هل لاحظتِ أن بناطيل الجينز النسائية ذات جيوب ضيقة وصغيرة مقارنةً بجيوب بناطيل جينز الرجال؟ لدرجة أن جيب البنطال الجينز النسائي قد لا يتسع للهاتف فيخرج نصفه من الجيب، على عكس جيب بنطلون الجينز الرجالي من نفس الماركة حتى، فيأخذ الهاتف كاملاً والمفاتيح والمحفظة وغيرها من الأشياء!
حتى إن الأرقام تثبت هذا الشعور، إذ قام موقع ويب لتصور البيانات يسمى Pudding بقياس جيوب 80 زوجاً من بناطيل الجينز الرجالي والنسائي ووجد أنه في المتوسط جيوب الجينز النسائية أقصر بنسبة 48% وأضيق بنسبة 6.5% من جيوب الرجال، كما أشار موقع The Verge الأمريكي. وهنا السؤال لماذا جيوب بناطيل النساء ضيقة؟
لماذا جيوب بناطيل النساء ضيقة أكثر من بناطيل الرجال؟
تاريخياً؛ لم تكن جيوب ملابس النساء ضيقة، بل كبيرة وأكبر حتى من الجيوب التي تحاك بملابس الرجال، وللدقة لم تكن الجيوب جزءاً من الملابس، بل كانت جيوباً منفردة ترتديها النساء تحت الملابس، لأن الملابس المصممة كانت خالية من الجيوب.
وقد اعتادت النساء من القرن السابع عشر على ارتداء جيوب كبيرة قابلة للفصل، وكانت تربط بحزام على الوسط أسفل الفساتين، وصنعت لمساعدة النساء على حمل المقتنيات بخصوصية وحفظها جميعاً في ملابسها، ولم تكن هذه الجيوب عصرية أو مصممة بتصميمات مميزة، لكنها كانت عملية وتحمل الكثير من الأشياء تحت الملابس.
في البداية لم يكن لدى النساء أي شكوى بخصوص عدم احتواء ملابسهن على جيوب، لأنهن يرتدين جيوباً منفصلة بالفعل وأكبر مما كانت تصمم في ملابس الرجال، وتعرف الآن هذه الجيوب باسم: "الجيوب المربوطة/Tie-in Pockets".
لكن في القرنين التاسع عشر والعشرين لم يعد ارتداء الجيوب عصرية أو موضة متبعة كثيراً حسبما قالت المؤرخة أريان فينيتو، المشاركة بتأليف كتاب حول هذا الموضوع (The Pocket: A Hidden History of Women's Lives – 1660-1900) في حوار مصور مع شبكة VOX الأمريكية.
اضطرت العديد من النساء إلى اللجوء إلى استخدام المحافظ والحقائب كبديل لحمل مقتنياتهن، لكن بعضهن ظل محافظاً على الموضة القديمة والأكثر عملية في استخدام الجيوب المربوطة تحت الملابس لتحمل الكثير من المقتنيات، بجانب الحقائب العصرية الأصغر حجماً.
في هذه الفترة كان المصممون بدأوا في ابتكار أماكن مختلفة لتصميم الجيوب، ولم تعد الجيوب مقتصرة على الجيبين الجانبيين للبنطال، وأصبحوا يصممون جيوباً مختلفة في البدلات والقمصان لمختلف المقتنيات التي قد يحملها الرجال بصورة يومية، مثل الساعات والسجائر وغيرها من المقتنيات.
أما بالنسبة للنساء؛ فلم يكن المصممون أو الخياطون قد استقروا على اختيار مكان يضعون فيه الجيوب، خصوصاً أن الفساتين والتنورات كانت الملابس الشائعة للنساء، ولم تكن النساء ترتدي بعد البناطيل. لكن مع نهاية القرن الـ19 وبداية القرن العشرين، بدأت بعض النساء تتساءل عن سبب عدم وجود جيوب محاكة في الملابس وعملية مثل ملابس الرجال.
ومع دخول النساء إلى بيئة العمل خصوصاً مع الثورة الصناعية في أوروبا (في القرن الـ19) أصبح ارتداء البناطيل أكثر عملية لتسهيل الحركة أثناء العمل، وبدأت بعض الشركات تستجيب لهذا التغير، حتى إن شركة الملابس الأمريكية Levi's صنعت أول بنطال نسائي جينز بجيوب في العام 1930، وكان لونه أزرق.
لكن هذا البنطال استُخدم من النساء اللاتي كن يعملن في مجالات لها علاقة بالإنتاج الزراعي، وفي الـ30 سنة اللاحقة تحول هذا البنطال العملي المصنوع لمساعدة النساء العاملات وأصبح صيحة جديدة في ارتداء الملابس للنساء في أوروبا وأمريكا.
مع الوقت بدأت الجيوب تختفي ثانية من ملابس النساء، لكن هذه المرة كان لجعل تصميمات بناطيل النساء مجسمة وأكثر رقة وخفة، خصوصاً مع ظهور البناطيل الجينز الـ Skinny jeans، حتى إن بعض تصميمات البناطيل أصبحت خالية من الجيوب، وأصبحت تصمم فيها جيوب وهمية بخياطة من الخارج ولكنها لا تحتوي على جيوب فعلية، وكل ذلك لدواعٍ جمالية في اعتقاد المصممين ليس إلا.
وبعد هذه الرحلة التاريخية التي مرت بها الجيوب مع ملابس النساء، أصبح وجود جيوب حتى في الفساتين والتنانير صيحة جمالية في بعض الأحيان، وأيضاً أمراً عملياً وشائعاً، ولم يعد يقتصر على ملابس الرجال، لكن اختلاف حجمه الآن يعود فقط إلى جمالية التصميم.