يشترط قسم أبقراط الذي يقسمه الأطباء "عدم إلحاق الأذى" بالمرضى. لكن عبر تاريخ الطب الطويل، لم يتم اتباع هذه القاعدة دائماً.
فقد جرب الأطباء طرقاً عديدة كانت غريبة ومثيرة للاشمئزاز وبعضها وحشي لأهداف علاجية لكنها تسببت في بعض الأحيان في ضرر كبير للإنسان وحتى موته.
من الإجراءات البربرية مثل ثقب الجمجمة إلى الجرعات المخيفة التي تحتوي على الزئبق، جمعنا لكم في هذا التقرير قائمة ببعض من أغرب العلاجات الطبية وأكثرها وحشية التي استخدمت في التاريخ القديم، والتي تجعلنا نقدر كل التطورات التي حققتها العلوم الطبية في تاريخنا المعاصر.
1. إراقة الدماء للتخلص من الدم الفاسد
لآلاف السنين تشبث الممارسون الطبيون بالاعتقاد بأن المرض كان مجرد نتيجة لوجود "الدم الفاسد".
يعتقد أن علاج إراقة الدماء بدأ عند قدماء السومريين والمصريين قبل 3 آلاف سنة، ثم أصبحت ممارسة شائعة في اليونان وروما. وقد أكد الأطباء المشهورون حينها مثل أبقراط وجالينوس أن جسم الإنسان كان مليئاً بأربع مواد أساسية، المادة الصفراء والمادة السوداء والبلغم والدم، ويجب الحفاظ عليها في حالة توازن للحفاظ على الصحة السليمة.
مع وضع هذا في الاعتبار، غالباً ما يتم تشخيص المرضى الذين يعانون من الحمى أو أي مرض آخر بفرط في الدم. ولاستعادة الانسجام بين هذه المواد، يقوم طبيبهم ببساطة بقطع الوريد وتصريف بعض الدم في وعاء. وفي بعض الحالات، تم استخدام العلقات لامتصاص الدم مباشرة من الجلد.
في حين أنه يمكن أن يؤدي بسهولة إلى الوفاة من فقدان كمية كبيرة من الدم، فقد استمر علاج إراقة الدماء كممارسة طبية شائعة في القرن التاسع عشر.
ويشير موقع History، إلى أن أطباء العصور الوسطى وصفوه علاجاً لكل شيء من التهاب الحلق إلى الطاعون، وأدرجه بعض الحلاقين كخدمة إلى جانب قصات الشعر والحلاقة.
بحلول أواخر القرن التاسع عشر، حدت العلاجات والتقنيات الجديدة إلى كبير من علاج إراقة الدماء، وبدأت الدراسات التي أجراها أطباء بارزون تحذر من هذه الممارسة. لكن إلى اليوم لا يزال علاجاً تقليدياً لعدد صغير جداً من الحالات. كما شهد استخدام العلق رواجاً في العقود الأخيرة، لا سيما في مجال الجراحة المجهرية.
2. ثقب الجمجمة لطرد الأرواح الشريرة وعلاج الصداع والصرع
أقدم أشكال الجراحة البشرية هي أيضاً واحدة من أبشع صورها. منذ 7000 عام مضت، قامت الحضارات في جميع أنحاء العالم بعملية ثقب الجمجمة كوسيلة لعلاج الأمراض.
تشير بعض المصادر إلى أن الإجراء ربما كان شكلاً من أشكال الطقوس القبلية أو حتى طريقة لإطلاق الأرواح الشريرة التي يعتقد أنها تمتلك المرضى والمصابين بأمراض عقلية.
لكن يعتقد أيضاً أنها كانت عملية جراحية تقليدية تستخدم لعلاج الصرع والصداع والخراجات وتجلط الدم.
وقد تم اكتشاف آلاف الجماجم التي تحمل علامات "النقب" أو ثقوب الرأس في مواقع أثرية مختلفة حول العالم مثل البيرو التي تشير إلى أن العملية كانت أيضاً علاجاً طارئاً شائعاً لتنظيف شظايا العظام التي خلفتها كسور الجمجمة.
ويشير موقع CNN إلى أن عملية ثقب الجمجمة ربما كان لها وظيفة تخفيف الصداع أو الدوار مثل مسكّنات الأسبرين!
فقد عثرت بعثة استكشاف أمريكية عام 1911 على كهف دفن مليء بالجماجم المثقوبة يعود لحضارة الإنكا في بيرو.
ثم في عام 1936، كشفت أعمال تنقيب في موقع دفن آخر لحضارة الإنكا عن جماجم بها ثقوب متعددة ملتئمة، تراوحت من 5 إلى 7 ثقوب متسقة الحجم كان بعضها ملتئم الحواف، ما يعني أن أصحابها نجوا من العملية وعاشوا لفترة بعدها.
ولكن البعض الآخر من الثقوب كان متفرّعاً بشقوق طويلة، ما يشير إلى أن أصحابها على الأرجح لم ينجُوا من العملية. ما دفع العلماء إلى الاستنتاج بأن أعداد الناجين من هذه العملية لا يتعدّى 40% منهم.
3. الزئبق، إكسير الحياة وعلاج سحري للبشرة
يشتهر الزئبق بخصائصه السامة، ولكنه كان يستخدم في التاريخ القديم كإكسير شائع في الطب الموضعي. كما اعتبره الفرس والإغريق القدماء مرهماً مفيداً، وكان الكيميائيون الصينيون في القرن الثاني يقدرون الزئبق السائل وكبريتيد الزئبق الأحمر لقدرتهما المفترضة على زيادة العمر والحيوية.
حتى إن بعض المعالجين وعدوا أنه من خلال تناول مشروبات تحتوي على الزئبق السام والكبريت والزرنيخ، سيكتسب مرضاهم الحياة الأبدية والقدرة على المشي على الماء. كان من أشهر ضحايا هذا النظام الغذائي الإمبراطور الصيني تشين شي هوانغ، الذي مات بعد تناول حبوب الزئبق المصممة لجعله خالداً.
ومنذ عصر النهضة حتى أوائل القرن العشرين، تم استخدام الزئبق أيضاً كدواء شائع للأمراض المنقولة جنسياً مثل الزهري.
كما كان للزئبق تاريخ طويل في استخدام علاج مشاكل الجلد. ففي القرن الثالث عشر الميلادي، كان يضاف عادة إلى الدهون الحيوانية لتشكيل كريم سميك يستخدمه المرضى المصابون بالصدفية والجذام.
كما استخدمت أملاح الزئبق، التي تذوب في الماء أو الكحول كأساس للأدوية التي تستخدم لعلاج كل شيء من الملاريا إلى الحمى الصفراء.
لم يتم التوقف عن استخدام الزئبق للأهداف العلاجية حتى الخمسينيات من القرن الماضي، عندما تم اكتشاف علاجات أكثر فاعلية لأمراض مثل الملاريا والحمى الصفراء وتأكدت مخاطر الزئبق المميتة.
4. دم الحيوانات وروثها ولعابها لعلاج أمراض مختلفة
كان لدى قدماء المصريين نظام طبي مميز ومتكامل وأطباء متخصصون في علاج أمراض معينة. ومع ذلك، فإن العلاجات التي وصفوها كانت غريبة أحياناً ومثيرة للاشمئزاز.
على سبيل المثال تم استخدام دم السحلية والفئران الميتة والطين والخبز المتعفن كمراهم وضمادات موضعية، وفي بعض الأحيان تم إعطاء النساء جرعات من لعاب الحصان كعلاج لضعف الرغبة الجنسية.
الأمر الأكثر إثارة للاشمئزاز هو أن الأطباء المصريين استخدموا فضلات الإنسان والحيوان كعلاج شامل للأمراض والإصابات.
كما استخدموا روث الحمار والكلب والغزال والذباب لخصائصها العلاجية وقدرتها على درء الأرواح الشريرة.
وفي حين أن هذه العلاجات البغيضة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الإصابة بالعديد من الالتهابات، لكن بعض الأبحاث وجدت أن البكتيريا الموجودة في بعض أنواع روث الحيوانات تحتوي على مضادات حيوية.
5. دم وعظام البشر لعلاج الصداع أو تقرحات المعدة
لعلاج الصداع المستمر وتقلصات العضلات أو تقرحات المعدة، كان الأطباء يصفون إكسيراً يحتوي على لحم أو دم أو عظم بشري، وكان يسمى ذلك العلاج "طب الجثث".
اعتقد الرومان أن دماء المصارعين الذين فارقوا الحياة يمكن أن تعالج الصرع، وكان الصيدليون في القرن الثاني عشر معروفين باحتفاظهم بمخزون من "مسحوق المومياء"، وهو مستخلص مصنوع من مومياوات مطحونة نُهبت من مصر.
كان يعتقد أن هذه الأدوية لها خصائص سحرية، وأنه من خلال استهلاك رفات المتوفى يحصل المريض أيضاً على جزء من روحه، ما قد يعطيه قوة أكبر ويزيد من حياته.
وعادة ما كان يتوافق نوع العلاج الموصوف مع نوع المرض، على سبيل المثال تم استخدام الأدوية المصنوعة من الجمجمة للصداع النصفي، أما تلك المصنوعة من الدهن البشري فكانت لآلام العضلات.
وفي بعض الحالات كان المريض يحضر عمليات الإعدام للحصول على كوب من دم الشخص المقتول حديثاً.
6. القار والكبريت وتعليق المرأة بالمقلوب لإعادة الرحم لمكانه
طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كانت "الهستيريا الأنثوية واحدة" من "الاضطرابات" الأكثر شيوعاً التي تم تشخيصها.
ويشير بحث تاريخي كبير قام به باحثون من جامعة كالياري في إيطاليا عام 2021، بعنوان "التاريخ الشامل للهستيريا الأنثوية"، إلى أن النصوص المصرية التي يعود تاريخها إلى عام 1900 ق.م، أشارت إلى أن الاضطرابات الهستيرية كان سببها "تحرُّك أرحام النساء" في جميع أنحاء أجسادهن.
الإغريق القدماء اعتقدوا أيضاً أن حركة الرحم كانت سبب الهستيريا أيضاً. ففي القرن الخامس قبل الميلاد، صاغ أبقراط، مؤسس الطب، مصطلح "الهستيريا" من كلمة "الهيستيرا" أو "الرحم" باليونانية القديمة، وعزا سببها أيضاً إلى حركات الرحم غير الطبيعية في جسم المرأة.
وقد اتَّفق أفلاطون مع أبقراط، واعتقد أيضاً أن للرحم قدرة على التجُّول حول جسد الأنثى حتى، ما يتسبب في مجموعةٍ من الاضطرابات الجسدية والعقلية عند النساء.
وقد كان يتم علاج هذه الحالة من خلال تعريض المرأة للروائح المختلفة؛ للتحريض على العطس الشديد، ما يُسبب تحرك الرحم، وكذلك تعليقها بالمقلوب؛ في محاولة لإعادة الرحم إلى مكانه "الصحيح"!
كما كان يتم إجبار النساء على الزواج في سن مبكرة وإنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال. كما كانوا يقومون بتبخير رأس المريضة بالكبريت والقار بينما يفركون في نفس الوقت المستحضرات ذات الرائحة اللطيفة بين فخذيها لكي يهرب الرحم من الروائح الكريهة ويعود إلى مكانه الصحيح.
7. تقبيل ولعق الجماجم للتوقف عن طحن الأسنان
بالنسبة للبابليين القدماء كان يُعتقد أن معظم الأمراض ناتجة عن قوى شيطانية أو عقاب من الآلهة على جرائم الماضي.
وغالباً ما كان لدى الأطباء قواسم مشتركة مع الكهنة وطاردي الأرواح الشريرة، وعادةً ما اشتملت علاجاتهم على بعض مكونات السحر.
على سبيل المثال، إذا كان المريض يطحن أسنانه، فقد يشك المعالج في أن شبح أحد أفراد الأسرة المتوفين كان يحاول الاتصال به أثناء نومه. لعلاج ذلك، كان يوصي الطبيب المريض بالنوم بجانب جمجمة بشرية لمدة أسبوع كطريقة لطرد الأرواح. ولضمان نجاح هذا العلاج، كان يطُلب من المريض أيضاً تقبيل ولعق الجمجمة سبع مرات كل ليلة.
8. حقن شرجية من دخان التبغ
في أواخر القرن الثامن عشر بدأ التبغ في الوصول إلى الشواطئ الإنجليزية من الأمريكتين. وبدأ يروج إلى أنه عند استخدامه كحقنة شرجية، يمكن أن يعالج دخان التبغ مجموعة واسعة من الأمراض.
وكما يوحي الاسم، تتضمن حقنة دخان التبغ حرفياً نفخ الدخان في مستقيم المريض.
كانت تستخدم هذه التقنية على أولئك الذين سقطوا في نهر التايمز وكانوا على وشك الغرق لإنقاذهم. فقد كان يُعتقد أن الحقن الشرجية لدخان التبغ تعمل على تدفئة المريض من الداخل وتحفيز التنفس.
بالإضافة إلى ذلك، استخدم الناس الحقن الشرجية لدخان التبغ لعلاج العديد من الأمراض مثل الصداع وتشنجات البطن والتيفوئيد والكوليرا.
في عام 1811، اكتشف العالم الإنجليزي بن برودي أن النيكوتين مادة سامة للقلب، وسرعان ما أصبح من غير استخدام الحقن من قبل الأطباء.