كان أنتوني كاسو واحداً من أقسى القتلة المحترفين ومساعدي عصابات المافيا الذين شهدتهم مدينة نيويورك في ثمانينيات القرن الماضي، لكن صعوده في صفوف عصابات الجريمة المنظمة ارتبط بحالة من "جنون الارتياب" تجاه فكرة المخبرين، ما كان يدفعه للتشكك في كثير من الناس وقتلهم فقط لاعتقاده أنهم "مخبرون".
إذ اعترف كاسو بقتل ما لا يقل عن 36 شخصاً شك في أنهم قد يكونون مخبرين، وأمر بإعدام 100 آخرين بينهم أشخاص كل ما فعلوه هو تحدثهم للشرطة، وذلك في العام 1993 بعدما اعتقل عقب سنوات من الهرب، لكن الأكثر غرابة أن كاسو تحول إلى مخبر!
صعود رجل العصابات أنتوني كاسو
يبدو أن هوس كاسو الذي وُلد في 21 مايو/أيار عام 1942 في بروكلين بولاية نيويورك- كان يرافقه منذ طفولته، حيث قضى أوقاته باصطياد الطيور من البنايات السكنية والأحجار المبنية مستخدماً بندقية عيار 22 زودها بكاتم صوت، وكان الأب الروحي له كابتن في عائلة جينوفيز الإجرامية.
أما والده الحقيقي فكان له سجل إجرامي ثم تاب منه لاحقاً، إذ اتهم والده بجرائم السطو في أربعينيات القرن الماضي، لكنه اشتغل كذلك عامل تحميل وتفريغ سفن، ونصح ابنه بالابتعاد عن تلك الحياة الإجرامية، لكن كاسو لم يتبع النصيحة، وأطلق على نفسه اسم "جاسبايب"، وهو اسم أفضل سلاح استخدمه أبوه.
بعد بلوغه الـ21 عاماً، انضم إلى عائلة لوكيزي الإجرامية، وهي ثالث أكبر عصابة مافيا في المدينة، وبدأ سجله مرابي قروض ومنفذ مراهنات قبل الدخول إلى تهريب الهيروين واستخدام أسلحة نارية، وفي سنوات إجرامه الأول اعتُقل خمس مرات بين عامي 1965 و1977، لكن جميع القضايا رُفضت بعد رفض الشهود الإدلاء بشهادات ضده.
لكنه لم يصبح عضواً رسمياً في العائلة الإجرامية إلا بحلول الـ27 من عمره، وعمل بعدها مع زميله في عائلة لوكيزي، فيتوريو أموسو على ابتزاز مقاولي البناء وشركات النقل بالشاحنات من أجل ضمان تغاضي الاتحادات والنقابات العمالية، وتهريب المخدرات، وأدارا صالات القمار، وتعاونا مع حانة تملكها منظمة إجرامية للسطو، ووصل إجمالي ما سرقوه حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، إلى 100 مليون دولار، وفق تفاصيل روتها صحيفة New York Daily News الأمريكية.
لكن في أواخر عام 1985، حدث انقلاب داخل عائلة غامبينو، وهي العائلة الإجرامية الأولى في المدينة، وذلك عندما استولى جون غوتي انقلاباً ضد الزعيم بول كاستيلانو، وقتله بدون موافقة من هيئة إدارة المافيا الأمريكية المعروفة باسم The Commission، التي تنظم هذه الأفعال بين عائلات نيويورك الإجرامية الخمس.
طبعاً، أثار ذلك غضب العائلات الإجرامية الأخرى، بينهم رئيس عائلة لوكيزي، أنتوني كورالو، فقامت بالتعاون مع العائلة الإجرامية الثانية جينوفيزي، بانتداب أنتوني كاسو لقتل غوتي، وبالفعل حاول في العام التالي تفخيخ سيارة غوتي التي كان من المفترض أن يستقلها لحضور اجتماع، لكنه ألغى اجتماعه وقتل مساعده في السيارة المفخخة.
بعد أشهر؛ كان قائد العائلة يواجه قضايا ابتزاز- حُكم عليه بالسجن 100 عام، فسلم السلطة لأموسو صديق كاسو، ليصبح كاسو مستشاراً للرئيس، ومع هذه الترقية الكبيرة بدأ "جنون الارتياب" في تتبع المخبرين، خصوصاً مع مراقبته من مكتب التحقيقات الفيدرالية، ما دفعه لقتل أي شخص يشك في علاقته بالشرطة، حتى إنه دفع رشاوى ضابطي شرطة في شرطة نيويورك ليعملا لديه.
كان كاسو متطلعاً للثراء أيضاً، وبدأ كاسو في بناء قصر له في منطقة ميل بيسين في بروكلين، كما ظلت جثث المخبرين تتراكم وراءه في المرائب وصناديق السيارات، أيضاً كان يتلقى تحذيرات من أعينه في أجهزة الشرطة عن احتمال إدانته في قضايا ابتزاز عن طريق المحكمة الفيدرالية في بروكلين، ليقرر كاسو وصديقه أموسو الهرب في النهاية.
انتهت ملاحقات الأجهزة الأمنية باعتقال الزعيم أموسو، ورُقّي كاسو ليكون قائماً بأعمال الرئيس، وعين كاسواً مساعداً له يدعى ألفونسو داركو، وخلال سنتين من إدارته للعصابة، أمر كاسو بتنفيذ أكثر من 20 عملية قتل أثناء اختبائه، وقد تمادى في هذه الاغتيالات لدرجة أنه أمر بقتل مهندس الديكور الذي عينه عندما اشتكى من تأخر مدفوعات الأموال المطلوبة لبناء قصره.
كاسو قاتل المخبرين أصبح مخبراً متعاوناً مع الشرطة في النهاية
أدرك المساعد داركو أن رئيسه كاسو لم يكن يحاول إيقاف ظهور المخبرين، بل نشأت لديه رغبة في قتل كل من يشك بأمره، وقرر مدفوعاً بالخوف على حياة أطفاله، الاتصال بعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي وصار شاهداً حكومياً. وفي غضون ذلك، حاول كاسو اغتيال مدعٍ فيدرالي في العام 1992، ثم حاول قتل قاضٍ في العام 1993.
بينما كان مكتب التحقيقات الفيدرالية يكثف جهوده لاعتقال كاسو، وبالفعل ألقي القبض عليه من منزل صديقته بمنطقة بود لاك في ولاية نيوجيرسي في 19 يناير/كانون الثاني العام 1993، وأقر كاسو بالذنب في 72 تهمة جنائية، بما في ذلك 14 عملية قتل على طريقة العصابات واتهامات بالابتزاز في عام 1994.
أراد كاسو عقد صفقة مقابل الإقرار بالذنب، والوشاية بأشخاص على شاكلة ضابطي شرطة نيويورك، وحصل على حماية بموجب برنامج حماية الشهود، حتى في ظل قضاء مدة سجنه في السجون الفيدرالية، لكنه طُرد من هذا البرنامج بعد 3 سنوات بعد سلسلة من الرشاوى والاعتداءات، وفي العام 1998، أدانه قاض فيدرالي بالابتزاز، والتآمر لارتكاب جرائم قتل، وارتكاب جرائم قتل، والرشاوى، والتهرب الضريبي، ليُحكم على كاسو بالسجن 455 سنة.
في العام 2009، شُخصت إصابته بمرض سرطان البروستاتا، وبعد سنوات صار قعيداً على كرسي متحرك ومصاباً بعدد من المشكلات الصحية في الرئة، وفي أواخر العام 2020 أصيب بفيروس كوفيد-19، حيث توفي على جهاز التنفس الصناعي بسبب مضاعفات المرض، وفقاً لموقع All That's Interesting الأمريكي.