحسب بعض الإحصائيات تجاوز عدد الادعاءات حاجز الـ100، ما يعني أن قصتها المأساوية قد تحولت إلى أسطورة استمرت لأكثر من 50 سنة.
تم اكتشاف رفات العائلة في مقبرة جماعية في جبال الأورال في عام 1991، وأكد اختبار الحمض النووي اللاحق هويتي نيكولاس وألكسندرا وبناتهما الثلاثة.
لكن ظلت بقايا أليكسي وأنستازيا لغزاً حتى عام 2007، عندما تم اكتشاف قبر ثانٍ بالقرب من المقبرة الجماعية الكبرى، احتوى القبر على بقايا هيكلين عظميين محترقين جزئياً، أظهر اختبار الحمض النووي لاحقاً أنهما يخصان الابن الأصغر أليكسي وأناستازيا، استناداً على عمر الهيكل العظمي.
لتغلق بعدها القصة الأكثر شهرة للأميرة أنستازيا التي ألهمت العديد من المخرجين ومنتجي الأفلام على مر عصور.
عائلة رومانوف خلال عصرنا الحالي
حسب المجلة الأمريكية "History" لا تزال عائلة رومانوف تعيش بيننا حالياً، ولعل من بين أبرز الشخصيات التي تعود أصولها إلى العائلة: الأمير فيليب الراحل زوج الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، بعد اكتشاف الجثث سنة 1991 قام الأمير فيليب بتقديم عينات من دمه للعلماء الذين يسعون للتعرف على الرفات، تطابق الحمض النووي للأمير فيليب مع الجثث المكتشفة، الأمير فيليب هو حفيد القيصر ألكساندر حفيد نيكولاس الأول، أي من أبناء عم القيصر الأخير للامبراطورية الروسية.