مئات الجنود المحاصرين خلف خطوط العدو أنقذتهم حمامة.. قصة “الكتيبة المفقودة”

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/30 الساعة 19:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/20 الساعة 19:24 بتوقيت غرينتش
أعضاء "الكتيبة المفقودة" / Wikimedia Commons

في مساء الثاني من أكتوبر/تشرين الأول عام 1918، خلال الحرب العالمية الأولى، قاد الرائد "تشارلز دبليو ويتلسي" من الفرقة 77 من الجيش الأمريكي، ما يقرب من 600 جندي، إلى قلب غابة أرغون في شمال شرق فرنسا.
في تلك الليلة احتل الجيش الألماني الأرض المرتفعة من خلفهم، وحاصرهم وقطع الإمدادات عنهم، وخلال 5 أيام ذاقوا الأهوال من قصف الجيش الألماني، حتى اعتقد الجميع أنه لن ينجو أحد منهم وأطلقوا عليهم تسمية "الكتيبة المفقودة"، ولم يكن أحد يتصور أنه نجاتهم ستكون بسبب حمامة.

عناصر "الكتيبة المفقودة" خليط من وحدات مختلفة

تألفت "الكتيبة المفقودة"، من جنود من عدة وحدات عسكرية مختلفة من الفرقة 77 من قوات المشاة الأمريكية، المتمركزة في فرنسا في الحرب العالمية الأولى، وكانوا تحت قيادة الرائد "تشارلز دبليو ويتليسي"، وكانوا جزءاً من الحملة الضخمة المعروفة باسم "هجوم المئة يوم". 

الكتيبة المفقودة
أعضاء من الكتيبة المفقودة في موكب، في مدينة نيويورك / Wikimedia Commons

تم التخطيط لهجوم في غابات "أرغون" كخطوة كبيرة سعت لاختراق "خط هيندنبورغ"،  الشهير، وعلى أمل إنهاء الحرب التي استمرت 4 سنوات طويلة.

كان "خط هيندنبورغ"، حاجزاً دفاعياً أقامه الجيش الألماني على الجبهة الغربية في الحرب العالمية الأولى، لمواجهة الميزة العددية الكبيرة للحلفاء، قام القادة الألمان بتركيب مواقع دفاعية خرسانية مسلحة بالبنادق الآلية، كبداية لنظام دفاعي ممتد يصل إلى ثمانية أميال في العمق، يكاد يصعب اختراقه.

تقدم "الكتيبة المفقودة" وبداية الكارثة

في وقت مبكر من يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول، تقدمت "الكتيبة المفقودة" مع وجود الفرقة 28 الأمريكية على يمينهم وأجزاء من فيلق الجيش الفرنسي الرابع على يسارهم، ودخل الرائد "ويتليسي" ورجاله في غابة أرغون.

كتيبة المفقودة
الرائد ويتليسي على اليمين / Wikimedia Commons

 وتوجهوا نحو "التل 198" وكان هدفهم السيطرة عليه، وعندما تقدموا إلى الغابة، واجهوا مقاومة شرسة من الجيش الألماني لكنهم تابعوا التقدم؛ لأنهم كانوا واثقين من أن أجنحتهم آمنة، ولكن ومع حلول الظلام بدأت الكارثة.

بينما كان الرائد ويتليسي ورجاله يتسللون للأمام ويخترقون القوات الألمانية، لم يكن جنود الحلفاء على كلا الجانبين ناجحين في مهمتهم.

كانت "الكتيبة المفقودة" قد استولت على هدفها في "التل 198″، وكان الجنود يحفرون مواقع تحميهم وسواتر ترابية بسيطة، في نفس الوقت، أجبرت الضربات العنيفة المضادة من الجيش الألماني، القوات الفرنسية على اليسار والقوات الأمريكية على اليمين على التراجع.

ومع عدم علم الرائد "ويتليسي" بهذه الانتكاسة، أطبقت القوات الألمانية الطوق على "الكتيبة المفقودة" وحاصرتهم من كل جانب، بل قطعت عنهم خطوط الإمداد، ولم يكن أمام  الرائد ويتليسي سوى خيارين فقط.

إما الانسحاب والمخاطرة بالتعرض لإطلاق نار كثيف من الجيش الألماني في مناطق مفتوحة من الغابة؛ ما يعني خسائر كبيرة بالأرواح، أو البقاء في مواقعهم والقتال لحين وصول الدعم، الذي ربما لن يصل إليهم في الوقت المناسب.
فكان القرار البقاء في مواقعهم والاستعداد للدفاع عن التل مهما كان الثمن.

قذائف الجيش الأمريكي تمطر "الكتيبة المفقودة" بالخطأ

تقدمت قوات الجيش الألماني وأطبقت على موقع "الكتيبة المفقودة" ولم يكن بين الطرفين سوى عشرات الأمتار، وكان القتال عنيفاً جداً فسقط من الطرفين قتلى وجرحى بالعشرات.

الكتيبة المفقودة
جنود ألمان يقومون بتشغيل قاذف اللهب / Wikimedia Commons

وحتى بعد معرفة القيادات في الجيش الأمريكي بالذي حصل، ومحاولتهم فك الحصار عن الكتيبة لم يتمكنوا من ذلك، بسبب قوة وشراسة دفاع الجيش الألماني، والسبب الآخر لأنهم لم يكونوا يعرفوا موقع الكتيبة بالضبط.

لمدة خمسة أيام وليالٍ، صمد الجنود الأمريكيون في وجه الهجوم الألماني، وعانوا من جميع الجوانب، من النيران الألمانية وهجمات القنابل اليدوية المدمرة، ومدافع الهاون، وبدأ الطعام والذخيرة والماء ينفذ لدى جنود "الكتيبة المفقودة".

ما زاد الوضع تعقيداً، كان استخدام اللاسلكي؛ يعني تجسس الجنود الألمان على الرسائل، وشاع في الحرب العالمية الأولى استخدام الحمام الزاجل للتواصل بين وحدات الجيش، أرسل الرائد "ويتليسي" إحداثيات موقع "الكتيبة المفقودة" من خلال رسائل الحمام الزاجل، الذي استهدفه قناصة الجيش الألماني ومنعه من المرور.

ولحسن الحظ، وصل بعض الحمام الزاجل للجيش الأمريكي الذي حاول إرسال الإمدادات "للكتيبة المفقودة" وإسقاطها عن طريق الطائرات، لكن الطائرات كانت تتعرض لإطلاق نار عنيف، وكانت الإمدادات تسقط في أماكن بعيدة.
حاولت القوات الأمريكية توجيه قصف مدفعي على المواقع الألمانية للمساعدة في الدفاع عن "الكتيبة المفقودة"، ولكن بدأت المدفعية الأمريكية للأسف في قصف الرائد "ويتليسي" ورجاله بدلاً من القوات الألمانية.

 سقط من الكتيبة المفقودة جراء "القصف الأمريكي" ضحايا كثيرون، واستمرار القصف يعني القضاء على الكتيبة كلها فكان لا بد من حل عاجل.

حمامة واحدة تنقذ "الكتيبة المفقودة"

على الرغم من أن الحمام الزاجل المتعاقب بالكاد تمكن من عبور نيران القناصة الألمان، لم يتبقى لدى "الكتيبة المفقودة" سوى طائرها الأخير، حمامة كانت تحمل اسم "شير آمي"، وكانت هي أملهم الوحيد بالنجاة.

الكتيبة المفقودة
الحمامة شير آمي / Wikimedia Commons

كتب الرائد "ويتليسي" نداء يائساً لوقف القصف في رسالة جاء فيها: "نحن على طول الطريق الموازي 276.4، مدفعيتنا تسقط وابلاً مباشراً علينا، بحق السماء توقفوا"، وربطوها بالحمامة وأطلقوها، وسط إطلاق نار كثيف من المدفعية الأمريكية والرصاص الألماني.

على الرغم من إصابة "شير آمي" بإصابات بليغة، وكونها فقدت عينها وأصيبت بشظية في صدرها، وكانت إحدى أرجلها شبه مقطوعة، إلا أنها تمكنت من حمل الرسالة وأوصلتها بنجاح، وبفضل تلك الرسالة توقف القصف الأمريكي الذي كاد أن يقضي على جنود "الكتيبة المفقودة" كلهم.

وبينما تروي بعض المصادر أن الحمامة لم تكن هي السبب في توقف القصف، وأن الجيش الأمريكي تنبه إلى خطئه قبل دقائق من وصول الحمامة، لكن بالنسبة لأفراد "الكتيبة المفقودة" وشهادات الكثير من الجنود حينها، كانت هي من أنقذت حياتهم.

نجاة الكتيبة المفقودة ومصير الحمامة "شير آمي"

في وقت متأخر من يوم 7  أكتوبر/تشرين الأول، وبعد فشل الجيش الألماني في السيطرة على التل، الذي تمركز به الرائد "ويتليسي" ورجاله، تراجعت القوات الألمانية شمالاً بعد أن تقدمت قوات أمريكية كبيرة وهددت بتطويقها.

ونجحت تلك القوات بكسر الحصار عن "الكتيبة المفقودة"، وقدمت قوة إغاثة تابعة للحلفاء كل ما لديهم من طعام للرجال الجائعين، وبدأت على الفور في رعاية العديد من الجرحى، وتحدث الجميع عن شجاعة جنود "الكتيبة المفقودة" وصمودهم، لكن ذلك الصمود لم يكن بلا ثمن.

يسرد العدد النهائي للضحايا حوالي 107 قتلى، و190 جريحاً، و63 مفقوداً، من أصل 554 رجلاً، منح الجيش الأمريكي وسام الشرف لثلاثة جنود شاركوا في الحصار، بمن فيهم الرائد ويتليسي، الذي حصل على ترقية إلى رتبة مقدم.
أما الحمامة "شير آمي" فكانت قد ماتت بعد وصولها متأثرة بجراحها، وقررت الحكومة الأمريكية تحنيطها، ولا تزال معروضة حتى يومنا هذا في متحف "سميثسونيان للتاريخ الأمريكي"، وإذا نظرت عن قرب، يمكنك أن ترى مكان الجرح في صدرها.

تحميل المزيد