رغم أهوال الحرب العالمية الأولى وما حدث بها من فظائع بين الأطراف المتحاربة، لكنها لم تخلُ من قصص مذهلة أثبت من خلالها البشر أنهم يمكن أن يكونوا على مستوى عالٍ من الأخلاق، واحدة من تلك القصص قصة الوفاء بالوعد الذي قطعه الأسير البريطاني روبرت كامبل للقيصر الألماني.
مشاركة روبرت كامبل في الحرب العالمية الأولى
بعد أسابيع من اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، كان الضابط البريطاني "روبرت كامبل" على رأس فوج بريطاني شمال غرب فرنسا، بعد أن أعلنت بريطانيا دخولها الحرب ضد ألمانيا، وكان الجيش الألماني وصل على مشارف المكان الذي تعسكر فيها قوات "روبرت كامبل".
شن الجيش الألماني هجوماً خاطفاً وعنيفاً جداً ضد القوات البريطانية، وحقق الألمان النصر في تلك المعركة قرب قناة "موندز كوندي"، وأصيب روبرت كامبل بجروح خطيرة، وأصبح أسيراً لدى القوات الألمانية، وكان حينها يبلغ من العمر 29 عاماً فقط.
نُقل كامبل مع الجرحى الآخرين إلى مستشفى عسكري في كولونيا، وبعد تماثله للشفاء تم إرساله إلى معسكر أسرى الحرب في منطقة "ماغديبورغ" الألمانية، حيث أمضى هناك عامين كاملين.
مرض والدة روبرت كامبل وقصة الوفاء بالوعد
في عام 1916، تلقى روبرت كامبل رسالة من الوطن، تخبره بأن والدته مصابة بالسرطان وأنها ربما ستموت، لم يكن لدى كامبل أي طريقة ليستطيع وداع والدته، فقرر أن يحاول محاولة تبدو شبه مستحيلة. قرر كامبل الكتابة لقيصر ألمانيا حينها "فيلهلم الثاني"، ليسمح له بالذهاب لرؤية والدته للمرة الأخيرة، وأن يعطه كامبل كلمة شرف بصفته ضابط وعسكري، بأن يعود بعد ذلك بنفسه للمعسكر.
وعلى غير المتوقع، بعد أن علم القيصر بطلب الضابط وافق على طلبه، ومنحه أسبوعين "إجازة" للذهاب لرؤية والدته المريضة، على شرط أن يعود كما وعد، وكان الضامن "كلمته" والوعد الذي أعطاه.
وبحسب المؤرخ فان إمدن، الذي وثق القصة، بصور من المراسلات بين وزارة الخارجية البريطانية ونظرائهم الألمان، سافر روبرت كامبل عبر هولندا ثم بالقارب والقطار إلى مدينة "جريفسيند"؛ حيث تعيش والدته، حيث أمضى عدة أيام مع والدته قبل أن يعود إلى ألمانيا بالطريقة نفسها، والغريب أن الحكومة البريطانية لم تمنعه من العودة.
تُظهر السجلات أيضًا أن الألمان اتصلوا بالبريطانيين طالبين السماح للجندي الألماني بيتر جاستريتش بمغادرة معسكر الأسرى في جزيرة وايت لزيارة والده المحتضر، لكن السلطات البريطانية رفضت الطلب.
العودة لمعسكر الأسر ومحاولة الهرب
بمجرد عودة كامبل إلى معسكر الأسر، شرع في التخطيط لمحاولة الهرب، حيث أمضى هو ومجموعة من السجناء الآخرين، تسعة أشهر في البحث عن طريقة تمكنهم من الهروب، وقد نجحوا بذلك فعلاً، ولكن تم القبض عليهم على الحدود الهولندية، وإعادتهم للأسر مرة ثانية.
وبقي روبرت كامبل هناك حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وبعد هزيمة ألمانيا عاد لبريطانيا، وخدم في الجيش حتى عام 1925.
ثم عاد للانضمام مرة أخرى عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939، حيث شغل منصب المراقب الرئيسي لفيلق المراقبة الملكي في جزيرة وايت، ونجا من تلك الحرب وتوفي عام 1966 عن عمر يناهز 81 عاماً.
وبحسب المؤرخ فان إمدن فإن التصرفات الشخصية بين الجنود البريطانيين والألمان، كانت متناقضة خلال الحرب العالمية الأولى، وكان أعلى درجة للاحترام، اكتشفه بين الطيارين الذين كانوا يقاتلون فوق الجبهات، كان كلا الجانبين بلا رحمة عند قتال بعضهم البعض في الجو، لكنهم التزموا بقواعد الفروسية على الأرض.
وحينها لم يحمل الطيارون مظلات، لأنها كانت ضخمة جداً بالنسبة لمقصورات القيادة الضيقة، وإذا اشتعلت النيران في طائراتهم، فسيواجهون خيار الحرق أحياء أو القفز وأحياناً الهبوط الاضطراري.
واعتاد الطيارون الألمان العثور على ضحاياهم البريطانيين، وإذا كانوا أمواتاً، أرسلوا تفاصيل عن أسمائهم ومواقع دفنهم عبر الخطوط البريطانية، وإذا تم العثور عليهم أحياء، فإنهم سيدعونهم لتناول وجبة قبل تسليمهم لمعسكر الأسرى.